صراع إسلامي – علماني في الجزائر يضغط على سلطة تسعى لإرضاء الجميع
ركب الصراع الأيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين في الجزائر موجة شبكة التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى منصات لممارسة الضغط على السلطة، بغية حملها على التوجه نحو خيارات سياسية واجتماعية معينة فيما هي تسعى لإرضاء التيارين المتصارعين وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر.
وبعد وسم “عمي تبون لا تذهب إلى العراق،” والسجال الصاخب حول تصريحات المؤرخ محمد بلغيث حول الهوية الأمازيغية، رفع مدونون وسما جديد يحث الرئيس عبدالمجيد تبون على التخلي عن منظومة الوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبريت، وإعادة منظومة الثمانينات.
ويظهر النَّفس الأيديولوجي في الوسم الذي اجتاح منصة فيسبوك، وحظي بدعم أنصار البعد الإسلامي والقومي، الذين يعتبرون المنظومة التربوية القائمة غريبة عن الشخصية والثوابت الوطنية، وأن الوزيرة المذكورة ثبتت منظومة علمانية تماشيا مع الخط السياسي الذي سارت عليه البلاد، خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
الإسلاميون يدعون مراجعة بنية المنظومة التربوية بالبلاد، ويأملون في إنصات السلطة للحراك الافتراضي من أجل الوصول إلى هدفهم
وسبق للوزيرة والمديرة السابقة لمعهد الأنتربولوجيا بجامعة وهران أن تعرضت إلى حملات ضارية من طرف أنصار التيار المذكور، على خلفية الإصلاحات التي أدرجتها على المنظومة التربوية في أطوارها الثلاثة، إلا أن الدعم الذي كانت تحظى به من طرف دوائر القرار وفّر لها الحماية والتأييد في إصلاحاتها.
ويطالب أصحاب الوسم، الرئيس تبون، بإعادة المنظومة التربوية التي كانت سائدة في ثمانينات القرن الماضي، والتي كان يشرف عليها تيار قومي وإسلامي، عبر استغلال الانطباع الذي يوحي بأن السلطة باتت تتعاطى مع إفرازات شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من القنوات الأخرى، خاصة في ظل الغلق الذي يهيمن على المشهدين الإعلامي والسياسي في البلاد.
ويبدو أن إسلاميي شبكات التواصل الاجتماعي، الذين لا يظهرون هيكليا ولا نظاميا في الأطر الناشطة، كالأحزاب السياسية، والجمعيات والتنظيمات الأهلية، يمارسون ضغطا على دوائر القرار لحملها على التوجه نحو خيارات معينة، بما في ذلك مراجعة بنية المنظومة التربوية بالبلاد، ويأملون في إنصات السلطة للحراك الافتراضي من أجل الوصول إلى هدفهم.
لكن الساحة ليست شاغرة للتيار الإسلامي والقومي وحده، فهناك تيار علماني يدافع عن فصل الدين عن السياسة، وتحييد المنظومة التربوية عن الأبعاد الأيديولوجية، ودعم الوزيرة السابقة في ذروة الانتقادات التي كانت تطالها من مختلف الجبهات.
كما ظهر التيار بقوة في السجال الذي فجره التصريح المثير للمؤرخ والباحث محمد الأمين بلغيث، لقناة “سكاي نيوز عربية”، حول الهوية الأمازيغية، وضغط هؤلاء على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل وقوف السلطة في وجه ما وصفوه بـ”الانحراف والتلاعب بهوية وتاريخ البلاد،” كما “جرّموا التصريح،” واعتبروه مساسا بأمن واستقرار البلاد، بينما ذهب آخرون إلى اعتبار “المؤرخ بلغيث، والكاتب بوعلام صنصال، وجهان لعملة واحدة،” في إشارة إلى خوض كل طرف في مسألة الهوية والسيادة الوطنية من زاويته، وهو ما شكل تلميحا إلى ضرورة سجن بلغيث، كما سجن صنصال.
الساحة ليست شاغرة للتيار الإسلامي والقومي وحده، فهناك تيار علماني يدافع عن فصل الدين عن السياسة، وتحييد المنظومة التربوية عن الأبعاد الأيديولوجية
وأظهر التيار العلماني المتغلغل بقوة في منطقة القبائل والمدن الكبرى بالبلاد، ارتياحا بعد قرار القضاء الجزائري إحالة المؤرخ والباحث بلغيث على السجن المؤقت ورفض الإفراج عنه إلى غاية مثوله للمحاكمة، كما تكون السلطة قد شعرت بتحقيق مكسب شعبي باستمالة التيار المعروف بمناهضته لها، بينما يكتم أنصار الباحث المسجون، من التيار الإسلامي والقومي، حزنا على خيبتهم في تحرير رمزهم، والذي كان سيمثل لهم نصرا أيديولوجيا لو تحقق، وحنقا صامتا ضد السلطة، التي يشيرون إليها بالارتماء بين أحضان العلمانيين.
وفضلا عن شخصيتها وأفكارها، تحسب بن غبريت على “العصابة”، وهي المفردة المستجدة في الخطاب السياسي الجزائري، لتمييز رموز حقبة بوتفليقة، ولذلك سقطت من حسابات التأهيل والرسكلة في الطبعة الجديدة للنظام السياسي الجزائري منذ 2019، ولا يستبعد حسب خصومها من الإسلاميين والقوميين أن تلحق ببعض الوزراء والمسؤولين الكبار ورجال المال، والسياسيين والضباط السامين، المسجونين حاليا، بدعوى الفساد المالي والسياسي وقاسمهم المشترك هو الانتماء إلى حقبة بوتفليقة.
ومنذ انتفاضة الحراك الشعبي في فبراير 2019 حمل التيار الإسلامي والقومي يافطة جديدة هي “الباديسيون، النوفمبريون،” وهو الشعار المشتق من ثورة التحرير ومن مشروع الإصلاح الاجتماعي والديني الذي ينسب إلى عبدالحميد بن باديس في منتصف القرن الماضي، وأبرز موقف لهم هو مساندة السلطة والمؤسسة العسكرية، وانتقاد المطالبين بالتغيير الشامل في البلاد من الحراكيين، ومهاجمة رموز الحراك الراديكاليين.
وظهرت ذروة نشاطه في حملات التشويه المنظمة والمدعومة من طرف بعض دوائر السلطة ضد الحراك الشعبي وضد منطقة القبائل خلال عامي 2019 و2020، وهو ما يكون قد رسّخ لديه الانطباع بالوصول إلى تنفيذ تصوراته بالتحالف مع السلطة، لولا التوازنات التي حدثت بعد رحيل قائد الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وعودة ما يعرف برموز الدولة العميقة (جهاز الاستخبارات السابق) إلى مفاصل الدولة، ومع ذلك لا زال هؤلاء ماسكون ببرنوس السلطة، خاصة الرئيس تبون، للمضي في مشروع مناهضة التيار العلماني.