البنوك السعودية تواجه اختبار التوازن بين نمو الديون وعجز السيولة

وكالة أنباء حضرموت

يقف القطاع المصرفي في السعودية أمام معادلة معقدة تتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين دعم النمو من خلال التوسع في الإقراض، والحفاظ على مستويات صحية من الأصول الأجنبية تُمكّن البنوك من الوفاء بالتزاماتها ومواجهة أيّ تقلبات مالية مفاجئة.

ومنذ مطلع 2025، تحركت البنوك بوتيرة غير مسبوقة نحو أسواق الدين، مدفوعة باحتياجات تشغيلية وتمويلية لمواكبة مشاريع “رؤية 2030″، لكن كان لذلك تأثير ملحوظ على صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي خلال الشهرين الأخيرين.

وشهدت معظم الإصدارات توجها لافتا نحو الأسواق الدولية، حيث طرحت عدة بنوك سعودية صكوكا وسندات مقومة بالدولار، تم تسويقها لمستثمرين في الأسواق الدولية.

وتوزعت هذه الإصدارات بين بنوك كبيرة أتمّت عمليات جمع سيولة من أسواق المال العالمية خلال الأشهر الماضية. وبحسب بلومبيرغ الشرق أصدرت 8 بنوك صكوكا إسلامية وسندات مقومة بالريال والدولار تجاوزت قيمتها الإجمالية 6.4 مليار دولار.

وأظهرت بيانات نُشرت على منصة بورصة السعودية تداول، أن الإصدارات لم تقتصر على تغطية النفقات التشغيلية، بل شملت أيضا تعزيز قاعدة رأس المال والامتثال لمتطلبات بازل 3، وتضمّن بعضها عناصر مرتبطة بالتمويل الأخضر مثل البنك السعودي الأول.

ولكن ما يحدث في سوق الديون يتقاطع مع صورة أوسع، فوفق بيانات البنك المركزي لشهر مارس، سجل صافي الأصول الأجنبية للبنوك عجزا بلغ 104.1 مليار ريال (27.75 مليار دولار)، وهو رقم يُعدّ من بين الأعلى تاريخيا، قبل أن يتراجع إلى نحو 24 مليار دولار مع نهاية أبريل.

ولم يكن شهر أبريل نهاية القصة، ففي الأسابيع التالية، وتحديدا خلال شهر مايو، طرحت أربعة بنوك أدوات دين جديدة تجاوزت قيمتها 2.45 مليار ريال.

ويرى المختص في الأسواق المالية والاقتصاد فهد الحويماني أن العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك ناتج عن طريقة توظيف العملة الأجنبية التي تحصل عليها البنوك من خلال الإصدارات الخارجية.

ونسبت بلومبيرغ الشرق إلى الحويماني قوله “من الواضح أنها لا تحتفظ بها كأصول أجنبية وإلا لبقي صافي الأصول الأجنبية عند مستوياته الطبيعية، بل تقوم بتحويلها إلى الريال السعودي عبر البنك المركزي أو عن طريق البنوك الأجنبية.”

وأوضح أن هدفها هو تلبية احتياجات التمويل المحلي وتعزيز كفاية رأس المال، والامتثال لمتطلبات بازل 3. كما أن جزءا من الأصول المتحصل عليها يُستخدم في سداد ديون مقومة بالعملات الأجنبية.

ويؤدي هذا التبديل إلى ارتفاع المطلوبات الأجنبية دون زيادة مقابلة في الأصول الأجنبية للبنوك، ما يُفسّر تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك التجارية رغم تدفقات الدولار.

في المقابل يختلف الوضع تماما لدى البنك المركزي، الذي لا يزال يحتفظ بمركز مالي قوي في ما يتعلق بصافي الأصول الأجنبية.

ومن هذا التحليل، يتضح أن استمرار هذه الممارسات في ظل وتيرة الإصدارات الحالية، قد يؤدي إلى استمرار العجز أو اتساعه خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع تصاعد وتيرة المشاريع الاقتصادية ضمن “رؤية 2030” وما تتطلبه من سيولة عالية.

وتوقع خالد الزايدي المستشار المالي في مكتب خالد بن جبر الزايدي للاستشارات مزيدا من إصدارات الديون من قِبل البنوك بسبب احتياجها إلى تعزيز السيولة في ظل ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع لأكثر من 100 في المئة.

لكنه نبه في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق من أن “على البنوك أن تتوخى الحيطة والحذر في التعامل مع إصدار الصكوك والسندات بهذا الكم الكبير.”

ومع ذلك تعكس طفرة الأرباح الفصلية القياسية للبنوك والتي تعد الأعلى منذ عقدين الأداء القوي للقطاع المصرفي رغم الاضطرابات العالمية التي تترافق مع التحولات الاقتصادية الكبرى في البلد الخليجي.

وأظهر بيانات نشرت الشهر الماضي أن الأرباح المجمعة للقطاع خلال الربع الأول من العام الجاري نمت بمقدار 20 في المئة بمقارنة سنوية لتصل إلى 22.3 مليار ريال (5.94 مليار دولار).

وشكل مصرف الراجحي المحرك الأكبر للأرباح، بعد أن ساهم بمفرده بنحو 41.5 في المئة من إجمالي النمو في أرباح البنوك، وفق ما أوردته بلومبيرغ الشرق الأحد.

وارتفعت مساهمته في صافي الأرباح إلى 26.5 في المئة بين يناير ومارس الماضيين، مقابل 23.6 في المئة قبل عام، مواصلا تعزيز موقعه كلاعب رئيسي في القطاع.

كما تصدّر البنوك من حيث نسبة نمو الأرباح، البالغة 34 في المئة بمقارنة سنوية، بينما سجلت بنوك أخرى كبرى مثل السعودي الأول والعربي الوطني والسعودي الفرنسي والبلاد والاستثمار والإنماء تراجعا ضمن الأرباح المجمعة، رغم نمو أرباحها.

ومع ذلك، لا يزال البنك الأهلي يحتفظ بصدارة القطاع من حيث الأرباح، لكن الفارق مع الراجحي تقلّص إلى 30.9 مليون دولار فقط، مقارنة بفارق كان يتجاوز 160 مليون دولار قبل عام، وهو ما يعكس اشتداد المنافسة بين أكبر بنكين في السوق.

وتنسجم التقديرات حول مستقبل البنوك السعودية، مع إجماع واسع بأن القطاع سيواصل أداءه القوي مدفوعا بمحركات هيكلية طويلة الأجل.

ويعزز هذا الوضع الثقة في استقرار النظام المصرفي، ويؤكد جاهزيته لتمويل التحولات التنموية التي تشهدها البلاد ضمن “رؤية 2030”.