الفصائل الشيعية العراقية ترهن دخولها الحرب إلى جانب إيران بفتوى تعلم استحالة صدورها عن السيستاني

وكالة أنباء حضرموت

رهنت قوى شيعية عراقية معروفة بولائها لإيران إمكانية تدخلها في الحرب الدائرة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية بإصدار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني فتوى للجهاد على غرار تلك التي كان قد أصدرها سنة 2014 تحت مسمى فتوى الجهاد الكفائي والتي تشكّل بموجبها آنذاك الحشد الشعبي لمحاربة تنظيم داعش.

وتوقّع الحشد عبر ممثله السياسي تحالف الفتح، صدور تلك الفتوى ضد الولايات المتحدة واسرائيل اللتين ستكونان بموجبها “في خطر كبير”، بحسب ما ورد على لسان أحد قادة التحالف.

وفي انتظار الفتوى التي يعلم قادة الحشد ومعظم زعماء ورموز الأحزاب الشيعية استحالة صدورها من الرجل الذي أصبح معروفا بميله لتبني منطق الدولة والالتزام في مواقفه وتوجيهاته الدينية بالسياسات الحكومية الرسمية، اكتفى هؤلاء بإصدار المواقف اللفظية المساندة لإيران وتحريك مظاهرات في الشارع منظّمة بدقّة ومتحكّم فيها بشدّة وصرامة حتى لا تنزلق إلى انتفاضة شعبية تبدو الظروف المحلية والأوضاع الإقليمية المشحونة مهيّأة لاندلاعها.

وشارك الحشد الشعبي المشكّل من العشرات من الميليشيات والذي لم تكن إيران بحدّ ذاتها بعيدة عن تشكيله وتنظيمه وتأطيره عن طريق حرسها الثوري بفاعلية في مواجهة تنظيم داعش وهزيمته، لكنّه تجاوز بعد ذلك مهمته الأصلية بكثير وتحوّل إلى قوة موازية للقوات المسلّحة العراقية لا يقتصر نشاطها فقط على المجال الأمني بل يمتدّ إلى المجال الاقتصادي والسياسي عبر ممثّله تحالف الفتح الحاضر بقوة تحت قبّة البرلمان والممثل أيضا في الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.

ومن هذا المنطلق لن يكون السيستاني في وارد تكرار تجربة تلك الفتوى التي رتّبت على البلد عبءا أمنيا وسياسيا كبيرا ما يزال قسم هام من العراقيين يحملونه مسؤوليته. وعلى الطرف القابل لن يكون قادة الحشد وزعماء معظم الفصائل والأحزاب الشيعية (في ما عدا بعض الاستثناءات) في وارد الانخراط في أي مواجهة ضدّ الولايات المتحدة أو إسرائيل من شأنها أن تهدّد مصالحهم وصولا إلى خلخلة أركان نظام الحكم القائم والذي يشاركون بفاعلية في إدارته.

وما تزال المواقف اللفظية والتظاهرات الشعبية الموجّهة إلى حدّ الآن سيدة الموقف في مساندة إيران في حربها ضد إسرائيل. ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن القيادي في تحالف الفتح علي الفتلاوي قوله إنّ “التعدي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تعتبر هي المدافع عن بيضة الإسلام الحنيف لا تخص الشيعة فقط، وإن كانت هي المتصدية” لذلك، معتبرا أنّ “ضعف القرار الإسلامي السني يعطي انطباعا أن البيانات والفتاوى الشيعية هي صاحبة الصوت الأعلى.”

ورأى الفتلاوي أن “التعدي على آية الله القائد الإسلامي الخامنئي يعد تعديا على الإسلام، باعتباره شخصية دينية يأتم بها ملايين المسلمين، كما هو الحال مع المرجع الأعلى علي السيستاني.”

وأضاف أن “بيان المرجعية الدينية الأخير واضح وصريح، ومن الممكن أن تصدر فتوى جهاد اذا ما تطورت الأمور بشكل أكبر وأخطر.”

ويشير القيادي في تحالف الفتح إلى الموقف الذي أصدره السيستاني من التهديدات الإسرائيلية بقتل خامنئي وذلك على الرغم من أن ذلك الموقف معاكس تماما لقراءة الفتلاوي له إذ جاء متوازنا ومتجانسا مع منطق الدولة حيث أدان المرجع الشيعي العراقي على غرار حكومة البلاد والكثير من حكومات المنطقة الحرب التي بدأتها إسرائيل ضدّ إيران، وحذّر من أن التهديد باستهداف القيادة الإيرانية العليا ينذر بحدوث فوضى عارمة في المنطقة.

