من "طوفان الأقصى" إلى "خريف طهران".. تفكك محور المقاومة الإيراني
من "طوفان الأقصى" إلى "خريف طهران".. تفكك محور المقاومة الإيراني
لم تعد عملية “طوفان الأقصى”، التي انطلقت قبل عامين من غزة، مجرد مواجهة محلية. بل كانت الشرارة الإقليمية التي أشعلت نيران الصراع ودفعت إيران إلى واجهته، لتستغل الفرصة في محاولة لإعادة تنشيط “محور المقاومة” الذي بنته بعناية على مدار عقود. إلا أن ما حدث لم يكن انتصاراً، بل سلسلة من الانتكاسات التي كشفت هشاشة هذا المحور.
بقلم كلادس صعب
لم تعد عملية “طوفان الأقصى”، التي انطلقت قبل عامين من غزة، مجرد مواجهة محلية. بل كانت الشرارة الإقليمية التي أشعلت نيران الصراع ودفعت إيران إلى واجهته، لتستغل الفرصة في محاولة لإعادة تنشيط “محور المقاومة” الذي بنته بعناية على مدار عقود. إلا أن ما حدث لم يكن انتصاراً، بل سلسلة من الانتكاسات التي كشفت هشاشة هذا المحور.
الانهيار التدريجي
شهدت الساحة الإقليمية تفككاً سريعاً لأذرع إيران الرئيسية، بدءاً من لبنان وصولاً إلى سوريا وغزة. انخرط “حزب الله” اللبناني في “معركة إسناد غزة” منذ اليوم التالي للعملية، لكن الثمن كان باهظاً. واجه الحزب ضربات قاصمة، أبرزها “ضربة البيجر” التي كلفت الحزب أكثر من 4,000 إصابة، بينها حالات بتر وتشوهات
ونحو 35 قتيلًا، بينهم مدنيون وأطفال بمن فيهم قادة بارزون. وتوّجت هذه الضربات باغتيال الأمين العام حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين. هذا الاستنزاف الكارثي أكد عمق تبعية الحزب لـ ولاية الفقيه، وهو ما ورد على لسان الشيخ نعيم قاسم في وقت سابق ،بأن كل إنجازات المقاومة هي “ببركة الدعم الإيراني”. مع سقوط القيادة، بدأ التوازن التنظيمي والسياسي للحزب ينهار، ما أثر بشكل مباشر على نفوذ طهران في المشهد اللبناني.
في سوريا، كانت الضربة أكثر حزماً وإستراتيجية. إنهاء نظام بشار الأسد وتولي الرئيس أحمد الشرع الحكم مما أنهى فعلياً دور دمشق كذراع إيرانية في المنطقة. والأهم، هو أن المعابر البرية الحيوية التي اعتمدت عليها إيران لنقل السلاح إلى لبنان عبر العراق وسوريا أصبحت إما مقطوعة أو تحت رقابة دولية مشددة، ما عطّل خطوط الإمداد التي مثّلت شريان حياة طهران الإقليمي لعقود. واكتمل هذا الانهيار الإقليمي بموافقة حركة “حماس” على اتفاق وقف إطلاق النار. الاتفاق، الذي صاغه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووافق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تضمن شرطاً حاسماً بعد الأقسى وهو تسليم السلاح بإشراف دولي. هذا البند سحب من طهران واحدة من أهم أوراقها في الملف الفلسطيني وأغلق آخر نافذة نفوذ لها في غزة.
قلب طهران على صفيح ساخن
لم يقتصر الارتباك على الحلفاء في الخارج، بل اخترق النظام الأمني في قلب العاصمة الإيرانية، تزامناً مع تحذيرات دولية متصاعدة. كشف اغتيال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية في منطقة أمنية حساسة بطهران ويوم تنصيب الرئيس الايراني مسعود بزكشيان، الامر الذي كشف مدى هشاشة المنظومة الأمنية للنظام. الحادث أثار تساؤلات جدية داخل إيران وحول العالم بشأن قدرة طهران على حماية حلفائها، حتى عندما يكونون داخل أراضيها، ما زاد من الشكوك حول قوة النظام وصلابته.
في خضم هذا التراجع، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصعّد الضغط بشكل مباشر. حين أعلن ترامب في فرجينيا،”لقد دمّرنا البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وإذا أعادوا تشغيله، فلن ننتظر طويلًا هذه المرة.” هذا التحذير لم يكن مجرد كلام، بل تذكير عملي بالضربات السابقة التي استهدفت منشآت حساسة مثل نطنز وفوردو وأصفهان، باستخدام قاذفات “B-2” وصواريخ “توماهوك”. رسالة واشنطن واضحة،أي محاولة إيرانية لإعادة التخصيب النووي ستُقابل برد سريع وقاسي، دون اللجوء إلى مفاوضات أو تحذيرات مسبقة.
كلام ترامب استدعى ردا من وزارة الخارجية الإيرانية بوصف كلام ترامب بأنه “اعتراف بجريمة حرب”. وفي محاولة يائسة لتعويض خسائرها العسكرية، تسعى طهران لتعزيز قدراتها عبر صفقات متأخرة مع روسيا والصين، تتضمن مفاوضات لشراء 48 مقاتلة “سوخوي سو-35” ومنظومات دفاع جوي متطورة “إس-400” و “HQ-9” الصينية. لكن هذه الخطوات تبدو متأخرة أمام الحشد العسكري الأميركي المتفوق تكنولوجياً وإستراتيجياً. وعلى الصعيد الداخلي، استمرت المعارضة الإيرانية في الضغط. منظمة “مجاهدي خلق” والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية واصلا نشاطهما في المحافل الدولية لكشف انتهاكات النظام وتقديم البدائل السياسية. وبرزت مريم رجوي، رئيسة المقاومة، بتصريحات تؤكد أن النظام الإيراني “يعيش على الأزمات ولا يزدهر إلا في بيئة الفوضى والدمار”. ورحّبت رجوي باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، معتبرة إياه فرصة لكشف دور النظام في تأجيج الصراعات، وشددت على أن السلام الحقيقي يبدأ بإقصاء هذا النظام ودعم تطلعات الشعب الإيراني نحو الحرية والديمقراطية.