مداخلات أثرت السيرة الذاتية للأستاذ القدير حسين علي عبدالرب شيخ
استعرض منتدى القارة التربوي يوم الأحد الموافق 24 أغسطس 2025م السيرة الذاتية للأستاذ القدير حسين علي عبدالرب شيخ، والتي جرى نشرها في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية إلى جانب تداولها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
وقد لاقت هذه السيرة العطرة تفاعلاً واسعاً من زملائه وطلابه والأهالي، حيث قدمت الكثير من المداخلات والتعليقات من القيادات التربوية والعسكرية، إضافة إلى زملائه وطلابه الذين أثروا السيرة بمعلومات قيّمة تناولت جوانب متعددة من حياته ومسيرته الحافلة.
وفي هذا التقرير نستعرض المداخلات التي قُدِّمت في منتدى القارة التربوي، والتي جاءت على النحو الآتي:
مسيرة نضال وعطاء تربوي لا يُنسى
استهل المداخلات الأستاذ منصر هيثم بن علي حيث تحدث بمداخلته عن جهود الأستاذ حسين علي في خدمة التعليم، فوصفه برمزاً للنضال والكفاح معدداً بعض الأدوار التي كان ينفذها أثناء خدمته، وجاء في مداخلته مايلي: «بينما كنت أتصفح سيرة أستاذنا العزيز حسين علي عبدالرب أطال الله في عمره وعمر الكاتب والمزوّد بالمعلومات. شعرت بفخر كبير تجاه هذه القامة التربوية العظيمة، فقد كان ولا يزال رمزاً للنضال والكفاح حيث بذل جهوداً كبيرة في سبيل خدمة التعليم.
لقد اعتاد الأستاذ حسين المشي يومياً من القارة إلى قسم الشعب ذهاباً وإياباً رغم بُعد المسافة وصعوبة الطريق، وتم تكليفه بتدريس مادة اللغة الإنجليزية في ثلاث مدارس في آن واحد، وهو إنجاز لم يسبقه إليه أي معلم بحسب ما ورد في السير الذاتية.
ونحن الذين عرفناه عن قرب ندرك جيداً مدى حرصه وإخلاصه في عمله، فقد كان دائماً يلفت الانتباه إلى أوجه القصور في بعض المواد الدراسية، ويخاطب الإدارة مطالباً بتعديل المناهج بما يتناسب مع مستويات الطلاب واحتياجاتهم التعليمية. لقد بنى هذا الأستاذ القدير حياته من الصفر معتمداً على جهوده الخاصة وإصراره على النجاح والتميز.
ورغم كل هذه الأعباء كان يصعد جبل القارة يومياً سواء من قسم الشعب أو من مدرسة العدنة في رصد، وكأن ذلك بمثابة عقاب شديد لمن يعرف مشقة تلك الطرق، ورغم ذلك تحمّل الصعاب وظروف الحياة القاسية بصبر وإرادة قوية.
أطال الله في عمره وعمر جميع التربويين المخلصين، ورحم الله من رحل من معلمينا الأجلاء، وكل الشكر والتقدير للأستاذ طاهر حنش، والأستاذ أحمد عوض على ما قدموه من دعم وإسهام في توثيق هذه السيرة العطرة.»
رمز الإخلاص والانضباط التربوي
وشارك الأستاذ سالم سعيد عبدالقوي بمداخلة تطرق فيها إلى زملاته للأستاذ حسين علي في مدرسة العدنة حيث وصفه بالمعلم المثالي في الأجتهاد والانضباط والأخلاص في العمل والصدق والأمانة، وهذا نص مداخلته: «شكراً لكم على عرض السيرة الذاتية للأستاذ القدير حسين علي عبدالرب، وإبراز دوره التربوي والتعليمي وجهوده الكبيرة التي بذلها في هذا المجال منذ تعيينه.
عرفته عن قرب منذ أن تم تعييني مدرساً في مدرسة العدنة ثم عندما عملت نائباً سياسياً ومديراً للمدرسة لفصل دراسي واحد بعد انتقال المرحوم صالح المقفعي إلى إدارة التربية في رصد.
كان الأستاذ حسين مثالاً للجد والاجتهاد في عمله، ولا يعرف الملل أو الكسل، وكان دائماً من أوائل الحاضرين إلى المدرسة وآخر المغادرين منها، وكان يؤدي عمله بكل صدق وأمانة إذ إن الصدق في التعامل من أبرز صفاته النبيلة. كما أنه لم يكن يتغيب عن عمله إلا لظروف قاهرة وخارجة عن إرادته.
تحياتي وتمنياتي القلبية له بالصحة وطول العمر، ودوام العطاء في خدمة الأجيال والتعليم.»
شخصية تربوية جمعت بين الانضباط والنشاط
وقدم الأستاذ صلاح زيد صفر مداخلة وصف من خلالها الأستاذ حسين علي بالشخصية التربوية والإدارية التي جمعت بين النشاط والانضباط معدداً بعض الأدوار التي كان يؤديها وتميز بها عن غيره من المعلمين حيث قال: «الأستاذ حسين علي عبدالرب شخصية تربوية ذات طابع متميز جمعتني به مواقف عملية عديدة أثناء عملي في مدرسة العدنة في العام الدراسي 1986/1985م، وذلك بعد أن تم نقلي من مدرسة راجح سيف الشعب ثم توليت إدارة مدرسة العدنة خلال العامين الدراسيين 1987/1986م و 1988/1987م خلفاً للأستاذ صالح محمد أحمد المقفعي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته حيث كان الأستاذ حسين حينها يشغل منصب وكيل المدرسة بالإضافة إلى عمله معلماً.
وخلال سنوات عملنا معاً كان الأستاذ حسين مثالاً للنشاط والجد، وكان يبذل جهوداً قيمة في الاهتمام بشؤون الطلاب، والإشراف على الطابور الصباحي، ومتابعة المخالفين في الزي المدرسي والغياب، وكذلك الطلاب غير المنضبطين، فقد كان يتمتع بهيبة كبيرة داخل المدرسة وخارجها، وبعلاقات متينة مع المجتمع المحلي، مما عزز مكانته وتأثيره التربوي.
عمل مرشداً وناصحاً للطلاب من خلال توجيهاته التي يلقيها كل صباح في الطابور الصباحي والتي كانت تحمل النصح والتحفيز على الانضباط والاجتهاد.
