انتخابات العراق وكثرة الأحزاب.. ديمقراطية أم «تشظ»؟
على عتبة انتخابات برلمانية، يغوص العراق في بحر من التكتلات الحزبية، حيث يتقاطع الطموح السياسي مع ما وصف بـ«الفوضى التنظيمية».
ففي مشهد انتخابي تتزاحم فيه 116 راية حزبية و20 تحالفاً، بدأت ترتسم ملامح سباق نيابي، يسعى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى حسمه بصناديق الاقتراع لا بالتكتلات السياسية، إلا أن آخرين يحاولون حسمه بالتحالفات.
ويوم الخميس، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الخميس، إغلاق، باب تسجيل التحالفات والأحزاب استعداداً لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2025، ليرتفع عدد الأحزاب السياسية المسجلة إلى 116 حزباً، فيما تستعد 20 تحالفاً انتخابياً لخوض السباق النيابي المرتقب.
هذه الأرقام تضاف إلى أكثر من 300 حزب مسجل رسمياً، وهو رقم يفوق عدد مقاعد البرلمان العراقي التي تبلغ 329 مقعداً، ويُقدر عدد من يحق لهم التصويت بأكثر من 29 مليون ناخب، بينهم نحو 19 مليون شاب، في وقت تواجه فيه البلاد تحدياً جوهرياً في تحويل هذه الكتلة الشعبية من مجرد رقم إلى طاقة تصويتية مؤثرة.
لكن ما دلالة كثرة الأحزاب في العراق؟
يقول الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد عبد الله رشيد في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «الكثير من هذه الأحزاب مجرد واجهات انتخابية تُنشأ لأغراض مرحلية، وتفتقر إلى بنية تنظيمية أو قاعدة جماهيرية، وهذا ما يطرح علامات استفهام حول مصادر تمويلها وأدوارها الفعلية».
وأضاف أن «تعدد الأحزاب السياسية في العراق – الذي تجاوز رسمياً 330 حزباً – لم يعد يُفسَّر بوصفه مؤشراً على حيوية ديمقراطية، بل بات يُنظر إليه كأحد مظاهر التشظي السياسي والانتهازية الانتخابية».
وأشار إلى أن «هذا العدد الهائل من الكيانات، كثير منها يفتقر إلى قاعدة جماهيرية أو برنامج واضح، يُستخدم كأدوات مؤقتة من قبل قوى نافذة لزيادة فرصها في التمثيل، أو لتفتيت أصوات المنافسين».
وبحسب الباحث السياسي، فإن «سهولة تأسيس الأحزاب – مقارنة بالحصول على رخصة قيادة كما يصفها بعض المراقبين – تعكس هشاشة النظام الحزبي وغياب الرقابة على مصادر التمويل والدوافع السياسية الكامنة وراء هذا التضخم».
وتابع: تعددية بلا مضمون، وكيانات بلا قواعد، تفرغ العملية الانتخابية من جوهرها، وتحولها إلى سباق نخبوي مغلق، بدلاً من أن تكون تعبيراً عن إرادة شعبية حقيقية.
السوداني خارج الإطار الشيعي
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن عن تشكيل تحالف انتخابي واسع تحت مسمى "ائتلاف الإعمار والتنمية"، يضم شخصيات مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وإياد علاوي زعيم الكتلة الوطنية، وأحمد الأسدي بزعامة وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
كما يضم هذا الائتلاف "تحالف إبداع كربلاء بزعامة محافظ كربلاء نصيف الخطابي" الذي حصد أغلب المقاعد في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت العام الماضي.
ويضم أيضاً تجمّع أجيال بزعامة النائب محمد الصيهود، وتحالف حلول الوطني بزعامة محمد صاحب الدراجي مستشار السوداني حالياً والوزير الأسبق والقيادي المنشق عن التيار الصدري.
ماذا عن باقي الأحزاب؟
وأعلنت قيادة حزب "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي خوض الانتخابات منفرداً، دون الدخول في أي تحالفات سياسية، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها محاولة للحفاظ على الهوية السُنية السياسية في مواجهة تشظي التحالفات التقليدية، خاصة بعد عودة بعض الوجوه القديمة كقاسم الفهداوي وكريم عفتان ضمن "تحالف الأنبار المتحد"، بينما انضم جمال الكربولي لتحالف "الحسم الوطني" بزعامة وزير الدفاع ثابت العيساوي.
ويعد حزب تقدم أكبر وأهم الاحزاب السياسية السنية، ويتوقع أن يحصد أغلب المقاعد في المحافظات الغربية التي سيشارك فيها بالإضافة إلى العاصمة بغداد.
ويعد تحالف العزم برئاسة النائب مثنى السامرائي ثاني أهم الأحزاب السياسية السنية، فيما تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر هو ثالث الأحزاب السياسية السنية من حيث القاعدة الشعبية، ويأتي في المرتبة الرابعة تحالف الحسم الوطني.
وسيخوض ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الانتخابات بتحالف مع حزب الفضيلة الإسلامي الذي يعد زعيمه الروحي المرجع الديني محمد اليعقوبي.
فيما قرر ائتلاف الأساس بزعامة نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي خوض الانتخابات لوحده، بينما فضل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة رجل الدين همام حمودي خوض الانتخابات بمفرده تحت مسمى "إبشر يا عراق"، وكذلك الحال بالنسبة إلى كتلة صادقون المضلة السياسية لمليشيات عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
بينما فضل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الدخول بتحالف مع ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي تحت مسمى (تحالف قوى الدولة)، وذهبت منظمة بدر إلى الدخول بقائمة منفردة بزعامة هادي العامري أحد قادة المليشيات.
أما حركة حقوق المضلة السياسية لمليشيات كتائب حزب الله العراق فقد قررت خوض الانتخابات أيضاً بمفردها، بعدما حاولت الانضمام إلى تحالف المالكي، لكنها فشلت خلال تلك المفاوضات.