نذر تصدع داخل المجلس الرئاسي بسبب احتكار المنفي للقرارات وتحديد السياسات

وكالة أنباء حضرموت

أكد عضوا المجلس الرئاسي في ليبيا عبدالله اللافي وموسى الكوني عدم علمهما بما ورد في تصريحات رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة عن مشاورات بينه وبين المجلس بشأن مقترحه السياسي.

وأكدا في بيان مشترك: “لم يتم إبلاغنا كمجلس رئاسي بمضمون هذا المقترح لا بشكل رسمي ولا غير رسمي ولم نكن طرفا في أي مشاورات كما ورد في التصريح.” وأضافا: “نؤكد التزامنا بمبدأ الشراكة الوطنية والتنسيق المسؤول بين مؤسسات الدولة بعيدا عن الاجتهادات الفردية أو الإشارات التي قد تفسر على نحو غير دقيق.”

وشدد اللافي والكوني على أن “المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب وضوحا في الطرح وتنسيقا حقيقيا بين الأطراف الوطنية لا الاكتفاء بإطلاق مبادرات لا تمر عبر قنوات الحوار المؤسسي،” مردفين:“نحن كمجلس رئاسي منفتحون على أي مسعى في إطار التوافق الوطني ومناخ الثقة والتنسيق بدل خلق تصورات قد تربك المشهد وتعطي انطباعات لا تعكس الواقع.” وجاء هذا البيان، ليؤكد على تفاقم حالة الانقسام داخل المجلس الرئاسي في ظل سعي رئيسه محمد المنفي للانفراد بالقرار في سياق ما سمي بوحدة المصير مع الدبيبة.

ويرى مراقبون، أن المنفي الذي وصل إلى منصبه الحالي نتيجة وجوده ضمن لائحة واحدة تم التقدم بها إلى ملتقى الحوار السياسي في اجتماع جنيف أوائل فبراير 2021 بعد أن كان يتولى وظيفة سفير لحكومة السراج في أثينا، وأن الدبيبة غالبا ما يذكره بأنه ما كان ليصل إلى منصب رئيس للمجلس الرئاسي لولا تلك الخطوة التي أدارها آنذاك عميد الأسرة الحاج علي الدبيبة من إسطنبول.

◙ أوساط ليبية تؤكد أن عبدالحميد الدبيبة يستعمل المجلس الرئاسي لتمرير مواقفه إلى مراكز القرار الإقليمي والدولي

وأعلن الدبيبة عزمه إطلاق مبادرة جديدة تشمل ثلاثة مسارات، للخروج من المأزق السياسي الراهن الذي تعيشه ليبيا، وقال خلال الاجتماع الثاني العادي لمجلس وزراء حكومة الوحدة أول أمس الثلاثاء بمجمع قاعات غابة النصر في العاصمة طرابلس، أن المسار الأول لمبادرته يتضمن إعادة هيكلة الحكومة على أساس الكفاءة، بعيدًا عن المحاصصة أو التأثيرات الموازية، والمسار الثاني يعتمد على إطلاق مشروع الاستعلام الوطني كمسار جامع ومعبّر عن الإرادة الشعبية، فيما يقوم المسار الثالث على وضع آلية واقعية لتأمين الانتخابات، وإنهاء ذريعة وجود حكومة موازية.

وأكد الدبيبة أن مبادرته تهدف إلى تقديم حل واقعي ومدعوم بإرادة شعبية، يطرح على طاولة الحوار كمسار جامع، واتهم الطبقة السياسية الحالية بأنها عطلت القوانين، ورفضت التوافق على القواعد الدستورية، لافتا أن هذه الفئة تواصل اختراع مراحل انتقالية جديدة، لتمديد وجودها، ومنع الشعب من التصويت.

وبحسب أوساط ليبية، فإن الدبيبة يستعمل مكتب رئيس المجلس الرئاسي لتمرير مواقفه إلى مراكز القرار الإقليمي والدولي، ويجد في المنفي منفذا جيدا لأجندته مما جعلهما مرتبطين بمصير واحد ومصالح مشتركة.

وتشير الأوساط إلى أن سامي المنفي شقيق رئيس المجلس الرئاسي يعد حليفا مقربا من أسرة الدبيبة وهو من يضع السياسات العامة للمجلس إلى جانب زياد دغيم مستشار الشؤون التشريعية والانتخابات، وأن هناك تنسيقا دائما بينهما وبين مستشار الأمن القومي للحكومة إبراهيم الدبيبة الذي يعد صاحب القرار الرئيسي في طرابلس. وما يثير الاستغراب أن سامي المنفي تحول إلى فاعل أساسي في المجلس الرئاسي وبات له مكتبه الخاص بالقرب من مكتب شقيقه رئيس المجلس وهو من يتولى متابعة المهمة ووضع التوصيات والآراء بخصوصها.