إلى جانب ذلك كان الأستاذ حسين معلماً نشيطاً متقناً في تدريس مادة اللغة الإنجليزية، ومتمكناً في إعداد الخطط الدراسية وتنفيذها بأسلوب تربوي مميز. كما ساهم في تنظيم وتنفيذ عدد من الأنشطة المدرسية، مثل الفعاليات الرياضية، والرحلات الطلابية إلى مدارس أخرى، والمشاركة في إقامة المعارض المدرسية، فضلًا عن دعمه للمسابقات الفكرية الأسبوعية التي كانت تقام في المدرسة.
وبشكل عام يُعد الأستاذ حسين علي عبدالرب شخصية تربوية وإدارية جمعت بين النشاط والانضباط، وترك أثراً إيجابياً عميقاً في المدرسة والمنطقة خلال سنوات خدمته.
أتمنى له دوام الصحة والعافية وطول العمر، والشكر موصول للأستاذ أحمد عوض على جمع معلومات هذه السيرة العطرة، وشكرأ على التنسيق والإخراج اللائق، وشكراً للمنتدى التربوي على جهوده المميزة في توثيق إنجازات هذه القامات التربوية رغم الإمكانيات المحدودة.»
نموذج للمثابرة والاجتهاد والكفاح
وقدم الأستاذ حسين موسى مداخلة استلهمها من السيرة العطرة للأستاذ حسين علي عبدالرب معدداً بعض الخصال والأودار النضالية التي قام بها وقال بمداخلته: «من خلال قراءة سيرة الأستاذ حسين علي عبدالرب اتضح لنا أنه إنسان مثابر، ومجتهد، وكفاحه مثال يُحتذى به، فقد ثابر في مجال عمله كمعلم في المدارس التي عمل فيها، ولم يتغيب عن أداء واجبه إلا لظروف قاهرة وخارجة عن إرادته.
كان مجتهداً في أداء رسالته التعليمية، حيث درّس مادة اللغة الإنجليزية في ثلاث مدارس في آن واحد، مقدماً كل ما بوسعه من جهد وإخلاص في سبيل تعليم طلابه، ولم يتوقف طموحه عند الجانب المهني فحسب بل كان مثالاً للكفاح، وحين قرر بناء منزله شق الطريق المؤدي إليه معتمداً على جهده العضلي فقط دون أي مساعدة من أحد.
فألف تحية لهذا المعلم المثابر، المجتهد، والمكافح نسأل الله أن يطيل عمره في طاعته سبحانه وتعالى، وأن يوفقه في حياته المستقبلية، ويوفقه إن أراد استكمال مشوار حياته بالزواج بعد رحيل شريكة حياته الأولى، وأن يمده بالصحة والعافية ويختم له بالحسنى.
والشكر موصول لكل من كتب وأعد وساهم في تقديم سيرته، وبارك الله في جهودكم جميعاً وحفظ الله الجميع من كل سوء.»
رمز العزيمة والإصرار في خدمة التعليم
وشار الأستاذ حسين محمد حنش بمداخلة مختصرة عن الأستاذ حسين علي معتبراً إن من يطلع على مثل هذه السيرة والجهود التي كان يبذلها المعلمون قديماً سيراها ضرباً من الخيال حيث قال: «لو تخيل أحدنا الآن ذلك النشاط والانضباط والمداومة على العمل كما جاء في سيرة الأستاذ حسين علي، وخاصة ذهابه يومياً من القارة إلى الشعب سيراً على الأقدام لقال إن الأمر غير معقول لكن الحقيقة أن العزيمة والإصرار كانا متأصلين في نفوس كثير من المعلمين القدامى حتى إن بعضهم كان يحمل الكتب المدرسية للطلاب من الإشراف التربوي في رصد إلى المدارس، فيا لها من أيام جميلة بالفعل تعكس حب المهنة وإخلاص العاملين فيها.
كما كان الأستاذ حسين علي يقدم حصصاً إضافية في مدارس أخرى، مؤدياً واجبه بكل تفاني وإخلاص. فهنيئاً له ما قدم من عطاء، ونسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، ويمنحه دوام الصحة والعافية والتوفيق في حياته.
ولا يفوتنا أن نتوجه بالشكر والتقدير لكل من ساهم وأعد ونشر هذه السيرة الذاتية المشرّفة لمثل هؤلاء الكوادر المثابرة التي نقشت العلم في عقول أجيال متلاحقة، والشكر للجميع على جهودهم »
قامة تربوية وزهرات عطاء لا تذبل
أما الأديب والكاتب البليغ، والخبير التربوي والمدرب الدولي القدير الأستاذ صالح شيخ سالم الذي عوّدنا دائماً على إبداعاته النثرية ومداخلاته الثرية المتميزة بعبق البيان ورونق البلاغة، فقد أثْرى سيرة الأستاذ حسين علي عبدالرب بمداخلة أدبية أنيقة نسج خيوطها بحرفية الأديب المتمكن الذي يلامس القلوب قبل الأسماع. إنها مداخلة تشهد على ثراء الفكر ورقي الأسلوب، وتكشف عن قلم مبدع يمتلك ناصية اللغة، ويصوغ المعاني بألقٍ يليق بمكانة المبدعين، وقد حملت كلماته صوراً بلاغية زاهية ومحسنات لغوية عذبة، وهو يتناول خصال الأستاذ حسين علي ومناقبه التربوية والمهنية، مستعرضاً مسيرته الحافلة بالعطاء في ميدان التعليم، وسلّط الضوء على ما يمتاز به من مهارات وحرف متعددة يسعى من خلالها لتحسين دخله المعيشي، ومنها مهارة البناء والخياطة والتفصيل، وجاء في مداخلته مايلي:«عندما تحمل الأيادي ريشتها وتضعها بين أناملها لتخط لنا أجمل العبارات الخاصة بالسير الذاتية لرواد التربية وصُنّاع العقول، والجنود المجهولين الذين غمر صورهم وجهودهم غبار الزمان وعصفت بهم رياح الواقع، ومنهم صاحب هذه السيرة الطيبة الموجزة الأستاذ العزيز حسين علي عبدالرب هذا الكادر النشط متعدد المهارات والميول والمعارف والقدرات، فأنا أرى من وجهة نظري أن بعد كل تعبير عبير يفوح ليملأ أجواء المنتدى بروائح عطرة طيبة تحمل لنا من ذكريات الماضي الممتعة في الزمن الجميل ذلك الزمن الذي حمل في طياته وتحت أكنافه مآثر أكثر من رائعة يكاد زيت مصابيحها ينضب في زماننا هذا وتخفت أصواتها أو تتلاشى تدريجياً مع تقديرنا للعقول النيرة وبعض الإبداعات المبهرة للجيل الحديث من معلمين وكتاب وتلاميذ.
