مناورة أوبك+ النفطية أقل تكلفة رغم ضبابية السوق
يرى محللو صناعة النفط أن الأثر المالي لخطوة أوبك+ المفاجئة بزيادة إنتاج الخام بعد ثلاث سنوات من القيود بدأ يتلاشى في الوقت الحالي، وربما يحافظ التحالف على مستوى إيراداته السنوية رغم ضبابية السوق.
وعندما اتفقت السعودية وشركاؤها قبل أربعة أشهر على استئناف إنتاج النفط بسرعة، بدت التداعيات كارثية، فقد انهارت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات، مما ترك المنتجين يعانون من عجز متزايد في الموازنة مع تضاؤل إيرادات الدولة.
لكن الأشهر التي تلت ذلك القرار، والتي شهدت إعلان منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركائها بقيادة روسيا عن زيادات إضافية في الإمدادات، جلبت بعض التشاؤم.
ومع تعافي خام برنت القياسي إلى 70 دولارا للبرميل وارتفاع أهداف إنتاج الدول، ارتفعت القيمة الاسمية لإنتاج أربعة من أعضاء أوبك الرئيسيين في الشرق الأوسط إلى أعلى مستوى لها منذ فبراير الماضي.
وقفزت القيمة هذا الشهر إلى ما يقرب من 1.4 مليار دولار يوميا، وفقا لحسابات أجريت باستخدام بيانات من شركة ريستاد إنيرجي أي.أس. ومع ذلك، يبقى الغموض الرئيسي قائما بشأن مدى استمرار هذا الانتعاش المبدئي.
وارتفعت أسعار النفط الثلاثاء على خلفية التفاؤل بانحسار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين ومع تكثيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضغوط على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.
وزادت العقود الآجلة لخام برنت 0.7 في المئة، إلى 70.51 دولارا للبرميل، لتلامس أعلى مستوى منذ الثامن عشر من يوليو. كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بواقع 0.8 في المئة، إلى 67.24 دولارا للبرميل. وكانت العقود الآجلة للخامين قد ارتفعت بأكثر من اثنين في المئة عند التسوية في الجلسة السابقة.
وفرض الاتفاق التجاري الأميركي – الأوروبي رسوم استيراد 15 في المئة على معظم سلع التكتل، وحال دون اندلاع حرب تجارية شاملة بين الحليفين الرئيسيين، والتي كانت ستؤثر على ما يقرب من ثلث التجارة العالمية وتقلل من توقعات الطلب على الوقود.
ومع ذلك، يتوقع الخبراء في بنكي الاستثمار الأميركيين غولدمان ساكس وجي.بي مورغان تشيس وشركائه على نطاق واسع انخفاضًا في الأسعار في وقت لاحق من هذا العام.
ومن المحتمل أن تؤدي براميل النفط الإضافية من أوبك+ التي تبلغ حوالي 548 ألف برميل يوميًا إلى تضخم الفائض الناتج عن تراجع الطلب الصيني ووفرة المعروض الأميركي.
وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض إيرادات أوبك+ مجددًا، حيث تراجعت العام الماضي بمقدار 3.9 في المئة على أساس سنوي لتبلغ نحو 652 مليار دولار، بل وحتى الضغط على التحالف للتراجع عن زيادات الإنتاج الأخيرة.
652
مليار دولار إيرادات التحالف في عام 2024 بانخفاض 3.9 في المئة على أساس سنوي
وتتجه الأسواق إلى المزيد من الفائض في وقت لاحق من العام الحالي بعد قرار أوبك+، مما يزيد من الضغوط على الأسعار بالنسبة للمنتجين عالمياً، لكنه في المقابل يلبّي دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى خفض تكاليف الوقود.
ولدى أوبك وحلفائها ما يدعوهم إلى الاعتقاد بأن زيادة إنتاج النفط ستجد من يشتريها، على الأقل في الأجل القصير، إذ ترمز الزيادات السعرية على النفط السعودي إلى آسيا، بعد القرار، إلى هذا القدر من الثقة.
لكن حتى قبل الخطوة المفاجئة التي أُعلنت السبت، والتي اتُّخذت بعد عشر دقائق فقط من اجتماع عبر الفيديو، كانت السوق النفطية العالمية تواجه وضعا هشا، يسبق موجة فائض مرتقبة خلال فصل الشتاء.
وقال جيوفاني ستاونوفو، محلل لدى بنك يو.بي.أس في زيورخ، لوكالة بلومبيرغ “في الوقت الراهن، لا تزال سوق النفط تُعاني شحاً في الإمدادات، ما يشير إلى قدرتها على استيعاب المزيد من الإنتاج”.
وأضاف “لكن هناك مخاطر متزايدة مثل التوترات التجارية المستمرة، مما يعني أن الإمدادات في السوق ستتحسن ولن تكون قليلة كما هي الآن خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة، وهو ما قد يشكّل مخاطر تدفع الأسعار إلى الهبوط”.
وستقرر ثماني دول رئيسية في أوبك+ نهاية هذا الأسبوع بشأن زيادة كبيرة أخرى في الإنتاج لشهر سبتمبر، مما سيُكمل استئناف دفعة إمدادات قدرها 2.2 مليون برميل قبل عام من الموعد المحدد.
ولا يزال التحالف يحقق أرباحًا أقل مما كان عليه قبل تخفيف القيود، وقد يواجه ركودًا أعمق في الأشهر المقبلة. لكن في الوقت الحالي، يمكن للسعودية أن تطمئن إلى أن الضرر الناجم عن المضي قدمًا في هذه الإستراتيجية الجريئة لم يكن أسوأ بكثير.
وفي وقت سابق هذا الشهر أكد مسؤولون من الدول الثلاث الأساسية المنتجة للنفط داخل أوبك وهي السعودية والإمارات والكويت، أن الزيادة الكبيرة في الإنتاج التي أقرّها التحالف كانت ضرورية لتلبية احتياجات السوق العالمية.
وكرر وزير النفط الكويتي طارق الرومي هذا الموقف الثلاثاء، حيث نقلت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) عنه القول إنه متفائل “بشأن أساسيات سوق النفط وأن جهود أوبك+ تهدف إلى تحقيق التوازن في السوق”.
وتأتي تصريحاته عقب الاجتماع الوزاري للجنة مراقبة الإنتاج ضمن أوبك+ عبر الإنترنت الاثنين لإجراء محادثات موجزة للتأكيد على ضرورة الالتزام الكامل باتفاقيات إنتاج النفط.
ولم يذكر الرومي المزيد من التفاصيل، لكنه أكد أن الكويت تدعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمية، مضيفا أن “قرارات أوبك+ تستند إلى تطورات السوق”.
وأبقت أوبك في تقريرها لشهر يوليو الجاري توقعات الطلب على النفط في عام 2025 عند نحو 1.29 مليون برميل يوميا، ليكون من المرجّح أن يصل الإجمالي إلى 105.13 مليون برميل يوميا.
وعلى الرغم من تعديل توقعاتها بالخفض، من المتوقع أن تقود الصين نمو الطلب العالمي على النفط هذا العام، مع زيادة بنحو 210 آلاف برميل يوميا من 220 ألفا في التقديرات السابقة إلى إجمالي 16.86 مليونا.