«المناخ وأزمة المياه».. الغائب الأكبر عن سباق الانتخابات في العراق
في وقت تتصاعد فيه حرارة الحملات الانتخابية في العراق، يغيب عن مشهد التنافس واحد من أخطر الملفات التي تهدد حياة العراقيين؛ أزمة المياه.
فعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من منظمات دولية ومحلية وخبراء بيئيين بشأن تفاقم الجفاف والتصحر، تتجاهل أغلب القوائم والمرشحين هذا الملف المصيري، مفضلين التركيز على شعارات شعبوية ووعود قصيرة المدى.
وحذّر خبراء ومنظمات دولية من أن الحملات الانتخابية العراقية تتجاهل إلى حدّ كبير واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه البلاد، وهي أزمة المياه والتغير المناخي، رغم توقيع اتفاقية ثنائية جديدة مع تركيا لتنظيم ملف المياه بين البلدين.
وركز المرشحون من مختلف الكتل السياسية في دعاياتهم على القضايا التي تجذب الناخبين، مثل الخدمات والوظائف والتعليم، بينما تم تهميش ملفات الجفاف والتصحر وشحّ المياه التي تهدد سبل عيش ملايين العراقيين، خصوصاً في المحافظات الجنوبية.
وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله كان قد حذّر في وقت سابق من أن العراق يمرّ بـ"أزمة مائية حادّة"، مبيناً أن حجم الخزين المائي لا يتجاوز 8% من الطاقة الاستيعابية الكلية، وأن 70% من موارد البلاد المائية تأتي من تركيا عبر نهري دجلة والفرات.
وأشار إلى أن قلة الأمطار والثلوج خلال الأعوام الأخيرة، إلى جانب السدود التركية الكبيرة، قلّصت بشكل حادّ من حصة العراق المائية.
ورغم توقيع اتفاق الإطار للتعاون المائي بين وزيري الخارجية العراقي فؤاد حسين والتركي هاكان فيدان اليوم الأحد في بغداد، والذي وصفه مكتب رئيس الوزراء بأنه "من الحلول المستدامة لأزمة المياه"، مؤكداً أن "أزمة المياه أزمة عالمية، والعراق من الدول المتضررة بشكل كبير"، يؤكد خبراء أن غياب التركيز السياسي على هذه القضية يعكس قصوراً هيكلياً في الوعي البيئي داخل المشهد الانتخابي.
تجاهل غير مبرر
قال المرشح عن كتلة حزب "اقتدار وطن" بمحافظة ذي قار، التي تعاني من شدة الجفاف، نسيم عبد الله لـ"العين الإخبارية"، إن أغلب المرشحين يتجنبون الخوض في ملف المياه والتغير المناخي رغم خطورته.
وأوضح عبد الله، الذي يترشح للمرة الثانية، أن محافظة ذي قار وحدها شهدت نزوح أكثر من 10,500 عائلة بسبب الجفاف وتدهور البيئة، لكنّ الحملات الانتخابية تركز على القضايا اليومية الأكثر جذباً للناخبين.
بدوره، انتقد الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي غياب الرؤية الواقعية في البرامج الانتخابية، مشيراً إلى أن معظم المرشحين يخلطون بين الدور التشريعي والتنفيذي ويقدّمون وعوداً خدمية لا تدخل ضمن صلاحياتهم الدستورية.
وأضاف الأسدي، وهو رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، لـ"العين الإخبارية" أن ملف المناخ والمياه شبه غائب إلا في حالات نادرة، وأن الحملات تفتقر إلى التخطيط الاستراتيجي الوطني.
من جانبه، أوضح الدكتور علي العتابي من مركز "بوصلة للحوار والدراسات" أن التغير المناخي لا يحظى باهتمام جدي في الحملات الانتخابية لأن معظم المرشحين يعتقدون أنه لا يؤثر على سلوك الناخبين، مبيناً أن العراقيين يبحثون عن حلول عاجلة لمشكلاتهم اليومية مثل البطالة والخدمات، بينما يُنظر إلى المناخ كقضية بعيدة المدى.
وأشار العتابي إلى أن غالبية المرشحين تفتقر إلى المعرفة العلمية الكافية بأسباب التغير المناخي أو بطرق معالجته، وأن غياب المؤسسات القادرة على تبنّي هذا الملف يجعل إدراجه في البرامج الانتخابية مجرد عبء سياسي.
تحذيرات أممية ودولية
المنظمات الدولية حذّرت مراراً من تداعيات الإهمال المناخي في العراق. فقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في تقريرها لعام 2024 أن التغير المناخي تسبب في نزوح أكثر من 170 ألف شخص في 12 محافظة، تتقدّمها ذي قار ثم ميسان والديوانية، نتيجة الجفاف وتراجع مناسيب المياه والتصحر المتسارع.
كما صنّفت الأمم المتحدة العراق بين أكثر خمس دول تأثراً بالتغير المناخي في العالم، محذّرة من تحديات بيئية وإنسانية تهدد الأمن الغذائي لمئات آلاف الأسر.
وبيّن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) عام 2023 أن العراق قد يفقد نحو 30٪ من أراضيه الزراعية بحلول عام 2035 بسبب الجفاف والتصحر، وهو ما يهدد الأمن الغذائي لملايين المواطنين.
وفي نهاية عام 2022، حذر البنك الدولي من أن العراق يواجه "أزمة مناخية عاجلة" تتطلب نموذجاً تنموياً جديداً يرتكز على حماية البيئة وتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والكربون، مشيراً إلى أن هجرة المناخ قد تطال واحداً من كل خمسة عراقيين بحلول نهاية العقد إذا لم تُتخذ إجراءات فورية لإدارة الموارد المائية.
وخلص البنك إلى أن العراق سيحتاج إلى نحو 233 مليار دولار من الاستثمارات المناخية حتى عام 2040، أي ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، لتلبية احتياجات التنمية المستدامة وحماية موارده الطبيعية.