منع إسرائيل وفد وزاري بقيادة السعودية زيارة الضفة يفاقم عزلتها الإقليمية
ندّد الوفد الوزاري العربي الذي كان يعتزم زيارة الضفة الغربية الأحد بمنع إسرائيل دخوله، بعد أن أعلنت الدولة العبرية أنها "لن تتعاون" مع الزيارة الهادفة الى "الترويج لإقامة دولة فلسطينية"، في خطوة دبلوماسية تصعيدية تعمق عزلتها الإقليمية.
وهذا القرار غير المعتاد للغاية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات بين حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجيران إسرائيل العرب، ويسلط الضوء على مدى عزلة إسرائيل المتزايدة على الصعيد الدولي بعد 19 شهراً من الحرب المدمرة في غزة.
ولم يعلن رسميا عن زيارة الوفد قبل اليوم السبت. إلا أن مصدرا دبلوماسيا أفاد وكالة فرانس برس الجمعة أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان سيزور رام الله الأحد، في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية سعودي الى الضفة الغربية منذ أن احتلتها اسرائيل في 1967.
وأفاد مسؤولون فلسطينيون بأن الوفد كان من المقرر أن يصل الأحد على متن طائرتين هليكوبتر من الأردن، ويلتقي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله. ولإتمام الزيارة، كان الوفد بحاجة إلى موافقة الحكومة الإسرائيلية، التي ناقشت المسألة وقررت الجمعة عرقلتها.
وفي بيان صدر في وقت متأخر ليل الجمعة السبت قال المسؤول الإسرائيلي مبرراً القرار، "كانت السلطة الفلسطينية التي ما زالت ترفض إدانة مجزرة السابع من أكتوبر، تعتزم أن تستضيف في رام الله، اجتماعا استفزازيا لوزراء خارجية دول عربية، للترويج لإقامة دولة فلسطينية".
وقال إن "مثل هذه الدولة ستكون بلا شك دولة إرهابية في قلب أرض إسرائيل. لن تتعاون إسرائيل مع مثل هذه التحركات التي تهدف إلى الإضرار بها وبأمنها. وإسرائيل لن تتعاون مع خطوة كهذه تهدف الى الإضرار بها وبأمنها".
ويعكس هذا الموقف تصلبا إسرائيليا تجاه أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويُسلط الضوء على تباين جذري في الرؤى بين الجانبين.
ويأتي هذا الرفض الإسرائيلي بعد ساعات من تصريح مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس بأن الأمير فيصل بن فرحان يعتزم زيارة الضفة الغربية الأحد، وسيكون بذلك أول وزير خارجية سعودي يزورها منذ احتلالها في العام 1967.
وأصدرت وزارة الخارجية الأردنية في وقت لاحق السبت بيانا قال فيه إن الوفد الوزاري الذي يصل الى عمان مساء اليوم لعقد "اجتماع تنسيقي" قبل الزيارة التي كانت مقررة الى رام الله، "أكد في موقف مشترك أن قرار إسرائيل (...) يمثّل خرقا فاضحا لالتزاماتها بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ويعكس حجم غطرسة الحكومة الإسرائيلية، وعدم اكتراثها بالقانون الدولي".
وأوضح البيان أن الوفد يتألف من أعضاء في اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بمتابعة الحرب في قطاع غزة، مضيفا أن "اللجنة قرّرت تأجيل الزيارة إلى رام الله في ضوء تعطيل إسرائيل لها من خلال رفض دخول الوفد عبر أجواء الضفة الغربية المحتلة التي تسيطر عليها".
وتتحكّم إسرائيل بكل المنافذ الى الأراضي الفلسطينية. ولا يوجد مطار في رام الله، لكن الأرجح أن الوفد كان سيستخدم المروحيات للوصول.
ويضم الوفد، إضافة إلى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، رئيس اللجنة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، وعبد اللطيف بن راشد الزياني وزير خارجية البحرين، وبدر عبدالعاطي وزير خارجية مصر وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط. وكان يفترض أن يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن مشاركة وزيري خارجية تركيا وقطر أيضا في الزيارة.
وهذه الزيارة، التي كانت ستكون الأولى لوزير خارجية سعودي منذ عقود، تكتسب أهمية بالغة في خضم توتر إقليمي متصاعد وجهود دولية مكثفة لإحياء حل الدولتين، في ظل الحرب المدمرة الجارية في غزة.
ولا يعد منع الوفد الدبلوماسي العربي مجرد إجراء روتيني، بل هو إشارة واضحة إلى معارضة الحكومة الإسرائيلية القاطعة لهذه المبادرة الدبلوماسية، وتأكيد على سياستها القائمة على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وهذا الموقف يُعمق عزلة إسرائيل الدبلوماسية، خاصة وأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان قد جعل ضمّ السعودية ودول أخرى إلى "اتفاقيات إبراهيم" مع إسرائيل هدفا رئيسيا في سياسته الخارجية، لكن خطوة إسرائيل هذه تُظهر مدى بُعد هذا الهدف في ظل الحكومة الحالية.
