نسرين الراضي.. ممثلة جريئة تتحدى القوالب وتفتح نجومية الشاشة الكبرى

وكالة أنباء حضرموت

تستدرج نسرين الراضي المتفرّج إلى عوالمها دون زخرفة أو تكلّف، وتنطلق من جسد واعٍ باللغة البصرية، يُفعّل كل تفصيلة بحضور داخلي يجعل الشخصية تتنفس من عمق المعاناة.

أدوار متنوعة
في فيلم “آدم” الذي أخرجته مريم التوزاني وشارك في قسم “نظرة ما” بمهرجان كان 2019، تُجسّد نسرين الراضي شخصية سامية، الأم العازبة التي تواجه مصيرها في مجتمع محافظ، وهو دور لا تعتمد فيه على الجمل الحوارية، وإنما تترك الصمت يعمل، والعين تُفسّر، والكتف المنخفض يُلمّح للخضوع المؤقت، ثم ينهض فجأة بلحظة غضب مكتوم ليعبر عن عنفوانه، وتكشف في هذا الدور عن قدرة فطرية على بناء الشخصية عبر التفاصيل الصغيرة: مشية حذرة، حركة يد مترددة، نظرة قلقة نحو المجهول، وتبرز التوتر الذي تعيشه الشخصية دون خطاب مباشر، وتُحمّل الأداء بمعانٍ نفسية وإنسانية تجعل الشخصية قابلة للتعاطف رغم كل الإدانة الاجتماعية التي تطاردها.

وتُعيد في “الجاهلية” مع المخرج هشام العسري تشكيل مفهوم البطولة الأنثوية المغربية، وتضع الجسد في مواجهة مباشرة مع الرمزي، السياسي، والديني، إذ تعتمد على أسلوب أداء يدمج الهشاشة بالقوة، وتُقدم امرأة محطمة من الداخل لكنها ترفض الانكسار أمام الواقع، بينما تتقدم نحو الكاميرا كمن يتحدى العدسة، وتكسر الحاجز الوهمي بين الشخصية والمتفرّج، مستعينة بلغة جسدية حادة ونظرات لا تستعطف. وُوظّف التحول في المواقف كمادة لبناء الشخصية، فتنتقل من الخضوع إلى المقاومة بتدفق داخلي متدرّج. وتستفيد من الخلفية المسرحية التي راكمتها منذ المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وتُحوّل كل لحظة إلى مشهد داخلي نابض بالتساؤلات دون حاجة إلى تفسير.

وتتقاطع في مسلسل “الماضي لا يموت” مع النمط التلفزيوني المحافظ، وتدخل من خلال شخصية مركبة تحاول التصالح مع إرث ثقيل وواقع مليء بالتعقيدات العائلية، إذ تعتمد فيه على تقنيات سينمائية حتى داخل القالب التلفزيوني، فتُبطئ النطق، وتُفكك الجمل، وتبني الصراع بطريقة تجنب الانفعال المباشر، وتؤدي الشخصية كأنها تُعيد تفكيك النص أثناء التصوير، وتُخضع الأداء لمنطق التطور النفسي، فتُفاجئ المتفرج بتبدل لهجتها، وتغيير نبرة صوتها، واستخدام الصمت كوسيلة للاحتجاج أو الانسحاب، وتؤكد في كل ظهور أنها فنانة لا تؤدي و إنما تشخص وتُعيد صياغة الشخصية من داخلها، مستفيدة من تجاربها السابقة في السينما الفرنسية والورشات الأوروبية التي شاركت فيها بين فرنسا وإيطاليا، حيث تمرّنت على التعامل مع الكاميرا بلغة جسدية حسّاسة ودقيقة.

وتغامر في فيلم “ضحايا حلال” وهو العمل المشترك مع السينما الخليجية، بالخروج من الصورة النمطية للمرأة المغربية، وتُثبت حضورا مستقلا لا يخضع لإملاءات السوق، حينما تتقمص دورا جريئا دون أن تقع في الابتذال، وتُبرهن أن الجدل يمكن أن يكون أداة نقدية عندما يُحكم بالموقف الفني وليس بالإثارة. وتشتغل على المشاعر المكبوتة، وتُحمّل الشخصية بتناقضات ناتجة عن البيئة الثقافية والاجتماعية، دون أن تسقط في خطاب مباشر، وتترك للمُشاهد مهمة إكمال الجملة، وتحفّز التأويل عبر ترك المسافة مفتوحة بين الحركة والمعنى.