وإذا ما عدنا لسيرة الأستاذ حسين علي عبدالرب التي تحمل زهرات لها أريج، وكلمات لها شذى نجد أنه عاش طفولة نشيطة يملؤها الحماس في عدة جوانب، وكان التعليم أيقونة تلك المرحلة وما تلاها من مراحل التعليم. فقد كان الأستاذ حسين مبدعاً ومتفوقاً في مادة الرياضيات خاصة، وفي بقية المواد عامة خصوصاً في المرحلة الإعدادية وبداية الثانوية، حيث كان يبهر معلميه في مادة الرياضيات، وكذلك زملاءه بالطرق التي كان يبتكرها والتي تؤدي دائماً إلى نتائج صحيحة.
كما كان للأستاذ حسين مهارات أخرى مثل البناء والخياطة وتفصيل الملابس حيث قام بتفصيل أول بنطال للأستاذ ناصر علي محمد مدير مدرسة الشعب رحمه الله كما كان يقوم بتفصيل ملابسه وملابس أولاده وأقاربه.
إن سيرة الأستاذ حسين حافلة بالعطاء وديناميكية الواقع. لن أطيل أكثر وأترك الفرصة لبقية الزملاء في التعليق والإثراء.
خالص الشكر والتقدير للأساتذة الأجلاء: طاهر حنش، والتربوي القدير والصحفي المبدع فهد حنش (أبو ماجد)، ولكل الزملاء في هذا المنتدى.»
شعلة متهوجة بالنشاط والعطاء
وقدم الأستاذ فضل جميل ثابت مداخلة وصف بها الأستاذ حسين علي بالشعلة المتوهجة بالنشاط والعطاء والمرجعية التي يرجعوا إليها للاستفاده من خبراته ومعلوماته الثرية، وتحدث عن دوره في متابعة الطلاب والمعلمين وقال: « ونِعم بمرجعيتنا وزميلنا في مدرسة العدنة الأستاذ حسين علي عبدالرب، فقد كان شعلة متوهجة في عمله، ومواظباً على الحضور في الوقت المحدد للدوام المدرسي. أنيق في مظهره حسن الهندام، وله هيبة بيننا وبين الطلاب.
وعلى الرغم من أننا كنا خريجي الثانوية العامة آنذاك إلا أن مستوى الأستاذ حسين كان متفوقاً علينا من حيث المعلومات العلمية والعامة، فكنا نعود إليه دائماً لأخذ بعض المعلومات والاستفادة من خبراته. كان حازماً في عمله، وكان معلماً ونائب مدير، وكان حريصاً على حضور الطابور الصباحي يومياً ليقدم كلمة مختصرة تتناول الأجتهاد والانضباط والالتزام بالزي المدرسي.
كان الأستاذ حسين شديد الحرص على أوقات الحصص، فيتابع سير العملية التعليمية بنفسه، وينزل إلى الشعب، وإذا وجد حصة فارغة أو معلماً غائباً، يقوم بتغطية الحصة بنفس المادة. إضافة إلى ذلك كان ملمّاً بعلوم متعددة، ويتميز بروح مرحة وحب للنكتة، فكان أول من يدخل المدرسة صباحاً وآخر من يغادرها ظهراً.
تلك كانت أيام انضباط وجدية في العمل أيام المدير الأستاذ صالح محمد المقفعي رحمه الله، وكان الأستاذ حسين نائبه المخلص، ومع طاقم مميز عمل بروح الفريق الواحد منهم:
الأستاذ صالح شيخ
الأستاذ علي خضر
الأستاذ فضل محمد عاطف
وكان بقية الطاقم التربوي في المدرسة جميعهم شعلة متوهجة من النشاط والعطاء.
نسأل الله أن يطيل عمر الأستاذ حسين علي عبدالرب، وأن يمنحه الصحة والعافية، ويبارك في عمره وجهوده.»
قامة تربوية صنعت الأثر وبقيت خالدة في الذاكرة
وقدم أحد طلاب الأستاذ حسين علي، ويُكنّى بأبي عبد الله مداخلة صيغت بلغة تفيض جزالة وعمقاً، وبنى فيها المحسنات البلاغية بانسجام ساحر، حيث تتعانق الصور والمعاني في بناء لغوي رصين يأسر الذائقة ويستثير الخيال لتغدو البلاغة أمامها مجرد ظل من بهاء الإبداع، حيث وصف فيها الأستاذ حسين علي بمشروع نهضة يسير على قدميه طاقة هائلة، وأفكار متدفقة، ومهارات تتجاوز حدود المألوف، وتطرّق إلى جوانب متعددة من شخصيته وأساليبه في التدريس، والخصال التي تميز بها، والأثر الذي تركه في نفوس طلابه، وقال في مداخلته :«في ذاكرة الطفولة تبقى بعض الأسماء لامعة كالنجوم لا يخفت بريقها مهما تعاقبت السنوات، ومن بين تلك القامات التي حفرت مكانها في القلوب يقف الأستاذ حسين علي عبدالرب شامخاً، ورمزاً للهيبة والانضباط، ونائباً لمدير مدرسة العدنة في مرحلة كانت من أجمل مراحل حياتنا.
كنا نخشاه احتراماً، قبل أن ندرك أن وراء تلك الصرامة قلباً نابضاً بحب التعليم، وعقلاً لا يعرف حدود الطموح. حتى المعلمون كانوا يهابونه، لا لأنه متسلط، بل لأنه قوي الشخصية، شديد الحرص على النظام، ومؤمن بأن المدرسة ليست مجرد جدران وفصول بل مصنع للعقول وركيزة للنجاح.
لم يكن مجرد نائب مدير مدرسة بل كان مشروع نهضة يسير على قدميه طاقة هائلة، وأفكار متدفقة، ومهارات تتجاوز حدود المألوف. أراد أن يبحر في بحار الإبداع، وأن يحوّل المدرسة إلى بيئة متجددة نابضة بالحياة لكن الواقع كثيراً ما خذل المبدعين واقع يضع العراقيل في طريق كل من يحاول أن يصنع فارقاً.
