اليمن على خطى سوريا في التحول إلى بؤرة لتهريب وترويج المخدرات
دفع طول أمد فترة عدم الاستقرار في اليمن البلد إلى وضع شبيه بالوضع السوري خلال العشرية الأخيرة من فترة حكم نظام آل الأسد بتحوّل أراضيه إلى موطن لنشاط تجار ومهرّبي المخدرات سواء منها الموجّه للاستهلاك الداخلي حيث نشأت سوق محلية نشطة لتلك المواد، أو الموجه نحو بلدان المنطقة المغرية بثرائها وازدهارها الاقتصادي والمالي لعصابات تهريب وترويج المخدرات التي يبدو أنّها استثمرت في عدم استقرار بعض البلدان لتأخذ طابعا أكثر تنظيما وفقا لما يظهره تزايد الكميات المضبوطة من تلك المواد في البحر والبر على حدّ سواء.
وتمثّلت أحدث عملية لضبط كميات كبيرة من المواد المخدّرة في تمكّن كتيبة أمن وحماية منفذ الوديعة بين اليمن والسعودية من إحباط محاولة تهريب كمية من الحبوب المخدرة قدرت بأكثر من مليون قرص كانت مخفية بإحكام على سطح شاحنة تبريد متجهة إلى أراضي المملكة.
وكانت جهود دولية لمحاصرة نشاط تهريب المخدرات قد أظهرت تحوّل المنطقة البحرية القريبة من اليمن ومنطقة الخليج إلى محور لعمل العصابات العاملة في هذا المجال، حيث أعلنت البحرية الفرنسية في مايو الماضي عن ضبط نحو خمسة أطنان من المخدرات على متن قوارب تقليدية في بحر العرب، تقدر قيمتها بنحو 70 مليون يورو ما يعادل نحو 80 مليون دولار، وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة على إعلان مماثل عن ضبط أكثر من 2.5 طن من المواد المخدرة في البحر ذاته ما يدل على تفاقم الظاهرة وتحول المنطقة وممراتها البحرية الإستراتيجية إلى مدار لحركة تهريب وترويج للمخدرات ما يشكلّ صفارة إنذار للحكومات بشأن الخطر المحدق بمجتمعات دولها.
◄ أغلب القوى الأمنية تعاني من قلّة الوسائل المادية والتقنية اللاّزمة لمحاربة تهريب وترويج المخدّرات
وما يزيد ظاهرة انتشار المخدرات خطورة في المنطقة كون المتاجرة بها تحوّلت إلى وسيلة لتمويل تنظيمات مسلّحة من بينها الميليشيات الناشطة في عدد من البلدان كأذرع لإيران.
وينطبق الأمر على جماعة الحوثي المسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن المفتوح على بحر العرب. كما ينطبق أيضا على الميليشيات الشيعية في العراق والمتهمة على نطاق واسع بالضلوع في تهريب وإنتاج المخدّرات والمتاجرة بها ما يفسّر الانتشار الواسع للمواد المخدّرة في البلد رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها سلطاته لمحاصرة الظاهرة والحدّ منها.
أما سوريا فقد أصبحت في عهد نظام الرئيس السابق بشار الأسد النموذج الأوضح عن استخدام المخدّرات وسيلة للحصول على الأموال، حيث تمّ الكشف بعد سقوط النظام عن منظومة لتصنيع وتهريب المخدّرات قالت المصادر إن جهات محسوبة على النظام نفسه كانت تديرها وتشرف عليها.
وبشأن عملية منفذ الوديعة قال مصدر عسكري إن العملية نفذت بنجاح في نقطة التفتيش المعروفة بنقطة السلاح بعد أن اشتبه أفراد النقطة بالشاحنة، الأمر الذي قادهم إلى اكتشاف المواد المحظورة رغم محاولات التمويه المحكمة.
