تثمين عمل المرأة المنزلي يعكس طموح المغرب لبناء أسرة متماسكة
تبذل الحكومة المغربية جهودا لإنصاف المرأة تماشيا مع الرؤية الملكية السامية التي وضعت المرأة في صلب المسار التنموي والاجتماعي.
كما طالبت جمعيات نسوية وحقوقية مغربية بضرورة تثمين العمل المنزلي مجتمعيا وقانونيا لإنصاف المرأة، مع ضمان إدراج آليات واضحة لتقدير هذا العمل وتقييمه، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه. ودعت الجمعيات إلى العمل على تكريس مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، مع الاعتراف الواضح بالمساهمات غير المادية للمرأة في تدبير شؤون الأسرة ورعاية الأبناء، بما يعكس مكانتها المحورية في صميم السلم المجتمعي.
وقال وزير العدل عبداللطيف وهبي إن الأوان آن للانتقال من مساحة الاجتهاد القضائي المحدود إلى الإقرار التشريعي الصريح بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية.
وأبرز وهبي أن الإقرار بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية، سواء داخل البيت أو خارجه، يعتبر جزءا من مكونات العدالة الاجتماعية داخل الأسرة.
التأطير القانوني لقيمة العمل المنزلي سيشكل لبنة أخرى تنضاف إلى ما تم تحقيقه من مكتسبات لصالح المرأة المغربية
وشدد في كلمة افتتاحية خلال ندوة دولية، نظمتها وزارة العدل حول موضوع “نظام الكد والسعاية، مقاربات قانونية وتاريخية وتجارب مقارنة” على أن “المرأة المغربية، التي تتحمل أعباء مضاعفة في تربية الأبناء، وتسيير شؤون الأسرة، والمساهمة في اقتصاد البيت، تستحق اليوم من الجميع اعترافا حقيقيا بدورها المنتج، الذي لا يقل عن أي عمل آخر مأجور خارج المنزل.”
وأوضح أن نظام الكد والسعاية ليس مطلبا طارئا، بل هو امتداد لنقاش فكري واجتماعي ممتد، دافع عنه فقهاء وقضاة ومفكرون وحقوقيون مغاربة منذ عقود طويلة، واعتمدته بعض المحاكم المغربية في اجتهاداتها اعتمادا على العرف والمذهب المالكي وأصول الاجتهاد الذي يزاوج بين النص والواقع، وبين الثابت والمتغير.
وتابع وهبي أن “الجرأة السياسية التي نمارسها اليوم لا تتناقض مع ثوابتنا الإسلامية، بل تنبع من عمق مقاصد شريعتنا في تحقيق العدل والإنصاف والمعاشرة بالمعروف، كما تنسجم مع المرجعية الحقوقية الدولية التي التزمت بها المملكة المغربية طواعية في مسارها الحقوقي الحديث.”
وأكد أن وزارة العدل ستواصل مسؤوليتها الكاملة في مواكبة هذا الإصلاح الجريء، بروح من الانفتاح والجدية، وبتنسيق مع كل المؤسسات الوطنية المعنية، بهدف الوصول إلى نصوص قانونية عصرية وعادلة وواقعية وومتوازنة تعكس طموح المجتمع المغربي في بناء أسرة متماسكة قائمة على العدل والإنصاف والاحترام المتبادل.
بدوره، أبرز الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة هشام بلاوي دور الاجتهاد القضائي كآلية مساهمة في نقل آثار التغيرات المجتمعية والثقافية إلى المستوى التشريعي، مؤكدا أن “هذا الدور سيتعاظم بالنظر للأدوار المتعددة التي أصبحت تباشرها المرأة في عملية التنمية بمختلف أشكالها، وإسهامها اليومي والمباشر في الإنفاق على الأسرة إلى جانب الرجل.”
وشدد على أن إذكاء قيم العدل والإنصاف سيساهم، بفعل الوعي المتزايد بالحقوق والحريات، في بلورة المداخل التي تؤدي إلى تعميق فهمها وتملكها من أجل تعزيز قيم المساواة والمناصفة في تدبير الحياة الأسرية بين الزوجين، بهدف خلق أسرة متماسكة ومتوازنة باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع.
واعتبر أن التأطير القانوني لقيمة العمل المنزلي سيشكل لبنة أخرى ستنضاف إلى ما تم تحقيقه من مكتسبات لصالح المرأة المغربية، ويعكس كذلك عمق المكانة الدستورية والمحورية لحقوقها التي أصبحت متساوية مع الرجل، كما يترجم الإرادة الراسخة في مواصلة مسيرة تحصين الحقوق وتمكين النساء من كافة سبل تحقيق التنمية جنبا لجنب مع الرجل.
وكانت الودادية المغربية النسائية بالإدارة القضائية، قد نظمت بدورها، يوما دراسيا تحت عنوان “تثمين العمل المنزلي في مدونة الأسرة المغربية: تحوّل مجتمعي وقانوني نحو الإنصاف”، ركزت خلاله الدكتورة زينب بن حمو، والأستاذة لمياء المازجي، والأستاذة حنان الزعيمي، على أهمية إدماج قيمة العمل المنزلي في الإطارين القانوني والاجتماعي. وأجمعن على ضرورة الاعتراف بهذا العمل كرافد أساسي في التنمية المجتمعية، وهو بالتالي حق أساسي يضمن للمرأة كرامتها ومساهمتها الفاعلة في هذا العمل التنموي.
وزير العدل عبداللطيف وهبي يؤكد أن الاعتراف بقيمة العمل المنزلي يُعد خطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق النساء داخل الأسرة المغربية
كما أكدن ضرورة تثمين العمل المنزلي مجتمعيا وقانونيا لإنصاف المرأة، مع ضمان إدراج آليات واضحة لتقدير هذا العمل وتقييمه، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه. وطالبن بالعمل على تكريس مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، مع الاعتراف الواضح بالمساهمات غير المادية للمرأة في تدبير شؤون الأسرة ورعاية الأبناء، بما يعكس مكانتها المحورية في صميم السلم المجتمعي.
وكان وزير العدل عبداللطيف وهبي قد أكد سابقا أن الاعتراف بقيمة العمل المنزلي يُعد خطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق النساء داخل الأسرة المغربية، خاصة في حالات الطلاق.
وأوضح وهبي، خلال كلمة ألقاها في ندوة دولية نُظّمت بالعاصمة الرباط في شهر أبريل، أن العمل المنزلي، رغم جذوره العميقة في الأعراف والتقاليد المغربية، لا يزال مهمشا من الناحية القانونية، مما يحرم النساء من حقوق مستحقة بعد سنوات من العطاء غير المُعترف به.
وشدد الوزير على أن ورش إصلاح مدونة الأسرة يجب أن تتضمن معالجة هذا الخلل، من خلال الإقرار بالدور الحيوي الذي تقوم به النساء داخل البيت، واحتساب العمل المنزلي ضمن العناصر المؤثرة في تقاسم الثروة بعد الانفصال، باعتباره عاملا مساهما في استقرار الأسرة وتنميتها.
وختم وهبي بالتأكيد على أن الإنصاف الحقيقي للمرأة لا يكتمل إلا من خلال مقاربة شمولية تضمن توزيعا عادلا للثروة واعترافا ملموسا بمختلف أوجه مساهمتها في الحياة الأسرية والمجتمعية.