ورغم كل ذلك ظل الأستاذ حسين شامخاً في عطائه مخلصاً في رسالته مؤمناً أن التعليم رسالة سامية لا مجرد وظيفة. لم يستسلم للتحديات بل ظل وفياً لعهد الجد والاجتهاد.. يزرع القيم قبل أن يزرع المعلومات، ويبني الإنسان قبل أن يبني الدروس.
إن الحديث عن أمثال الأستاذ حسين ليس مجرد استذكار لذكريات مضت بل هو دعوة لمراجعة أنفسنا لماذا نخذل المبدعين؟! لماذا لا نصنع لهم بيئة تليق بأحلامهم وطموحاتهم؟!
إن الأمم التي تنهض تنهض بفضل أمثال هؤلاء الذين يفكرون خارج الصندوق ويكسرون قوالب الجمود.
سيبقى الأستاذ حسين علي عبدالرب قدوة تربوية ونموذجاً للرجل الذي أحب التعليم فأحبه كل من عرفه، وسيظل أثره في قلوبنا حيّاً ما دمنا نؤمن أن الإبداع لا يموت، وأن الرجال العظماء يتركون أثرهم في حياتهم وقبل رحيلهم.»
نهلنا من بحره الطامي مختلف فنون المعرفة
وشارك الأستاذ جاعم صالح علي بمداخلة تحدث فيها عن اساليب الأستاذ حسين علي الإبداعية المبتكرة وطرائق تدريسه التي وصفها بإنها مازالت عالقة في الأذهان معدداً بعض الصفات التي تميز بها عن غيره من المعلمين حيث قال: «يسرني ويسعدني أن أدلي بدلوي لأعبّر عمّا يجيش في صدري من مشاعر الحب والوفاء والتقدير لأساتذتي ومعلمي الأجلّاء الذين نهلنا من بحر علومهم الطامي مختلف فنون المعرفة، ومن بين هؤلاء المعلمين الأفاضل أستاذي ومعلمي الفاضل الأستاذ حسين علي عبدالرب الذي سعدت بالتتلمذ على يديه في العام الدراسي 1983/1982م حين درسنا مادة الدين (القرآن الكريم) في الصف الثالث الابتدائي ثم حظيت بشرف التعلّم منه مرة أخرى في الصفين الخامس وجزء من الصف السادس الابتدائي حيث كان يدرسنا مادة اللغة الإنجليزية.
لقد كان أستاذنا حسين مبدعاً ومتميزاً في أسلوبه وطريقة تدريسه، وكان شديد الحرص على أن نفهم الدروس ونتقن ما نتعلمه خاصة في مادة اللغة الإنجليزية، وكان يتميز بابتكار أساليب رائعة في التدريس أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر طريقة تخطيط السبورة إذ كان يقوم بتسطيرها بدقة متناهية وكأنها دفتر مخصص لتعليم اللغة الإنجليزية ثم يدربنا على الكتابة عليها بشكل عملي، وهي طريقة ما زالت عالقة في أذهاننا إلى يومنا هذا.
كما كان يلفت أنظارنا بأسلوبه المميز في الإرشادات الصباحية أثناء الطابور المدرسي حيث يمزج بين الجدّ وروح الفكاهة ما يجذب انتباهنا ويجعلنا نصغي لنصائحه القيّمة وإرشاداته المفيدة التي لا تُنسى.
جزاء الله أستاذنا ومعلمنا الفاضل حسين علي عبدالرب خير الجزاء على ما قدّمه لنا في مسيرتنا التعليمية، فقد أجاد وأفاد، وترك أثراً عميقاً في نفوسنا، فله منا كل الشكر والتقدير والاحترام.»
ترك أثراً كبيراً في ميدان التعليم وخدمة المجتمع
وشارك العميد ركن سالم محسن علي الوجيه بمداخلة عن سيرة زميل الطفولة والدراسة الأستاذ حسين علي تطرق فيها إلى بعض الصفات الحميدة التي تميّز بها عن زملائه منها الجد والاصرار والنباهة والنشاط والحيوية والأناقة وشغفه للتعليم، والتفكير خارج الصندوق بطرق غير مألوفة ووصفه أنه لا يعرف لليأس طريقاً، وجاء في مداخلته: «اقترنت علاقتي بزميل طفولتي وأخي العزيز الأستاذ الفاضل حسين علي عبدالرب أبو طه منذ سنوات الطفولة المبكرة. حيث وعيت على هذه العلاقة ونحن نتعلم معاً في الصف الثاني الابتدائي في مسقط رؤوسنا القارة تحت إشراف الأستاذ الشهيد حسين محمد حسين، وذلك عقب الاستقلال مباشرة. كان حينها الأستاذ حسين ذكيّاً، ونشيطاً، وحيوي الحركة.
افترقنا سنوات طويلة بسبب سفري إلى دولة الكويت لمواصلة دراستي في العام 1968م لنلتقي مجدداً بعد عودتي لكن هذه المرة على مقاعد الدراسة الثانوية في مدينة جعار ونحن في الصف الأول ثانوي، وللأسف لم تساعده الظروف حينها على إكمال المرحلة الثانوية.
عرفته دائم الشغف بالدراسة، ومولعاً بالعلم خصوصاً في الرياضيات والمواد العلمية، وهو ما كان دليلاً واضحاً على سعة عقله ونباهته. كان كثير السؤال حريصاً على الفهم والاطلاع. يسعى إلى معرفة ما هو أبعد من حدود المناهج الدراسية بين أيدينا، وكان يشعر بالأسى عندما لا يجد الإجابة لكنه لا يعرف لليأس طريقاً بل يواصل البحث بشتى الطرق حتى يعثر على مبتغاه.
ومع مرور السنوات رأيته معلماً ومربياً للأجيال بكل تفانٍ وحب وعطاء. تنقّل بين مدارس ومناطق عديدة متدرجاً في السلم الوظيفي التربوي بكفاءة واقتدار، وبرغم تقدمه في العمر، ظل محافظاً على نشاطه وحيويته وأناقة مظهره ونظافته، وما زال حتى اليوم يوجه وينصح، وينتقد الخطأ بحزم، ولا يقتنع إلا بما يراه صحيحاً ومناسباً.
لقد ترك أثراً كبيراً ليس في الميدان التعليمي فحسب بل في خدمة المجتمع أيضاً إذ كانت له إسهامات مجتمعية بارزة، وشارك في العديد من المبادرات الجماهيرية عبر مختلف مراحل عمره، واليوم رغم بلوغه من العمر عتياً ما زال مثالاً للعطاء مفعماً بالنشاط والحركة والعمل الدؤوب.
