المغرب يرفض تحريفا سياسيا في تقرير للأمم المتحدة بخصوص الصحراء
يشهد ملف الصحراء المغربية زخما سياسيا متواصلا مع توالي اعتراف الدول بسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها، غير أن تقرير مجلس الأمن الإخباري السنوي إلى الجمعية العامة بدا مجانبا للحقيقة في بعض مصطلحاته في هذه القضية بحسب تأكيد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، ما دفع إلى احتجاج رسمي من المغرب وسيراليون ودعم من الولايات المتحدة وفرنسا لموقف الرباط.
وأدان هلال الصيغة التي اعتمدت في التقرير حيث استعمل تعبير “الطرفين” في الفقرة المتعلقة بالصحراء المغربية بدل الأطراف الأربعة، واعتُبرت “منحازة” في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، وهو ما أثار احتجاجا رسميا من المغرب وسيراليون، وسط دعم واضح من الولايات المتحدة وفرنسا، في مقابل اعتراض من الجزائر وروسيا والصين.
وشدد السفير المغربي في رسالة وجهها إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، على رفض المغرب القاطع لأي تحريف سياسي في تقارير الأمم المتحدة، وعلى ضرورة الحفاظ على حيادية التقارير الأممية، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء، معتبرا أن هذه الصيغة تقوّض جهود المجلس في إيجاد حل سياسي متوازن لهذا النزاع الإقليمي، وتنحرف عن النهج المعتاد في تقارير سابقة.
وأوضح أن الفقرة المعنية تنسب لمجلس الأمن موقفًا سياسيًا غير دقيق، يعكس رأيًا وطنيًا لعضو غير دائم بالمجلس، متجاهلةً مواقف غالبية الأعضاء، مؤكدا أن المجلس كرّس منذ 2018 مبدأ “الأطراف الأربعة”، المغرب، الجزائر، موريتانيا، و”بوليساريو”، وهو ما ورد بوضوح في مختلف تقاريره.
ويؤكد هشام معتضد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، أن هذه المحاولة يائسة ولن تغير الزخم الذي تعرفه مبادرة الحكم الذاتي داخل الأمم المتحدة وخارجها.
ولفت معتضد في تصريح لـ“العرب”، أن المغرب لم يعد يراهن فقط على الآليات الأممية لتثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية، بل بات يعتمد على إستراتيجية تقوم على شبكة مصالح واسعة بدعم كبير من طرف واشنطن ولندن وباريس داخل مجلس الأمن، وهو ما يعزز شرعية المغرب ويجعل دعم مغربية الصحراء جزءا من منافع شركاء دوليين يرون في الرباط شريكا موثوقا.
وانضمت سيراليون إلى المغرب في موقفها حيث أعرب سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة، مايكل عمران كانو، عن أسفه إزاء التوصيف الوارد في التقرير، مؤكدا في رسالة إلى مجلس الأمن، أنه لا يعكس توافق المجلس، ولم يتم اعتماده من قبل أعضائه، ويمس بمصداقية التقرير وحياده.
وأوضح السفير السيراليوني أن هذا “التحريف” لا ينسجم مع الممارسات الرسمية لمجلس الأمن، مبرزا أن وفد بلاده يرفض بشكل رسمي الفقرة المثيرة للجدل، ودعا إلى مراجعتها لضمان دقة التقرير وموضوعيته وهو الموقف الذي حظي بدعم واضح من قبل ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا.
وفي هذا السياق، أشارت ممثلة سيراليون، خلال جلسة اعتماد هذه الوثيقة، إلى أنه تنبغي مراجعة هذه الفقرة التي تتضمن مغالطة في تقديمها عمل مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية، مسجلة أن هذا الانشغال الأساسي تقاسمته أغلب بلدان المجلس في صيغته الحالية، مبرزة أن هذا التوصيف والتقييم السياسي “يمسان بشكل مباشر بمصداقية وحياد ونزاهة التقرير السنوي، الذي ينبغي أن يعكس أنشطة المجلس كما جرت وليس كما تم تصورها من منظورات سياسية مختلفة، مع ضرورة مراجعة تضمن أن يعكس التقرير، بشكل وفي ومحايد، القرار المستند إلى الوقائع الذي اعتمده المجلس، والمتمثل في تمديد ولاية المينورسو بموجب القرار رقم 2756 لسنة 2024.
وتمت إحالة الرسالتين الصادرتين عن المغرب وسيراليون إلى رئيس الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة، وستنشران كوثيقتين رسميتين لمجلس الأمن والجمعية العامة، حيث أعرب ممثل واشنطن عن تقاسمه لملاحظات سيراليون، بينما أكد ممثل باريس أن الملاحظات المعبر عنها وجيهة ويجب أخذها بعين الاعتبار، مشيرا إلى أن بلاده قدمت تعليقات مكتوبة بهذا الخصوص.
بالمقابل، اعترضت وفود الجزائر وروسيا والصين على المقترح الذي تقدمت به سيراليون لمراجعة الفقرة، مصرّين على الإبقاء على النص بصيغته الحالية، وهو ما عمّق الانقسام داخل المجلس بشأن طريقة تناول قضية الصحراء.
وشدد السفير المغربي عمر هلال على أن الفقرة المنحازة تهدد مصداقية مجلس الأمن أمام الجمعية العامة، محذرًا من محاولات بعض الأعضاء الترويج لمواقفهم الوطنية داخل تقارير أممية، بدل التزامهم بالحياد، مشددا على أنه عوض محاولة تضليل الجمعية العامة فقد كان يتعين على محرر هذا القسم التحلي بالحياد والموضوعية من خلال إطلاع الجمعية العامة على ثوابت وأسس العملية السياسية التي رسخها مجلس الأمن، والتي تشمل معايير الحل السياسي، وتحديد الأطراف المعنية الأربعة، ووجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي.
ويركز المغرب في دفاعه على تقارير المجلس وأيضا إلى مشروع القرار الصادر عن اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بخصوص الصحراء المغربية، الذي لم يشر إلى الإقليم كمنطقة خاضعة للاستعمار والاحتلال، بل كمنطقة نزاع تفتعله الجزائر، كما يعترف بطبيعة النزاع الإقليمي بين المغرب والجزائر، ويشدد على المباحثات السياسية السابقة في جنيف كإطار لاستئناف العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة.
واعتبر هشام معتضد، في تصريحه لـ”العرب”، أن على الأمم المتحدة الانسجام مع الزخم الذي يعرفه ملف الصحراء واستحضار الجزائر كطرف رئيسي في الحل وفق قرارات أممية، مشيرًا إلى أن المشاريع المهيكلة والبنيات التحتية الكبرى في العيون والداخلة أصبحت تُترجم واقعية سياسية جديدة، انعكست في تزايد سحب الاعترافات من الكيان الانفصالي.
وفي إطار يقظة الدبلوماسية المغربية لأي محاولة تحوير القرارات الأممية، رفض المغرب في أكتوبر الماضي المقترح الذي طرحه المبعوث الأممي للصحراء، ستافان دي ميستورا، والقاضي بتقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو الانفصالية كحل للنزاع الذي يمتد لأكثر من خمسة عقود، خصوصا أن ديناميكية الدعم المتنامي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، تعكس تأييد المجتمع الدولي لرؤية المملكة من أجل مستقبل الصحراء المغربية.