ولم يشر السيستاني لأي ردّ عنيف على التهديد بقتل خامنئي مكتفيا بتوجيه نداء إلى قادة دول العالم ليبذلوا قصارى جهودهم لوقف الحرب “وإيجاد حلّ سلمي عادل للملف النووي الإيراني وفق قواعد القانون الدولي.” وذهبت غالبية المتابعين للشأن العراقي نحو مخالفة توقع تحالف الفتح بصدور الفتوى المذكورة مستبعدين حدوث ذلك.

واستبعد علي الصاحب رئيس المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية أن يصدر السيستاني المعروف بـ”خطابه المعتدل ودعوته للسلم والأمان الفتوى الجهادية حاليا”، متوقّعا أن “يسعى لإنهاء الصراع والحد من توسعه حتى لا تكون هناك حرب مفتوحة.”

ويوفّر عدم صدور تلك الفتوى على الكثير من الفصائل والقوى الشيعية العراقية التي تتخذّ من السيستاني مرجعا لها مؤونة الانخراط في الحرب إلى جانب إيران وتعرّضها بالتالي لمخاطرها الماحقة خصوصا بعد أنّ جرّبت شدّة وعنف الرد الأميركي في أوقات سابقة على ميليشيات هدّدت مصالحها المدنية والدبلوماسية في العراق وتعرّضت لقواتها المتمركزة على أرضه.

في انتظار الفتوى التي يعلم قادة الحشد ومعظم زعماء ورموز الأحزاب الشيعية استحالة صدورها من الرجل الذي أصبح معروفا بميله لتبني منطق الدولة والالتزام في مواقفه وتوجيهاته الدينية بالسياسات الرسمية

ووجدت تلك القوى في المواقف السياسية والمنابر الدينية بديلا مناسبا وآمنا عن دعم إيران بالسلاح، بينما ناب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عن تلك القوى في توظيف الشارع للتعبير عن موقف شعبي مساند للإيرانيين جنبا إلى جنب التحكّم الدقيق في المتظاهرين وتأطيرهم وتوجيههم، وهو دور يجيده الصدر ذي الشعبية الكبيرة والجماهيرية الكاسحة في صفوف شيعة العراق ببراعة فائقة.

وتظاهر الجمعة في مدن عراقية عدّة أبرزها بغداد الآلاف تلبية لدعوة زعيم التيار الوطني للتنديد بالهجمات الإسرائيلية على إيران. وفي مدينة الصدر بشرق بغداد، أدى متظاهرون صلاة الجمعة ثم هتف الخطيب الشيخ خضير الأنصاري “كلّا كلّا أميركا، كلّا كلّا إسرائيل.”

وفي مدينة البصرة بجنوب العراق تجمّع للغرض نفسه نحو ألفي متظاهر في شارع رئيسي. واعتبر الشيخ قصي الأسدي أنه “إن وُجدت حرب عالمية ثالثة فستكون هذه الحرب ضد الإسلام،” منددا بـ”تعدّي الإسرائيليين والأميركيين جوّا على سيادة العراق.” وذكّر بأن الصدر “نوّه عدة مرات بعدم التدخل وانجرار العراق وبألّا يكون ساحة للحرب.”

وكان الصدر الذي اتخذ موقفا سلبيا من القوى الحاكمة في العراق وقرر الانسحاب (شكليا) من العملية السياسية وعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم، قد دعا الأربعاء في بيان إلى “مظاهرات سلمية منظمة” بعد صلاة الجمعة في مراكز المحافظات، بغية التنديد “بالإرهاب الصهيوني والأميركي والاعتداء على الجارة إيران وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن.”

ومن جهته اعتبر عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الشيعي العراقي، خلال حضوره الجمعة مؤتمرا دينيا أن إيران “تعرّضت للغدر واستوعبت الصدمة وردّت بطريقة أذهلت العالم،” فيما مضى إمام جمعة مدينة النجف ذات القدسية الخاصة للشيعة صدرالدين القبانجي بعيدا في استخدام الخطاب الشعبوي بهدف استثارة مشاعر الجمهور، متوقّعا “زوال دولة إسرائيل على يد إيران،” قائلا في خطبته، إن “هذه المعركة ستحسم إما بنهاية إسرائيل أو هزيمتها،” ومضيفا قوله “أما نحن فننتظر اليوم القريب،” وداعيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأن “يسلم نفسه لإيران ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب أن يقدم رسالة اعتذار بخطّه إلى الجمهورية الإسلامية وللشعب الإيراني.”