وأوضح أن سائق الشاحنة أقر خلال التحقيقات الأولية بأن الحمولة تعود إلى تجار ممنوعات في العاصمة صنعاء وأن مهمته كانت تقتصر على إيصالها إلى مدينة شرورة داخل السعودية حيث كان من المقرر أن يستلمها منه شخص آخر لا يعرف هويته.
◄ ظاهرة تهريب وترويج المخدرات في المنطقة أصبحت لصيقة بمواطن نشاط أذرع إيران مثل اليمن والعراق وسوريا
وأشارت وسائل إعلام محلية يمنية نقلا عن المصدر ذاته إلى أنّه تمّ في الفترة الأخيرة إحباط عدد من محاولات تهريب المخدرات عبر نفس المنفذ الحدودي، موضّحا أن شبكات التهريب تلجأ إلى حيل وطرق مبتكرة في محاولاتها لتمرير المواد المخدرة من بينها إخفاؤها داخل الفواكه وفي أماكن خفية داخل المركبات.
وتقول مصادر محلية في أنحاء متفرّقة من اليمن إنّ البلد يشهد انتشارا غير مسبوق لعمليات تهريب وترويج المخدّرات بمختلف أنواعها، جرّ وراءه انتشارا واسعا لاستهلاكها بين شرائح واسعة من المجتمع لاسيما فئة الشباب بدءا من السنوات الأولى من مرحلة المراهقة.
وتتضافر ضمن أسباب الانفجار المهول الذي تعرفه الظاهرة الظروف الأمنية والاجتماعية التي تسببت بها الحرب الدائرة في البلد منذ ما يزيد عن عشرية من الزمن.
ورغم تفاوت حالات الاستقرار من منطقة يمنية إلى أخرى إلاّ أن هشاشة الأوضاع الأمنية وعدم قدرة الأجهزة على السيطرة على الأوضاع بالكامل وفرض القانون على الجميع تكاد تشكّل قاسما مشتركا بين مختلف المناطق اليمنية في ما عدا استثناءات قليلة.
كما أنّ انتشار الفقر وارتفاع معدّل البطالة، وخصوصا تفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكّر ألقت بأعداد مهولة من اليمنيين جلّهم من الشباب في أوضاع بالغة الصعوبة وجعلت أعدادا منهم يلجأون إلى المخدرات كأيسر طريقة للتخلص من صعوبة الواقع وتناسيه ولو لبعض الوقت.
ويقول مصدر أمني إنّ العدد المهول للقضايا المتعلّقة بالمخدّرات تجاوز قدرات السلطات الأمنية وجعلها غير قادرة على تتبعها جميعا واضطرّها إلى إهمال المستهلكين وصغار التجار في محاولة لتركيز الجهود على المهرّبين وكبار التجار الذين اتّخذ نشاطهم سمة أكثر تنظيما واحترافية.
وذكر المصدر أمني أنّ الإشكالية الكبرى في اليمن تتمثّل في عدم القدرة على ضبط المنافذ والحدود الطويلة للبلاد وخصوصا منها المنافذ البحرية التي تتهاطل عبرها جميع أنواع المواد المخدّرة القادمة من عدّة وجهات.
وشرح أنّ إيران وسوريا ولبنان وبلدان أفريقية واقعة على الضفة المقابلة من البحر الأحمر تعدّ مصادر رئيسية للمخدّرات المهرّبة إلى الداخل اليمني.
وأوضح أنّ تجارة المخدّرات في اليمن أصبحت رديفا لتجارة السلاح الرائجة بدورها نتيجة كثرة الأطراف المنخرطة في الصراعات المسلحة في البلاد وحاجتها المستمرّة إلى الأسلحة والذخائر.
كما لفت إلى معاناة أغلب القوى الأمنية من قلّة الوسائل المادية والتقنية اللاّزمة لمحاربة تهريب وترويج المخدّرات، وهي وسائل بلغت درجات كبيرة من التطور في بلدان أخرى وذلك مسايرة للتطوّر الكبير في أساليب التهريب والترويج بحدّ ذاته.