لماذا تبدو صنعاء اليوم أخطر من طهران 1979
هاني سالم مسهور
رغم مرور أكثر من عقدين على التدخلات الأميركية المباشرة وغير المباشرة في اليمن، لا تزال نتائج المقارب...
عندما كنت اخرج في الصباح للعب امام البيت . كنت لا اجد احد من الاطفال للعب معهم اضجر وانسحب الى الداخل . وفي يوم قرعت باب جيران لنا . وفي ذلك البيت وجدت الصحبه وجدت الالفه وجدت . من هم في مثل سني واصغر مني واكبر مني بسنوات . وجدت فيه أم محمود أمرأة لم اجد مثلها من طيبة وحنان . كانت تستقبلني في بيتها كأنني ولد من اولادها . ودائما ماكانت تنادى اسمي بدل من احمد ياحمودي . كان بيت أم محمود هو الملاذ والمتعة التى وجدت فيها ضالتي. كنت لازلت طفلا في السابعة وهو عام دخول المدرسة . ولم تكن المدرسة كما كنت اتشوق لها . كان الأطفال يقفون في الطابور الصباح . بأدب جم و صمت ملتزمين منصاعين للاأوامر . حالهم من حال المدينه الصامته الهادئه . وكأنهم ورثوا طبعهم المنكسر واللين والطيب من مدينتهم مدينة الصمت . عدا اصوات الغراب المزعجة . التى كانت تحلق فوق سور المدرسه . فكنت بعد العودة منها اذهب الى بيت أم محمود . الذي كان فيه مدرسة اخرى تعلمتها غير المدرسة التى نعرفها . كانت البنت حنان وهي اكبر الاناث من أم محمود . نلعب معها بعرائسها التى تصنعها من قطع القماش وعلب الكبريت والسجائر . كانت تبهرنا بقصصها وتشرد بنا الى خيال واسع مع عرائس القماش . الا أن اللحظات التى غيرت حياتي من طفل صغير وساذج الى طفل اخر يبحث عن المعرفة . كان حين ادخل غرفة محمود الابن الاكبر من أم محمود . وكان يكبرني بعشر سنوات تقريبا . كان قد اكمل الثانويه العامه بينما أنا في اول ابتدائي. كانت غرفته مكتبة كبيرة تجد كل كتب الدنيا فيها . من قصص وروايات عربيه واجنبيه ومجلات وكتب لمفكرين عرب وأجانب . وصوت عبدالحليم حافظ الذي شدني اليه منذو اول مرة اسمعه في غرفة محمود . كنت صغيرا حينها الا اني كبرت في غرفة محمود بين كل تلك الكتب والمجلات وعبدالحليم حافظ . تغيرت فيها كثيرا في عالم جديد لم اكن اعرفه من قبل . ومن سنة الى اخرى . فلم أعد العب كثيرا مع حنان وعرائسها القماش . وبدأت القرأئة من مكتبة محمود هي من تستهويني وتشدني اليها اكثر فأكثر .حتى جاءت مرحلة الثانويه . وأنا أكثر نضجا وفهم . ولكنه فهما اخر للحياة . كنت مثل الحالم الذي يعيش بين الكتب وخيالها الواسع . وليس الواقع الذي كنا فيه . لان ماتقرأه في الكتب حيوات اخرى غير حياتك انت او الواقع الذي انت منه . هكذا فهمت فيما بعد . عندما سألني مصطفي زميلي في الثانويه . لماذا يا احمد لا تنظم معنا في التنظيم . كان سؤاله مفاجئ لي . لم اعلم انه عضو في تنظيم . رغم صحبتي له ثلاث سنوات في الثانويه العامه. تفاجئت من سؤاله ولم اعرف شئ عن التنظيم . الا بعد أن شرح لي ان هناك تنظيم طليعي وتنظيم شعبي وعدة تنظيمات اخرى . وان الطلبه ينخرطون في هذه التنظيمات لاجل العمل السياسي والاستقلال وأضاف ايضا . توجد لديهم منح دراسيه في الخارج او عمل اذا اردت بعد الثانويه . وجدت ان مصطفى اكثر وعي مني وانه يدرك الحياة وماذا يريد منها . كنت صامت اتأمل و افكر حتى استوعب ماقال لي مصطفى . و اعيد ترتيب نفسي . لم اعطى جواب لمصطفى وهو يلح السؤال مرة اخرى . كنت قد عدت إلى منزلنا القديم في كريتر في عدن بعد دخولي الثانويه العامه . وعدن ليست اي مدينه اخرى . عدن كانت مدينتي عشق لاينتهي ليس له حد او نهايه . حين عدت إلى عدن كنت اعرف اني على موعد معها . فهي تعرف كيف تسحرني الى عالمها . كما قال عبدالله فاضل في شعره .
عدن غدت عدنا وليس سواها .
وما بعدها كل المدائن والقرى .
مثل الاماء يسرن خلف خطاها .
كنت في عدن في مدينتي مرة اخرى . الى صخب الحياة في الشارع وضجيج السيارات واصوات الباعة وخطى المارة وصوت الاذاعة وهو ينبعث من المقاهي ومحلات الكاسيت الى خطى النساء والفتيات امام المحلات . كنت امضي هائما لاارى شئ في طريقي إلى البيت . بعد حديثي مع مصطفى كنت مهوسا بفكرة التنظيم . وبدأت افتش النقاب عنها . ومنهم اعضاء التنظيم هذا واين مقراتهم . ولكني لم اكن اجرأ على السؤال لاي احد من الطلبه . ولكني اقتربت منهم اكثر . بعد امتحانات الثانويه العامه . صرت عضو في حزب الاتحاد الشعبي اخترته لان اسم الشعب هو ماشدني اليه وكنت ايضا معجب بزعيمه . وعملت معه في الصحيفة محررا . و انشر بعض تجاربي الشعريه . كنا نلتقي في مقهى شعبي في وسط عدن . أنا ومصطفى واثنين من الزملاء . وانظم الينا مؤخرا الاستاذ اسماعيل . لم أكن اعرفه من قبل . قال عنه مصطفي انه من القيادات النقابيه . كان ذو وجه اليف وشعر اسود ناعم مسدول الى الخلف . بينما حديثه كان منسق ولديه القدرة على إقناعك . و عقلاني بشكل مطلق . كنت معجب به وبفكره الذي بدأ يتضح لنا فيما بعد انه كان يساريا . كنا في بعض الاحيان نجتمع في غرفة صغيره تعلو دكان الحاج مقبل . نتناقش كثيرا ونحدد الاهداف المنصوبه لنا اثناء المظاهرات وتوزيع المنشورات بين الاوساط العماليه في عدن . في اليوم الذي انطلقت فيه التظاهرة الشعبيه . تم اعتقال الكثير من الزملاء وكان اسماعيل من الذين اعتقلو في ذلك اليوم . جاء مصطفي يخبرني عن اعتقال اسماعيل وكان قلقا جدا . وقال لي عليك ان تختفي خلال هذه الفترة . قلت له اين اذهب ولن اسافر الى اي مكان حتى اطمئن على اسماعيل . ظل مصطفى يتردد علي بين الفترة والأخرى . حتى علمنا بخروج اسماعيل من السجن . بعدها قررت السفر الى القاهرة للدراسه . غادرت عدن ولدي احساس ان شئ كبيرا سيحدث. وأن موعده قد حان و أقترب .