تحية إجلال وتقدير وتبجيل لهذا المعلم الفاضل الذي نهل من علمه مئات الطلاب والطالبات في الزمن الجميل.
دعواتنا الصادقة له بموفور الصحة والعافية، ودوام العطاء، وأن يحقق الله له كل ما يرجوه ويتمناه.
حفظك الله، أستاذنا الفاضل حسين علي عبدالرب أبو طه، وأطال في عمرك وجعل ما قدمته في ميزان حسناتك.»
معلم الأجيال ومربّي القيم
وشارك المحامي عبدالسلام حسن محمد بن الحاج بمداخله عن معلمه الأستاذ حسين علي عبدالرب تحدث فيها عن عدة جوانب في حياته الشخصية والوظيفية والإنسانيته، وكفائته كتربوي ومعلم مهاب في المدرسة وخارجها واستدل بعلاقاته الإنسانية مع جيرانه بموقف وصفه بالنبل والرجولة والشهامة من خلال تعاونه مع الجيران ومساهمته في تخطيط مشاريعهم والأشراف عليها وتقديم النصائح والعمل معهم دون أي مقابل كما تحدث عن عائلته ذات السيرة العطرة والورع والأخلاق الفاضلة، وهذا نص المداخلة:«لا أبالغ إن قلت إن مجرد وصفه بـ "مدرس أو معلم عادي" قد لا يفي هذا الرجل حقه، فهو فعلاً أستاذ ومربي فاضل، وليس ذلك لأنه يحمل شهادات علمية عليا، فكم في زمننا هذا من يحملون الشهادات الجامعية والمؤهلات لكنهم يفتقرون إلى الخبرة العلمية والعملية في الوقت ذاته بل ساعدتهم الظروف والإمكانات على الترقي العلمي ونيل الألقاب مثل (أستاذ مساعد، أستاذ مشارك، أستاذ، دكتور ... إلخ) لكنك عندما تقرأ لهم عبارة أو كلمة خطّوها بأقلامهم تجدها مليئة بالأخطاء والركاكة رغم كونهم من حملة الشهادات العليا.
الأستاذ والمربي الفاضل حسين علي عبدالرب شيخ لم يكن بالنسبة لي شخصياً مجرد معلم تتلمذت على يديه في مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي في مدرستي القارة والعدنة بل كان بمثابة أخ أكبر، وموجّه، ومربي كأخوتي الأشقاء بحكم أننا أبناء منطقة وحارة واحدة، وكونه جاري أولاً (ونِعم الجار) توجيهاته لي ولقرناء الطفولة كانت راسخة في أذهاننا منذ الصغر، فقد كنا نرى فيه المهابة والرفعة لمجرد سماع صوته وهو يجلجل أثناء خروجه من منزله متنقلاً بين الأزقة وبجوار المنازل العتيقة في القارة. كنا نراه ونسمعه يأمر هذا وينهى ذاك وينصح آخر.
أسلوبه التربوي لم يكن مقتصراً على المدرسة حيث كان يؤدي رسالته التعليمية بكل أمانة وإخلاص بل تجاوز ذلك إلى خارج أسوارها باعتباره الناصح الأمين لكل أبناء المنطقة صغيرهم وكبيرهم.
كان وما زال صاحب موقف شهم ورجولي يؤثر غيره على نفسه ولو كان به خصاصة. لم يكن ينتظر من أحد جزاءً ولا شكورا انه حب الإنتماء لمسقط الرأس.
أتذكر له في هذا المقام موقفاً رجولياً نبيلاً بعد تخرجي من الجامعة (كلية الحقوق - جامعة عدن) وبداية التحاقي بوظيفة مؤقتة كمدرّس بثانوية رصد، وقبل إقبالي على الزواج. كنت حينها أشرع في بناء غرفة بجانب منزلنا في القارة منتصف التسعينات (قبل الاغتراب)، وكان الأستاذ حسين يحرص على الحضور للمتابعة والإشراف بحكم خبرته في هذا المجال، فكان يوجّه، وينصح بل ويساعد العمّال بيديه ويساعد الباني في حمل الحجارة وتوقيسها وتشكيلها دون أي مقابل.
لم يكن يبخل بالنصيحة أو بمد يد العون تجاه جيرانه وأبناء منطقته في شتى مجالات الحياة الشخصية والعملية، كما كان حريصاً على إصلاح ذات البين بين الناس.
وقد كان وما زال حازماً صارماً في إطار أسرته وإدارة شؤون أبنائه وإخوته وأحفاده، ينصحهم ويوجههم بحكمة وحنكة.
الأستاذ حسين رجل ذو أخلاق عالية وطباعٍ رفيعة، يفيض حكمـةً ورزانةً حتى في أحاديثه العادية مع الناس. وكيف لا يكون كذلك، وهو ابن المغفور له بإذن الله علي عبدالرب شيخ، واعمامه عمر عبدالرب، وشيخ عبدالرب شيخ (يرحمهم الله وولدينا ووالديكم اجمعين)، من ذا الذي لا يعرف أبوه واعمامه أصحاب الأخلاق التي كانت تمشي على الأرض. أصاحب السيرة العطرة. رواد المساجد والألسُن الرطبة بذكر الله والروحانيات والفضائل، وهي هبة من الله يختص بها من يشاء ولا نزكي على الله احداً.
لقد كان الأستاذ حسين نعم المربي لطلابه في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فقد كان يدرك تماماً أن التربية والأدب والاستقامة يجب أن تسبق تعليم المناهج وحفظ المقررات، وكان شديد الحرص على أن تصل المعلومة إلى عقول طلابه وقلوبهم معاً قبل أن تُحفظ في أذهانهم.
رجل صاحب تجربة ثرية، وخبر الحياة وتقلباتها، وعاصرها بحكمة وصلابة.
إن مثل هذا الرجل، وغيره من الأساتذة والمعلمين الأجلاء، كان ينبغي الالتفات إليهم وتكريمهم ومنحهم ما يستحقون منذ سنوات طويلة، لما تعرضوا ويتعرضون له من ظلم وإجحاف. لكن نقول أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبداً.»
