خفص أمريكا مساعدات الصومال.. مخاوف من تنامي إرهاب «الشباب»
يربك تراجع تركيز الولايات المتحدة على أفريقيا ديناميكيات القوة العالمية كما يعزز المخاوف من تنامي الحركات الإرهابية.
يُجري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصلاحات شاملة على السياسة الأمريكية في أفريقيا من خلال خفض برامج المساعدات الخارجية وتقليص المساعدات للقوات المتحالفة في المنطقة وذلك في الوقت الذي يتقدم فيه مسلحو حركة «الشباب» الإرهابية بالصومال.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، استعادت حركة الشباب، التي تعد إحدى أكثر الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة تمويلًا وأكثرها فتكًا على مستوى العالم، بلدات مهمة من القوات الصومالية.
ومن غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب الثانية تعتقد أن المعركة ضد الحركة يجب أن تظل أولوية أو ما إذا كانت الحكومة الصومالية قادرة على قيادة القتال وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وقال مات برايدن، مؤسس ساهان، وهو مركز أبحاث مقره نيروبي "يبدو أن إدارة ترامب غير مقتنعة بأن حركة الشباب تمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية"، مؤكدا أن المكاسب التي تحققها الجماعة "ستكون لها آثار بعيدة المدى على السياسة الأمريكية في أفريقيا ومعظم الشرق الأوسط".
في ولايته الأولى، أمر ترامب الجيش الأمريكي بمغادرة الصومال و"التنقل إلى العمل" من الدول المجاورة، وهي استراتيجية قال الجنود إنها تستغرق وقتًا طويلاً وخطيرة.
يربك تراجع تركيز الولايات المتحدة على أفريقيا ديناميكيات القوة العالمية كما يعزز المخاوف من تنامي الحركات الإرهابية.
ورغم عودة القوات الأمريكية، فقد سحبت واشنطن دعمها للقوات الخاصة الصومالية كما أنها تعيد النظر في خطط نشر مئات الجنود الأمريكيين في جميع أنحاء البلاد وانسحب معظم المدربين الأجانب بعد تخفيضات في المساعدات الأمنية، ويتردد أن الروح المعنوية بين القوات المحلية آخذة في التراجع.
في غضون ذلك، يبدو أن التوترات بين المسؤولين الأمريكيين والسلطات الصومالية تقترب من ذروتها. وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية "جلستُ مع مسؤولين من البيت الأبيض، وسألوني: ماذا لو تركنا الصومال يحترق؟ هل يمكننا احتواؤه؟.. أجبت: لا!".
وأقر مسؤول في البيت الأبيض بالإحباط المتزايد من الحكومة الصومالية وقال "نحن قلقون بشأن إعطاء الرئيس حسن شيخ محمود الأولوية للسياسة الداخلية على جهود مكافحة الإرهاب، لا سيما في ضوء التهديد المتزايد من حركة الشباب".
وقال المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن انسحاب الولايات المتحدة قد يُغذي توسع حركة الشباب في كينيا وإثيوبيا المجاورتين، ويسمح لمسلحي الشباب بتعزيز علاقاتهم الناشئة مع الحوثيين في اليمن.
وأشار المسؤول إلى توثيق خبراء بالأمم المتحدة مؤخرا لاجتماعين بين حركة الشباب والحوثيين حيث تضمن الاجتماع الأخير إرسال الحركة اليمنية خبير متفجرات إلى جلب بجوبا الوسطى عاصمة الشباب الفعلية.
وأضاف أن أي انسحاب أمريكي إضافي، قد يُفاقم الانقسامات السياسية في الصومال ويُعرّض جهود احتواء أحد أخطر التهديدات الأمنية في القارة للخطر.
وقال حسين شيخ علي، مستشار الأمن القومي الصومالي، إن الولايات المتحدة تساعد في تنظيم شركاء الصومال الأمنيين السبعة الأساسيين، وهم بريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وأخيرا الاتحاد الأفريقي الذي لم يحصل جنوده على رواتبهم منذ يناير/كانون الثاني، وبلغت متأخرات قواته 96 مليون دولار وأضاف علي "في مجالات مكافحة الإرهاب، يُعدّ الأمريكيون شريكنا الرئيسي".
وهذا العام فقط، وبعد التنسيق مع المسؤولين الأمريكيين بدأ الصومال باستخدام بيانات قائمة مراقبة الإنتربول ومشاركة تفاصيل المسافرين على متن الرحلات الجوية الدولية.
وفي خضمّ جولة جديدة من الاضطرابات السياسية، تبدو العلاقة بين الولايات المتحدة والصومال الآن محفوفةً بالمخاطر بشكل متزايد.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض "حث المسؤولون الأمريكيون الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أكثر من مرة على إعادة التركيز على التعاون الأمني والشمول الإقليمي، لكنهم يشعرون بخيبة أمل إزاء عدم إحراز تقدم".
وأضاف أن "تركيز محمود على مركزية السلطة يُعيق التقدم في مكافحة الإرهاب، ونعتقد أن تغيير الأولويات أمرٌ ضروري لمواجهة التهديد المتصاعد".
ومنذ فبراير/شباط الماضي، استعاد المتمردون عشرات القرى، بما في ذلك بلدة عدن يابال الاستراتيجية، واستعادوا القدرة على العمل في ما يقرب من ثلث الأراضي التي خسروها أمام القوات الفيدرالية في عام 2022 كما قصف مقاتلو الشباب مطار مقديشو الدولي بقذائف الهاون.
وفي مارس/آذار الماضي، قصفوا موكب الرئيس الذي نجا لكن أربعة آخرين قُتلوا جراء الهجوم الذي تزامن مع انخفاض الدعم الأمريكي للقوات الخاصة الصومالية وهي وحدة قوامها 2500 فرد تُعرف باسم لواء "داناب " وقادت تقليديًا القتال ضد حركة الشباب.
ولم يتضح بعد ما إذا كان إنهاء رواتب "داناب" مرتبطًا بمزاعم الفساد أم بالتجميد الأوسع لبرامج المساعدات الخارجية في عهد ترامب.
ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين أن تدفق الأموال الدولية إلى الصومال لا يؤدي إلا إلى تأجيج الفساد المتجذر في البلاد ويؤكد آخرون أن استمرار تمويل وحدة صغيرة مختارة تعمل جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية هو الخيار الأفضل من بين الخيارات السيئة.
ووفقًا لمسؤولي الأمن الأمريكيين، فإن خطط نشر حوالي 500 جندي أمريكي في الصومال في جميع أنحاء البلاد لدعم "داناب" تخضع للمراجعة الآن.
و"داناب" هي الوحدة العسكرية الصومالية الوحيدة التي يمكنها طلب غارات جوية أمريكية، وقد استفادت من عشرات التدخلات الأمريكية العام الماضي.
وفي عهد ترامب، كثفت الولايات المتحدة غاراتها الجوية على فرع لداعش في بونتلاند وواصلت العمليات الجوية ضد حركة الشباب وقال مسؤول عسكري غربي "الضربات الجوية لا تكون مفيدة إلا إذا كان لديك قوات برية".
وقال مسؤول عسكري أمريكي سابق إنه على الرغم من أن القتال في الصومال شاق وطويل الأمد، إلا أن القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) رأت أن الإنفاق والمخاطر التي تتعرض لها القوات الأمريكية تكلفة مقبولة لاحتواء تهديد محتمل.