ميناء بنزرت في تونس.. أيقونة تاريخية تروي حكاية المدينة عبر العصور
يُعدّ الميناء القديم في مدينة بنزرت، الواقعة على بعد 65 كيلومتراً شمال العاصمة التونسية، أحد أبرز معالمها التاريخية، إذ يشكل قلبها النابض ووجهة مفضلة للزوار بفضل إطلالته الساحرة وارتباطه الوثيق بتاريخ المدينة العتيقة.
ويعود تاريخ الميناء إلى العصور الفينيقية حين عُرفت بنزرت باسم "هيبّو دياروتوس"، لتصبح محطة بحرية مهمة على الساحل الشمالي لأفريقيا. وقد لعب الميناء أدواراً محورية في الفترات الرومانية والإسلامية والعثمانية، إذ استخدم في التجارة والدفاع وتأمين حركة السفن التجارية والعسكرية.
ويتوسط الميناء المدينة محاطاً بمنازل عتيقة بواجهات بيضاء وزرقاء تعكس الطراز التونسي التقليدي، فيما ترسو على مياهه قوارب خشبية صغيرة تمنحه مشهداً مميزاً. كما يجاوره حصنان بارزان هما قلعة القصبة والقصيبة، شُيّدا قديماً لحماية المرسى من الجهتين الجنوبية والشمالية.
وبحسب أستاذ التاريخ عبد القادر المسيليني، فإن الروايات تختلف حول أصل الميناء؛ فبينما تُرجع بعض المراجع إنشاؤه إلى القائد الإغريقي أغاطوكل الذي احتل المدينة عام 309 قبل الميلاد، تشير مصادر أخرى إلى أنه تكوّن نتيجة تصدعات طبيعية في الكتل الصخرية.
وأكد المسيليني أن الميناء ظل عبر العصور مركزاً استراتيجياً للتجارة والدفاع، حيث نشأت حوله أهم أسواق المدينة كالعطارين والجزارين والحدادين.
وأضاف أن بنزرت شهدت في القرن السادس عشر ازدهاراً كبيراً مع تنامي نشاط القرصنة، بينما عرفت فترة الاستعمار الفرنسي تغييرات واسعة شملت توسيع الميناء وبناء منشآت حديثة، رغم حفاظ الجزء القديم على طابعه الأصلي.
من جانبه، أوضح الناشط المدني سليم النحالي أن الميناء القديم ما يزال يتميز بجاذبية خاصة رغم وجود موانئ حديثة في بنزرت، إذ يجمع بين سحر الماضي وعبق التاريخ، ويُعد رمزاً للهوية الثقافية لسكان المدينة. ويضيف أن أرصفته الضيقة التي تحيط بها مقاهٍ ومطاعم تقدّم مأكولات محلية، تجعل منه مقصداً للمتنزهين والسياح على حد سواء.
ولا يقتصر دور الميناء اليوم على قيمته التاريخية والسياحية، بل يظل مصدر رزق للصيادين الصغار الذين يواصلون العمل بقواربهم البسيطة، في مشهد يعكس استمرارية الحياة وتوارث الحرف القديمة جيلاً بعد جيل.