ذكريات لا تُنسى وإبداع لا يفنى
وكعادته أتحفنا الأستاذ القدير أحمد عوض علي الوجيه مدير مكتب التربية والتعليم السابق في مديرية رصد مستشار مدير مكتب التربية بمحافظة أبين بمداخلة كانت بمثابة شهادة تاريخية أضاءت جوانب مضيئة من سيرة الأستاذ حسين علي عبدالرب، وأثرت سيرته العطرة بالكثير من المعلومات الثمينة. حيث استهل حديثه باسترجاع ذكريات الطفولة التي جمعته بالأستاذ حسين متناولاً تفاصيل الحياة البسيطة التي عاشوها معاً من العمل في الزراعة ورعي الأغنام إلى اللعب وابتكار الألعاب التي كان الأستاذ حسين يبدع في تصميمها. ثم سرد مرحلة المعاناة والتشرّد التي ذاقوا مرارتها أثناء قصف الاستعمار البريطاني لمساكنهم في القارة مطلع ستينيات القرن الماضي.
وتحدث عن مرحلة الدراسة والعلاقة الحميمة التي كانت تجمع طلاب القارة في القسم الداخلي، وما كان يتمتع به الأستاذ حسين علي من ذكاء وإبداع وتفوق دراسي، وتطرق إلى السمات المميزة في مسيرته المهنية من نشاط وتفاني في أداء رسالته التربوية، وإخلاص في العمل، وإبداعه في أساليب التدريس ليصفه في نهاية حديثه بأنه المعلم النموذجي الذي قدّم خدمات تعليمية تفوق الوصف.
واشاد بكفاحه الدؤوب في تحسين وضعه المعيشي، واستقراره في رصد، ليبقى مثالاً حياً للرجل المكافح الذي جمع بين الإبداع في المهنة والإصرار على بناء حياة مستقرة، وهذا ما جاء في المداخلة: «بالعودة إلى السيرة الذاتية للأستاذ حسين علي عبدالرب وما احتوته من سرد لمسيرته الكفاحية، وما أضيف إليها من إثراء من قبل العديد من زملائه أيام الدراسة ورفقائه في العمل وعدد من تلامذته، ولأنني أحد أصدقائه المقرّبين في المراحل العمرية المختلفة أجد من الأهمية بمكان أن أستذكر بعضاً من شريط ذكرياتنا التي عشناها والتي لا يمكننا نسيانها.
ففي مرحلة الطفولة تميزت حياتنا بالعيش المشترك والإقبال على الحياة بمساعدة أهلنا، وبنشاطنا المشترك أنا وأستاذنا القدير وبقية أصدقاء الطفولة في إعانة أهلنا في بعض أنشطة الرعي والانشغال بأمور الزراعة من بذر وزرع وحصاد ورعاية المحاصيل في الأراضي الزراعية التي تحيط بالقارة، والتي يمتلك معظمها أهل جبران الذين ينتمي إليهم الأستاذ حسين، فكان أكثرنا نشاطاً، ومكمّلاً لأي تقصير في واجباتنا المطلوبة من المجموعة.
وترافق ذلك مع إقدامه هو وزملاؤه على تطوير ابتكارات للألعاب الذهنية المرسومة على الحجارة مثل ألعاب المسبوعه والشطرنج والقتلة والطنج وغيرها. إضافة إلى تميزه مع الأخ محمد أحمد الحاج الهندي بابتكار وصناعة بعض الألعاب من الخشب وصفائح المعدن وعلب وطبول الغاز والصليط التي كنا نغتنمها لممارسة بعض الألعاب التدريبية والتنافسية فيما بين تجمع طفولتنا.
كما لم تخلو طفولتنا وطفولة الأستاذ حسين من متاعب التشرد حيث أجبرتنا ظروف القصف الجوي من الطيران البريطاني على قلعة القارة وعدد من قرى وأودية يافع على النزوح مع أهلنا إلى الكهوف المنتشرة حول القارة، ولجأ بعضنا إلى بعض القرى المجاورة لبعض الوقت خلال الأعوام ما بين 1957م و1963م.
وخلال مطلع الستينيات من القرن الماضي نال الأستاذ حسين ومجموعة من الشباب قسطاً من تعلم الكتابة وحفظ القرآن الكريم بعضهم على يد الفقيه عبدالله الحريري والبعض على يد والدي إمام وخطيب مسجد الجيلاني.
وعند تأسيس مدرسة القارة كأول مدرسة بعد الاستقلال التحقنا جميعاً بالمدرسة، وكان الأستاذ حسين من أكثرهم نشاطاً تفوقاً في الجوانب الدراسية والأنشطة الرياضية والمسابقات الثقافية والمبادرات الأهلية، وكان ضمن فريقنا الطلابي الاستعراضي الذي رافق الشهيد حسين محمد حسين ممثلاً لقيادة الجبهة القومية، ومحسن حسين اليزيدي نائب مأمور المركز الثاني ممثلاً للسلطة المحلية في زيارة العديد من المناطق لتأسيس المدارس الابتدائية في الكثير من مناطق وأحياء مديريتي رصد وسباح.
ونظراً لنقص المعلمين تقرر انتقالنا للدراسة في أبين بمدرسة الثورة في جعار (مدرسة السلطان محمود سابقاً)، حيث كان الأستاذ حسين من أكثر الطلاب تميزاً، وبانتقاله للدراسة في إعدادية جعار كان من أفضلنا تفوقاً وإبداعاً بل إنه كان المرجعية في حل الكثير من المسائل الرياضية، وامتلك موهبة وطريقة فريدة مكنته من حل أصعب المسائل الرياضية خاصة في مادة الهندسة، مما حيّر معلميه وزملاءه الذين لم يشكف لهم طريقته وظلت ولا زالت طي الكتمان لا يعلمها إلا أنامله وكراسات دفاتر الحلول التي كان يحتفظ بها معلموه وزملاؤه.
ولتقنين المصروفات الشخصية لنا كان الأستاذ حسين أمين حفظ نقودنا التي تصلنا من أهلنا في الداخل وزملائنا في الخارج، ونذكر منهم الإخ أبو وليد، والأخ أحمد علي عبدالرب حفظه الله ورعاه أخو الأستاذ حسين، ومن أولاد عمي سالم علي عبدالله وأحمد محمد علي (رحمهما الله)، وكنا من أكثر زملائنا إمكانية في الحصول على الدعم، والذي كنا نوجه جزءاً منه لتناول بعض وجبات الطعام في مطعم العم صالح حسين المشتهر حيث كانت الوجبة عبارة عن روتي مع الفول بنصف شلن، وفي بعض الأحيان كنا نتناول الهريس مع القهوة عند حلويات العم أمين.