وتدهورت علاقات إسرائيل مع العديد من الدول العربية منذ تولي الحكومة اليمينية الحالية السلطة في ديسمبر 2022، وخاصة مع ارتفاع عدد القتلى والأزمة الإنسانية في غزة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، استدعت الإمارات العربية المتحدة سفير إسرائيل يوسي شيلي لدى الدولة إلى وزارة خارجيتها لتوبيخه بشكل غير معتاد.
وقال مسؤول إماراتي لموقع "أكسيوس" الإخباري إن الاجتماع كان "صعبًا للغاية" وأن السفير تلقى رسائل غاضبة ليرسلها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مضيفاً "تعرف أن لديك مشكلة عندما تستدعيك الإمارات العربية المتحدة إلى مكتب المدير. ليس بسبب تأخرك عن المحاضرة".
وتُعارض حكومة نتنياهو بشدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واتخذت خطوات عديدة خلال العامين الماضيين لتعميق احتلالها للضفة الغربية.
وتزامنا مع هذا الحراك الدبلوماسي العربي، أعلنت إسرائيل هذا الأسبوع عن إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، وهي ممارسات تدينها الأمم المتحدة باعتبارها مخالفة للقانون الدولي وتُمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
والجمعة، توعد وزير الدفاع يسرائيل كاتس ببناء "دولة إسرائيلية يهودية" في الضفة الغربية.
وقال في بيان صادر عن مكتبه إن إقامة مستوطنات جديدة هو "رد قاطع على المنظمات الإرهابية التي تحاول إيذاءنا وإضعاف قبضتنا على هذه الأرض، وهي أيضاً رسالة واضحة (للرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون وأصدقائه: هم سيعترفون بدولة فلسطينية على الورق، ونحن سنبني الدولة اليهودية الإسرائيلية هنا على الأرض".
وأضاف "سيُرمى هذا الورق في سلّة مهملات التاريخ، وستزدهر دولة إسرائيل". هذه التصريحات تُظهر تحدياً إسرائيلياً صريحاً للمجتمع الدولي وتؤكد على سياسة الأمر الواقع التي تتبعها.
وترأس المملكة العربية السعودية وفرنسا مؤتمرا دوليا مشتركا في نيويورك في 18 يونيو في مقرّ الأمم المتحدة، لإعطاء دفع لما يعرف بحلّ الدولتين بعد أن اعترفت نحو 150 دولة بفلسطين.
وقال دبلوماسي في باريس مطّلع على التحضيرات للمؤتمر، إنّه من المفترض أن يمهّد لاعتراف مزيد من الدول بدولة فلسطينية.
وكانت إيرلندا والنروج وإسبانيا وسلوفينيا أقدمت في العام 2024 على هذه الخطوة.
وتترافق كل هذه الحركة الدبلوماسية مع ضغوط على إسرائيل لتخفيف الحصار على قطاع غزة الذي يشهد حربا مدمّرة منذ عشرين شهرا بين إسرائيل وحركة حماس.
وتسبّب حصار مطبق تفرضه إسرائيل منذ أكثر من شهرين بنقص حاد في الغذاء والماء والدواء وغيرها من المواد الأساسية في قطاع غزة، وقالت الأمم المتحدة إن كل سكان غزة معرضون للمجاعة.
قبل الحرب التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، كانت المملكة العربية السعودية تجري مفاوضات مع إسرائيل بوساطة أميركية حول تطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية.
إلا أن هذه المفاوضات توقفت مع بدء الحرب. وتربط الرياض الموضوع بإقامة دولة فلسطينية، ما يجعل احتمال التوصل إلى اتفاق بين البلدين أمرا مستبعدا في السياق الحالي.
ولا يزال عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية مستمرًا، دون أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية إجراءات تُذكر لمنعه. ويُقدم بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية دعمًا سياسيًا للمستوطنين المتورطين في هذه الهجمات.
عيّنت الرياض سفيرًا غير مقيم لدى الأراضي الفلسطينية عام 2012، قبل أسابيع من شنّ حماس هجومًا داميًا على إسرائيل، خلّف 1200 قتيل، وأشعل فتيل الحرب الدائرة في غزة. وزار السفير، نايف السديري، الضفة الغربية في سبتمبر 2023 لتقديم أوراق اعتماده لعباس، في زيارة كانت الأرفع مستوى لمسؤول سعودي منذ عقود آنذاك.
وتاريخيا، زار العاهلان السعوديان القدس، بما في ذلك الملك سعود بن عبدالعزيز في عام 1954، والملك فيصل بن عبدالعزيز في عام 1966.