شبكات الكهرباء الأمريكية تنكشف أمام الاحترار.. الطاقة النووية وجهة المستقبل

وكالة أنباء حضرموت

أدت موجة الحر الشديدة التي تجتاح النصف الشرقي من الولايات المتحدة إلى إطلاق تحذيرات طارئة وتنبيهات من شبكات الكهرباء، ما يعكس هشاشة البنية التحتية الحالية للطاقة.

وتُظهر هذه الظروف الصعبة حاجة ملحة لنوع من الطاقة المستقرة والنظيفة يمكن الاعتماد عليه باستمرار. ولا يوجد خيار أوضح أو أفضل من الطاقة النووية.

ووفقا لتقرير نشره موقع "أويل برايس"، فإن هذا الواقع يُعزز من مساعي الترويج للاستثمار طويل الأمد في الطاقة النووية، بصفتها الحل الوحيد الخالي من الكربون والقابل للتوسع، والذي يمكنه توفير الكهرباء على مدار الساعة لتلبية الطلب الأمريكي المتزايد في ثلاثينيات هذا القرن.

في هذا السياق، رفع فريق من المحللين في بنك UBS بقيادة "ديم أرياسينغي" توقعاتهم قصيرة المدى لأسعار اليورانيوم بحوالي 10% لتصل إلى 72 دولارًا للرطل في عام 2025، وذلك على خلفية تحسن في السياسات الأمريكية، ودعم حزبي قوي، وتشديد في العرض العالمي بسبب اضطرابات جيوسياسية ومناخية.

وفي مكالمة نظمها المحللون مع مجلس الأطلسي، جرت الإشارة إلى أن الطاقة النووية في الولايات المتحدة يمكن أن ترتفع من حوالي 100 غيغاواط حاليًا إلى 400 غيغاواط بحلول عام 2050، وهو رقم يتجاوز أهداف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما أن إعلان نيويورك في وقت سابق هذا الأسبوع عن نيتها إنشاء محطة نووية بقدرة 1 غيغاواط أضفى مزيدًا من الزخم الإيجابي على القطاع.

وكتب أرياسينغي في مذكرة للمستثمرين: "قمنا برفع توقعاتنا لأسعار اليورانيوم على المدى القريب بنسبة تقارب 10%، نظرًا للتحسن في السياسات الأمريكية، ما عزز من معنويات السوق بشكل عام." ويحتفظ UBS بتوقعاته طويلة المدى لأسعار اليورانيوم عند 77 دولارًا للرطل (بالقيمة الحقيقية لعام 2025)، و81 دولارًا للرطل (بالقيمة الاسمية) بعد عام 2030.

حالة الطاقة النووية 
وقبل يومين، نشر موقع "كلين إير تاسك فورس" تقريراً عن حالة الطاقة النووية في الولايات المتحدة.

وتلعب الطاقة النووية دورًا محوريًا في قطاع الكهرباء الأمريكي، إذ توفر طاقة موثوقة، ميسورة التكلفة، وخالية من الانبعاثات الكربونية. ومع ازدياد الطلب على الكهرباء وسعي الولايات المتحدة إلى إزالة الكربون من نظامها الطاقي، تبرز الطاقة النووية كعنصر أساسي في الحل. وعلى عكس مصادر الطاقة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تقدّم الطاقة النووية طاقة أساسية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بغض النظر عن الأحوال الجوية أو الوقت من اليوم، مما يجعلها شريكًا ضروريًا في مزيج طاقي مستقر ومتنوّع.

ووفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، ستحتاج البلاد إلى ما بين 700 و900 غيغاواط من الطاقة النظيفة "الثابتة" بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المستقبلي وتحقيق أهداف المناخ. والطاقة "الثابتة" تعني تلك القابلة للتشغيل في أي وقت، ولأي مدة، دون الاعتماد على عوامل خارجية مثل الطقس. وتُعد الطاقة النووية، التي توفّر حاليًا حوالي 100 غيغاواط من القدرة، واحدة من المصادر النظيفة القليلة التي تفي بهذا التعريف.