وفي مايو 2024 قرر رئيس هيئة الرقابة الإدارية عبدالله قادربوه، فصل سامي يونس المنفي، احتياطيا عن العمل كمدير عام الشركة العربية الليبية المغربية القابضة “وذلك لدواعي ومقتضيات المصلحة العامّة بعد أن كان شقيقه محمد عينه في ذلك المنصب في يناير 2022.” وبعد أسبوع من القرار، تقدم المنفي باستقالته من إدارة الشركة ليتحول إلى عنصر أساسي في فريق رئيس المجلس الرئاسي، ووصفته بعض المصادر بأنه صاحب القرارات التي يتم الإعلان عنها رسميا، والمواقف التي عادة ما يعبّر عنها زياد دغيم.

والأسبوع الماضي، اعتبر عضوا المجلس موسى الكوني وعبدالله اللافي أن تصريحات دغيم المتكررة لا تمثل موقف المجلس الرئاسي مجتمعا، وقالا إن المستشار المعين كمستشار خاص لـمحمد المنفي يعبر في تصريحاته عن وجهة نظره الشخصية، أو عن رأي الشخصية التي استعانت به، ولا تمثل تصريحاته بأي حال من الأحوال موقف المجلس الرئاسي بكامل أعضائه ، معربين عن استغرابهما من أن يتولى دوراً إعلامياً يفهم منه أنه يتحدث باسم المجلس الرئاسي في ظل وجود ناطق رسمي معتمد متى تطلبت الضرورة، وبما يتوافق مع آليات العمل المعتمدة من المجلس مجتمعا.

ورأى الكوني واللافي أن ما ورد في حديث دغيم يظل رأيا شخصيا، ما لم يعتمد من قبل من طلب رأيه، ويعرض وفقا للإجراءات الداخلية على أعضاء المجلس، ليصار إلى اتخاذ موقف أو قرار ينسب للمجلس الرئاسي بصفته الاعتبارية. وأهاب النائبان بجميع المعنيين بتوخي الدقة فيما يُنسب من مواقف وآراء إلى المجلس الرئاسي، وذلك للحفاظ على وضوح الأدوار، واحتراماً لمبدأ التمثيل الرسمي.

جاء ذلك بعد أن زعم دغيم أن المجلس الرئاسي مختص “دستوريا” بتعيين أو تسمية رئيس الحكومة ولا يملك إقالته، مشددا على أن مجلسي النواب والدولة لا يملكان حق تسمية رئيس الحكومة، وأضاف: “أتحدى زملائي السابقين في مجلسي النواب والدولة أن يأتوا لنا بنص واحد يعطي المجلسين صلاحية تعيين وتسمية رئيس الحكومة.. غير موجود بالمطلق.”

◙ الوضع داخل المجلس الرئاسي يتجه إلى الانفجار نتيجة إصرار رئيسه محمد المنفي على أن يكون ظلا لخيارات أسرة الدبيبة

ويشير محللون محليون إلى أن الوضع داخل المجلس الرئاسي يتجه إلى الانفجار نتيجة إصرار رئيسه محمد المنفي على أن يكون ظلا لخيارات أسرة الدبيبة وما يتم التخطيط في سياق مصالح بعض الأفراد ولو على حساب القانون والشرعية والسلم الأهلي.

ويضيف المحللون أن عضو المجلس عن طرابلس عبد الله اللافي والعضو عن فزان موسى الكوني يدركان جيدا أن القرار السياسي تم اختطافه من الرئاسة الجماعية وبات محتكرا داخل مكتب سامي المنفي المتحالف مع ابراهيم الدبيبة وهو ما ينذر بالاتجاه نحو حلول للموقف السياسي المتأزم قد تؤدي إلى المزيد من تعميق حالة الانقسام والإطاحة بكل جهود الحل.

ويعتقدون أن أغلب القرارات والمواقف الصادرة عن المنفي تصب في مصلحة الدبيبة، من ذلك عرقلة مشروع المصالحة الوطنية، وتأسيس المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني التي تهدف إلى شرعنة قرارات الحكومة المنتهية ولايتها وإطالة عمرها من خلال الاستقواء برأي الشارع في سياقات غير قانونية أو دستورية.

وفي أبريل الماضي، أكد اللافي أن “إصدار المراسيم الرئاسية يتطلب قراراً جماعيًا للمجلس، ولا يمكن الانفراد به” واعتبر أن “أي إعلان منفرد لا يُمثّل المجلس الرئاسي مجتمعًا، ولا يُرتب أثرًا دستوريًا أو قانونيًا، وهو والعدم سواء.”

جاء ذلك ردا على نشر صفحة المجلس الرئاسي مراسيم رئاسية، قضى الأول بوقف العمل بقانون المحكمة الدستورية الذي أصدره مجلس النواب وحدد المرسوم الثاني آليات وشروط انتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن محمد المنفي لم يغامر فقط بالتنكر لمصالح إقليم برقة الذي يمثله داخل المجلس الرئاسي، وإنما وضع المجلس أمام إمكانية الانهيار بسبب تجاهله لشريكيه اللافي والكوني، وسعيه للاستقواء بأسرة الدبيبة عبر خضوعه للتبعية المذلة التي يتحرك من داخلها وفق خيارات شقيقه سامي ومستشاره زياد دغيم.