وفي بعض الأسابيع كان الأستاذ حسين ينقلنا لتناول وجبة الغداء في مطعم الأخوين صالح وقاسم المهتجس بمبلغ يتراوح بين 3 إلى 5 شلن أي ما يساوي من 150 إلى 250 فلساً أي ربع دينار جنوبي، وكان نعم الأمين على نقودنا وعلى إكرامنا بتلك الوجبات نظراً لمحدودية ما نحصل عليه من مواد غذائية في القسم الداخلي رغم كفايتها.
لم يتمكن الأستاذ حسين من مواصلة الدراسة لإكمال التعليم الثانوي، فالتحق بالعمل معلماً في مدرسة الشعب عام 1976م، وشاءت الظروف أن نجتمع في مرفق العمل كمعلمين في نفس المدرسة لفترة قصيرة قبل أن أنتقل لاحقاً للعمل في الإشراف التربوي.
لقد كان الأستاذ حسين، وكما أوضحته سيرته شعلة مضيئة ومتقدة في جذوة النشاط التعليمي الذي تميز به عن غيره في العطاء السخي الذي لا يعرف الكسل أو الخمول، فكان المعلم الذي أنار بعلمه ومعارفه الطريق أمام أعداد كبيرة من طلابه في مدارس الشعب والقارة والعدنة برصد، فقد تميز قبل تأهله وبعد حصوله على الدورات التدريبية في المناهج الحديثة بأنه أكثر المعلمين نشاطاً ومهارة وإخلاصاً في التدريس لأكثر من مادة دراسية وفي أكثر من صف دراسي وفي أكثر من مدرسة كما وضحته لنا سيرته الذاتية.
إنه المعلم الناجح الذي لا يستطيع أحد أن يجاريه فيما قدمه من خدمات تعليمية تفوق الوصف نظراً لتحمله مشاق ومتاعب التنقل وحرصه على نقل المعلومات والمعارف لطلابه سواء من خلال التدريس للمواد المقررة أو من خلال تنظيمه حصص التقوية للطلاب في مواد العلوم والرياضيات والإنجليزي، وكان نعم المعلم الذي لا يُنسى عطاؤه المتدفق على مر الأيام والسنين، والذي ترسخت ذكراه وما قدمه في نفوس طلابه ومن عرفه من زملائه في المهنة، ومن الإداريين والموجهين الفنيين والمدراء المختصين الذين أجمعوا على أن نشاط وعمل الأستاذ حسين حالة متفردة ونادرة من الجد والاجتهاد والمثابرة في العمل التدريسي والنشاط المجتمعي.
هو الإنسان الذي تغلب على صعوبات شتى، وأبرزها تطويع الطبيعة الجبلية والقيام بمفرده وبوسائل بدائية بشق طريق للسيارات والمكائن لنقل احتياجاته لبناء مسكن خاص لأسرته، معتمداً على جهوده الذاتية في أعمال النقاشة والبناء والتسميت والطلاء. وقد فعل وحقق ما أراد، واستفادت أكثر من 30 أسرة من الطريق الذي قام بشقه وتسويته.
ولا زلنا نشهد حيويته رغم تقاعده في الاهتمام برعاية المواقع الأثرية في القارة وإعادة صيانتها، خاصة في الكرفان والمواجل، وبصيانة الساحات العامة في قلعة القارة التاريخية، والمساهمة قدر استطاعته في إنجاح الاحتفالات التراثية والزيارات الخاصة لمعالم القلعة التاريخية.
أخيراً أضم صوتي لصوت الأستاذ طاهر حنش أحمد مشرف المنتدى وآخرين للعمل على دعم الأستاذ حسين من قبل أهله وزملائه وتلاميذه ومحبيه من أجل استقراره الأسري بعد أن توفيت شريكة حياته وقد بلغ به العمر مبلغاً، وحان الوقت لكي يحصل على القسط المطلوب من الراحة والاستقرار النفسي والاجتماعي.
ونأمل من الجهات الرسمية والأهلية النظر في منحه وغيره ممن ظلموا حقه في التسوية والترقية المستحقة، فذلك أفضل أنواع التكريم، ونتمنى له التوفيق والسداد في كل ما يطمح إليه، وأن يمنحه الله مديد العمر ويمتعه بالصحة والعافية، وأن يختم مسيرة حياته بكل خير، ولنا وله بصالح الأعمال.
ذاكرة لا تُنسى ومسيرة تفخر بها الأجيال
وقدم العميد عقيل ناصر ماطر مداخلة تطرق فيها عن ذكريات جيل نشأ وبرز نجمه في قلعة القارة التاريخية في ظل ظروف وصفها بالصعبة والمعقدة حيث شكلوا نواة لنشر التعليم النظامي في مناطق يافع وتحفيز الأهالي للدفع بابنائهم نحو التعليم، وتحدث عن إسهامات طلاب مدرسة القارة في نشر الوعي والتنوير من خلال الرحلات التي نفذوها إلى عدة مناطق بقيادة الشهيد حسين محمد حسين اليزيد وممارستهم للالعاب الرياضية التي أبهرت الجميع وشدت انتباههم، وكان الأستاذ حسين علي من أبرز منفذي هذه الألعاب وتحدث عن العديد من الصفات التي تفرد بها الأستاذ حسين علي ورفاقه الذي وصفهم بالنموذج وأثنى على تكريمهم وقال في مداخلته:«ذكريات تهتز لها المشاعر تلك التي طرقت أبواب الذاكرة الجميلة لجيل فريد من طلاب مدرسة 14 مايو بالقارة. جيل برز نجمه في ظروف صعبة ومعقدة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وذلك بفضلٍ من الله أولاً ثم بجهود نخبة من المناضلين وفي مقدمتهم الأستاذ القدير الشهيد حسين محمد حسين اليزيدي ألف رحمة ونور تنزل عليه.
لقد كان ذلك بداية عهد جديد لتأسيس المدارس النظامية في المديرية الغربية آنذاك حيث كانت مدرسة القارة النواة الأولى بعد مدرسة سرار التي أُسست قبل الاستقلال، وأخذت على عاتقها مهمة نشر الوعي والتنوير في التعليم. وتجلى هذا الدور من خلال الرحلة الجميلة التي تبناها طلاب مدرسة القارة تحت إشراف أستاذنا ومعلمنا الشهيد حسين محمد حسين اليزيدي من خلال النزول إلى مناطق المديرية الغربية لافتتاح المدارس مدرسة تلو الأخرى.
