معارك العشائر والدروز في السويداء تكشف توجها متزايدا نحو الدفاع الذاتي

وكالة أنباء حضرموت

يستمر التوتر الأمني في محافظة السويداء رغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الحكومية التي جاء تدخلها لفض نزاع بين الدروز والبدو السنّة اندلع الأحد الماضي، ليؤجج الأوضاع أكثر وهو ما يعزز هشاشة السيطرة الحكومية وتزايد الشعور بعدم الأمان ويدفع الأطراف المحلية نحو تنظيم نفسها للدفاع الذاتي.

وتكشف المعارك التي تدور في محيط المحافظة، التي تحول مركزها إلى منطقة منكوبة، عن تحول ميداني لافت مع انخراط عشائر بدوية من خارج المدينة في القتال ضد مجموعات درزية ما أعطى الصراع طابعا قبليا وطائفيا يتجاوز الإطار المحلي.

ويقول مراقبون إن ما يحدث في السويداء ليس وليد اللحظة، فالسلاح موجود منذ سنوات، لكن ما تغير هو مستوى الاستعداد لاستخدامه والتوجه نحو التنظيم شبه العسكري لمجموعات محلية باتت ترى أن الدفاع الذاتي هو الحل الوحيد أمام غياب الدولة.

وفي ظل هذه المعادلة المعقدة تتحول السويداء التي كانت تنعم بهدوء نسبي خلال سنوات الحرب الأهلية، تدريجيا إلى ساحة صراع بين مجموعات تمتلك إمكانيات قتالية متفاوتة، مع غياب قوة رسمية قادرة على احتواء الموقف أو فرض سلطة مركزية.

واستمرت المواجهات الجمعة بين مقاتلين من العشائر والبدو مدعومين من السلطات السورية ومجموعات درزية في محيط السويداء التي انسحبت منها القوات الحكومية وتركت خلفها مدينة منكوبة وأعدادا كبيرة من الضحايا. ونقلت فرانس برس عن ثلاثة مراسلين في السويداء بأن مقاتلين من العشائر السنية توافدوا من مختلف المناطق السورية دعما للبدو وتجمّعوا صباح الجمعة في قرى محيطة بالمدينة.

◙ ما يحدث في السويداء ليس وليد اللحظة، فالسلاح موجود منذ سنوات، لكن ما تغير هو مستوى استخدامه

وقال شيخ إحدى العشائر علي العناد قرب قرية ولغا في ريف السويداء إن رجاله جاؤوا من منطقة حماة وسط سوريا بعدما “استنجد بنا أبناء البدو وجئنا لدعمهم”. وشاهد مراسل منازل ومتاجر وسيارات تحترق في قرية ولغا الدرزية التي باتت بيد العشائر.

وبحسب المرصد السوري فإن “انتشار المسلحين من العشائر في محافظة السويداء جاء بتسهيل من القوات الحكومية غير القادرة على الانتشار هناك بسبب التهديدات الإسرائيلية”. ويحذر مراقبون من توسع التحالف العشائري السني الذي سيعزل الدروز بشكل أكبر ممّا مضى، وهو ما قد يدفعهم إلى المزيد من الانغلاق والتماهي مع خيارات خارجية وخاصة إسرائيلية.

وتقوّض أعمال العنف هذه التي تدخلت فيها إسرائيل عبر استهداف القوات الحكومية ومقار رسمية في دمشق، جهود السلطات الانتقالية برئاسة أحمد الشرع في بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحتها بالحكم السابق. وتطرح مجددا تساؤلات حول قدرتها على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة في البلاد.

وسحبت السلطات السورية قواتها من محافظة السويداء الخميس مع إعلان الشرع أنه يريد تجنّب “حرب واسعة” مع إسرائيل التي هدّدت بتصعيد غاراتها، بعدما أكدت أنها لن تسمح باستهداف الأقلية الدرزية أو بانتشار قوات عسكرية تابعة للسلطات في جنوب سوريا.

ودخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ لكن الرئاسة السورية اتهمت ليل الخميس المقاتلين الدروز بخرقه. وأعلنت إسرائيل الجمعة أنها بصدد إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء تبلغ قيمتها نحو 600 ألف دولار وتشمل حصصا غذائية وإمدادات طبية، بحسب بيان لوزارة الخارجية.

اقرأ أيضا: حاجة أحمد الشرع إلى معرفة الدروز…
وأرغمت أعمال العنف نحو 80 ألف شخص على النزوح من منازلهم في السويداء، وفق ما أعلنت الجمعة المنظمة الدولية للهجرة. ونفت إسرائيل الجمعة أنباء نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن تنفيذها مزيدا من الضربات الجوية قرب السويداء ليل الخميس. وقال متحدث عسكري “ليس لدى الجيش الإسرائيلي علم بضربات جوية خلال الليل في سوريا”.

وكانت إسرائيل هدّدت الأربعاء بالمزيد من التصعيد ضدّ القوات الحكومية ما لم تنسحب من محافظة السويداء بعدما قصفت مواقع عدة أبرزها مجمّع هيئة الأركان العامة ومحيط القصر الرئاسي في دمشق. وكانت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل والداعمة للسلطات السورية الجديدة، أعلنت الخميس أنها لم تساند الغارات الإسرائيلية على سوريا.

واندلعت الاشتباكات الأحد في محافظة السويداء بين مسلحين دروز وآخرين من البدو السنّة، وفق المرصد، على خلفية عملية خطف طالت تاجر خضار درزيا وأعقبتها عمليات خطف متبادلة. ومع احتدام المواجهات، أعلنت القوات الحكومية الاثنين تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو.

واتهم المرصد السوري والفصائل الدرزية وشهود القوات الحكومية بارتكاب انتهاكات في مدينة السويداء بعيد انتشارها فيها. وأحصى المرصد مقتل أكثر من 600 شخص من الجانبين جراء أعمال العنف، بينهم مدنيون. ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد في محافظة السويداء خصوصا. ويتوزّع الدروز كذلك بين لبنان وإسرائيل.