وقد يساعد مضاعفة القدرة النووية ثلاث مرات لتصل إلى 300 غيغاواط بحلول 2050 في تحقيق أهداف الانبعاث الصفري، مع تعزيز موثوقية شبكة الكهرباء وأمن الطاقة الوطني. كما أن هذا التوسع سيسهم في النمو الاقتصادي من خلال خلق عشرات الآلاف من الوظائف الجيدة في مجالات البناء والتشغيل والبحث والتصنيع المتقدّم.

تحديات
لكن لتحقيق هذا الطموح، لا بد من تجاوز عدد من التحديات. أولًا، غالبًا ما تواجه المشاريع النووية جداول زمنية طويلة وتكاليف أولية مرتفعة، مما يثني المستثمرين. كما أن التأخيرات في التراخيص والموافقات التنظيمية قد تضيف سنوات وملايين الدولارات إلى الجدوى الاقتصادية للمشروع. ومن الضروري تبسيط إجراءات التصريح دون التنازل عن معايير السلامة.

ويمثل تطوير الكفاءات أيضًا قضية حيوية. فمع تقاعد جيل من المهندسين والفنيين النوويين، تبرز الحاجة إلى تدريب جيل جديد قادر على قيادة هذه الصناعة. ويمكن لسد هذه الفجوة أن يتم عبر توسيع برامج التعليم المهني والتدريب في المناطق التي يُخطط لإقامة محطات جديدة فيها.

ويتعين على الولايات المتحدة كذلك الاستثمار في إعادة بناء سلاسل توريدها النووية. إذ إن كثيرًا من المكوّنات الحيوية للمفاعلات، مثل الأوعية الضغطية والمولدات البخارية والإلكترونيات المتخصصة، تُصنّع حاليًا في الخارج. ومن أجل دعم توسّع محلي واسع النطاق، ينبغي على صانعي السياسات وقادة الصناعة العمل معًا لاستعادة القدرات التصنيعية داخل الولايات المتحدة وتحسين التنسيق بين المورّدين.

وعلى صعيد التكنولوجيا، توفّر المفاعلات المتقدمة فرصًا جديدة. فالمفاعلات الصغيرة المعيارية (SMRs) والمفاعلات الميكروية تُعد أكثر كفاءة وقابلية للتوسع وأسهل في الإنشاء من المفاعلات التقليدية. ويمكن لهذه النماذج خدمة المجتمعات الريفية، والمراكز الصناعية، وحتى القواعد العسكرية، مع تقديم طاقة نظيفة بمرونة أكبر وبنية تحتية أقل.

وقد بدأت الحكومة الأمريكية في الاستجابة. إذ تشمل قوانين "خفض التضخم" و"البنية التحتية" حوافز ضريبية وتمويلًا لدعم الطاقة النووية الجديدة. كما يستثمر مكتب الطاقة النووية التابع لوزارة الطاقة في مشاريع بحث وتطوير، بما في ذلك شراكات مع القطاع الخاص لتسويق المفاعلات المتقدمة.

وسيكون للرأي العام والمشاركة المجتمعية دور حاسم في إنجاح التوسع النووي. فبناء الثقة عبر الشفافية، وضمانات السلامة، ومشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط، أمر ضروري. كما أن التواصل الواضح حول فوائد الطاقة النووية البيئية والاقتصادية يمكن أن يساعد في تحسين التصورات العامة وتقليل المعارضة.

ولا تزال المخاوف البيئية، مثل النفايات المشعة، محل نقاش. وبينما لم تُنشئ الولايات المتحدة بعد مستودعًا دائمًا للنفايات، تُخزّن الوقود المستهلك بأمان في مواقع المفاعلات. وتستمر الأبحاث لإيجاد حلول للتخزين طويل الأمد وإعادة التدوير.