كنا حينها طلاب مدرسة القارة في أوج العنفوان والتميز والنشاط والإبداع والحماس، وكان أكثر ما يشد أنظار الجماهير التي تحتشد في كل منطقة نزورها هو إعجابهم بالتمارين الرياضية، والسير على الأيدي، وألعاب الجمباز، وقد تميز بهذه الألعاب كل من الإخوة: الأستاذ القدير حسين علي عبدالرب، والأستاذ محمود محسن سيف، والأستاذ فضل عبدالقادر، والزميل العزيز حيدرة قاسم أبو وجدي، ومحدثكم عقيل ناصر ماطر، وآخرون.
كانت تلك الأيام من أجمل أيام العمر. محفورة في وجداننا، لا تنسى مهما مر الزمن.
ولا يمكن أن نغفل أيام القسم الداخلي في جعار خلال فترة الإعدادية والثانوية، وما واجهناه من صعوبات أثناء التنقل صعوداً ونزولاً لإتمام الدراسة في رحلة مثابرة صنعت رجال ذلك الجيل.
واليوم، ونحن نستحضر تلك الأيام الخوالي يملؤنا الفخر والاعتزاز ونحن نرى زملاء تلك الحقبة يُكرّمون ويقدر عطاؤهم. ذلك الجيل الذي نذر نفسه لخدمة الأجيال وقدم عصارة جهده وتعليمه، ومن أبرزهم الأستاذ القدير حسين علي عبدالرب، والأستاذ القدير فضل محمد عاطف شفاه الله وعافاه، والأستاذ القدير صالح شيخ، وأستاذنا وقدوتنا الأستاذ أحمد عوض علي، وكثيرون من هذا الجيل ومن الأجيال التي جاءت بعدهم.
إن ذكريات طلاب مدرسة 14 مايو بالقارة ستظل محفورة في ذاكرة كل أبناء المنطقة الذين يشيدون بهم ويعتبرونهم قدوة ونموذجاً يُحتذى به. وإنني، ومن موقعي وزملائي في السلك العسكري نرفع لهم أسمى آيات الاحترام ونحييهم برفع الرايات والقبعات تقديراً لمسيرتهم متمنين لهم مزيداً من التقدم والنجاح ودوام الصحة والعافية.»
معلم ترك بصمة لا تُنسى
وشارك الأستاذ عبدالحكيم الصيعري بمداخلة تحدث فيها عن سيرة الأستاذ حسين علي عبدالرب فتطرق إلى الأثر العميق الذي تركه في حياته وحياة زملائة وتطرق إلى الخصال والمميزات التي تميز بها كالنشاط والحيوية والحماس، والحضور الذهني أثناء تقديم الدرس، واساليب تدريسه الممتعة، وتحدث عن قوة شخصيته وحسن أخلاقه ودوره في غرس القيم والأخلاق، وتحفيز العقول نحو الإبداع والمعرفة، وقال في مداخلته: «الأستاذ القدير والمربي الفاضل حسين علي عبدالرب شيخ من الشخصيات التربوية التي تركت أثراً عميقاً في حياتي وحياة الكثير من زملائي، فقد تتلمذت على يديه في الصف السادس بمادة التاريخ، وفي الصف السابع بمادة اللغة الإنجليزية في مدرسة الشهيد سالم عبدالرب حيدرة (العدنة) بمديرية يافع رصد محافظة أبين.
كان بحق نعم المعلم والمربي .. معلماً مفعماً بالنشاط والحيوية حاضر الذهن والروح يملأ قاعات الدراسة حماساً، ويمنحنا من علمه وتجاربه الكثير.
لم يكن التدريس عنده مجرد شرح دروس بل كان تربيةً وتوجيهاً وإلهاماً، فقد اعتاد أن ينظم الطابور الصباحي للطلاب بروح عالية، ويطرح سؤالاً عاماً كل يوم، ومن يجيب عليه يُكرَّم بالتصفيق من جميع زملائه في ساحة المدرسة في صورة تربوية رائعة غرست فينا الثقة بالنفس وروح التنافس الشريف.
لقد كان الأستاذ حسين علي عبدالرب شيخ مثالاً للمعلم الناجح الذي يجمع بين قوة الشخصية وحسن الخلق، وبين الحرص على غرس القيم الأخلاقية وتحفيز العقول نحو الإبداع والمعرفة، ومهما مضت الأيام سيبقى أثره حاضراً في وجداني لأنه كان من أوائل من علّمني أن التعليم رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن المعلم الحقيقي هو الذي يبني الإنسان قبل أن يشرح الكتاب.»
هامات تربوية تحرق ذاتها لتنير دروب الآخرين
وقدم الأستاذ شيخ عوض النوباني مستشار مدير مكتب التربية أبين مداخلة وصف بها الأستاذ حسين علي بالمعلم المثالي واعتبره أحد أعمدة التعليم والهامات التربوية الذين يحرقون انفسهم كالشموع لينيروا الدروب للآخرين دون أن ينتظروا أي مقابل غير نجاح طلابهم وتميزهم وجاء في مداخلته: «عرفنا الأستاذ حسين علي عبدالرب من خلال سيرته الذاتية ومسيرته الحافلة بالعطاء، فهو معلم مثالي وأحد أعمدة الرعيل الأول من التربويين الذين بذلوا جهوداً جبارة، وكانوا خلال مسيرة حياتهم بمثابة الشموع التي تحترق لتنير دروب الآخرين، وتخرجت على أيديهم أجيال عديدة من الطلاب الذين أصبح بعضهم اليوم في مواقع قيادية.
إننا نرفع القبعات إجلالاً وتقديراً لمثل هذه القامات التربوية التي كانت الجنود المجهولين في زمنهم. لا يشغلهم سوى أداء رسالتهم السامية في تربية الأجيال وتعليمهم دون انتظار أي مقابل سوى رؤية طلابهم وهم يحققون النجاح والتميز.
نسأل الله العلي القدير أن يمنح الأستاذ حسين علي عبدالرب الصحة والعافية وطول العمر، وأن يبارك في جهوده وتاريخه المشرف. والشكر موصول لكل من سلط الضوء على هذه الهامة التربوية، وفي مقدمتهم الأستاذ طاهر حنش، والإعلامي فهد حنش، والأستاذ القدير أحمد عوض.»