تلاعب المدارس الخاصة في عدن بالرسوم الدراسية: قرارات شكلية وممارسات تحايلية
يشهد قطاع التعليم الأهلي في العاصمة عدن منذ سنوات حالة من الفوضى في ما يتعلق بالرسوم الدراسية، وهي أزمة تتجدد سنوياً وسط غياب المعايير الواضحة والرقابة الجادة. وعلى الرغم من القرارات الأخيرة الصادرة عن مكتب التربية والتعليم بتخفيض الرسوم بنسبة 30% بتوجيه من المحافظ أحمد حامد لملس، فإن ما يحدث على الأرض يعكس عكس ذلك: تحايل ممنهج واستغلال مباشر لأولياء الأمور.
منذ البداية، جاءت الرسوم المقررة من وزارة التربية والتعليم مثيرة للتساؤلات: ما الأسس التي استندت إليها الوزارة في تحديد مبالغ مرتفعة كهذه؟ وهل أجريت دراسات اقتصادية أو اجتماعية تراعي الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطن؟
وزادت الفوضى بعد تقسيم المدارس إلى ثلاث فئات (A, B, C) يفترض أن تحدد مستوياتها الأكاديمية والخدمية وبالتالي رسومها. غير أن هذا التصنيف تحوّل إلى أداة للتلاعب، إذ أقدمت فرق "التقييم" التابعة للوزارة ومكتب التربية في الأيام الماضية على إعادة تصنيف مدارس بصورة مثيرة للريبة، فتم رفع مدارس من الفئة (C) إلى (B)، وأخرى من (B) إلى (A)، دون معايير معلنة أو مبررات منطقية. اللافت أن الفرق كانت "تقيّم" أكثر من ثلاث مدارس في يوم واحد، وهو ما يثير شكوكاً حول وجود صفقات وترتيبات مسبقة.
أما قرار تخفيض الرسوم بنسبة 30%، فقد بدا في ظاهره مكسباً للأهالي، لكنه سرعان ما فقد معناه. غالبية المدارس تحايلت على القرار عبر رفع تصنيفها وبالتالي رسومها، لتتجاوز أحياناً ما كانت تفرضه سابقاً. والنتيجة أن الأسر تكبّدت أعباء إضافية بدلاً من التخفيف الموعود. أحد أولياء الأمور، على سبيل المثال، كان يدفع العام الماضي 600 ألف ريال لابنه، ليُفاجأ هذا العام بأن مدرسته رُفّعت إلى فئة أعلى، وبات عليه دفع 924 ألف ريال، أي ما يعادل أكثر من 2200 ريال سعودي بسعر الصرف الحالي، مقارنة بألف ريال سعودي فقط العام الماضي.
ولا يتوقف الاستغلال عند الرسوم الدراسية. حتى الكتب المدرسية، التي تزوّد بها الوزارة المدارس الخاصة بسعر 150 ريالاً للكتاب، تُباع للأهالي بمبالغ تصل إلى 30 ألف ريال. هذا التفاوت الفاضح يكشف عن حجم الأرباح غير المشروعة التي تجنيها المدارس على حساب حق الطلاب في التعليم.
المشكلة الأعمق تكمن في غياب المساءلة. فوزارة التربية ومكتبها في عدن يكتفيان بإصدار القرارات الورقية بينما تُترك آليات التنفيذ للمدارس نفسها، لتفسرها بما يخدم مصالحها.
إن استمرار هذا الواقع يعني أن التعليم الأهلي في عدن قد تحول إلى تجارة مربحة بلا ضوابط، وضحيته الأولى والأخيرة هي الأسر التي تدفع من قوت يومها ثمناً لحق أبنائها في التعليم. ما لم تتخذ السلطات خطوات عملية وشفافة لمراجعة الرسوم، وضبط التصنيفات، ومحاسبة المتلاعبين، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم عاماً بعد عام.