وتناقض في مسلسل “دار الغزلان” الصورة القريبة منها في أفلامها، وتنتقل إلى دور مساند بحضور خافت، كأنها تُجرب التخفي داخل جماعة دون أن تُفقد الشخصية خصوصيتها. وتتراجع خطوة إلى الخلف لتُتيح للمجموعة أن تتنفس، وتُقدّم نموذجا عن الممثلة القادرة على ضبط الإيقاع العام للمشهد، وتتنازل عن مركزية الشخصية، وتُركز على التناغم مع باقي العناصر الدرامية، وتفتح هنا مساحة للمرونة، وتؤكد على احترافيتها كفنانة تعرف متى تتقدم ومتى تكتفي بالصمت.

وتُكرّس في فيلم “في حب تودا” النضج الفني عبر تجربة مركبة تنقل عبرها الصراع العاطفي والتاريخي في آنٍ واحد، وُحسن الانزياح بين لحظات الحب والانكسار، وتُبقي الشخصية في منطقة تأملية لا تفرط في التعبير، وتُظهر امتدادا لتجربتها السابقة، لكنها تُضيف نبرة رومانسية أكثر هدوءا، وتُبدع في استخدام السكون كلحظة شعرية داخل المشهد، وتتعامل مع الزمان المكاني كشريك في الأداء، وتمنح المكان بعدا دراميا من خلال وقفتها، التفاتها، وانسحابها البطيء من الحوار، وتجعل من كل مشهد دعوة للإنصات بدل المتابعة.

توجه فني جريء

تُبرز نسرين الراضي حضورها في الساحة الفنية المغربية والعربية من خلال مشاركاتها المتنوعة في السينما والتلفزيون، عندما بدأت مسيرتها الفنية مبكرا منذ مرحلة الإعدادي والثانوي بمشاركتها في عروض مسرحية مدرسية، قبل أن تلتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي في الرباط، وتميزت بداية نسرين بعملها في أفلام قصيرة وتجارب مسرحية مكّنتها من صقل موهبتها، كما فتحت لها الباب للمشاركة في ورشات سينمائية عربية وأجنبية ساعدتها على تطوير أدواتها التمثيلية واكتساب تجربة دولية ساعدتها في ما بعد على تأدية أدوار مركبة في أفلام طويلة ومسلسلات مغربية بارزة.

تواصل نسرين الراضي ترسيخ مكانتها كممثلة ذات توجه فني جريء، حينما عُرفت بمواقفها الصريحة من المواضيع الشائكة في المجتمع، وبتجسيدها لشخصيات تحمل أبعادا إنسانية قوية كما في فيلم “آدم” الذي عُرض في مهرجان كان ونال اهتماما دوليا. واختارت نسرين أدوارا تُعالج قضايا وجودية واجتماعية مثل العزلة، الأمومة خارج إطار الزواج، والمساواة و الحرية الفردية، وهذا جعلها محط تقدير فني ونقدي، لكنها في المقابل واجهت انتقادات بسبب اختياراتها الجريئة سواء من حيث الأدوار أو التصريحات، مؤكدة في تصريحات إعلامية أن الفن لا ينبغي أن يُقيّد بخطوط حمراء إذا كانت المبررات الفنية قوية وثقتها بالمخرجين راسخة.


وتجسّد نسرين الراضي نموذج الفنانة التي لا تفصل بين التمثيل والموقف الشخصي، إذ تثير مشاركاتها وتعبيراتها الجريئة نقاشا عاما حول حرية التعبير في المجال الفني وحدود الجرأة في المجتمع المغربي، وقد أثارت جدلا واسعا سنة 2019 بسبب قبلة فنية مع الممثلة لبنى أزابال خلال عرض فيلم “آدم”، والتي أثارت ردود فعل متباينة في الشارع المغربي، خصوصا لتزامنها مع شهر رمضان، واختارت نسرين الصمت حينها، في حين اعتذرت زميلتها، ما أعاد طرح السؤال حول الحدود بين التمثيل والخصوصية الثقافية. ورغم الجدل، تواصل نسرين مشاركاتها بأدوار متنوعة وقوية، وتُعدّ من أبرز الممثلات اللواتي يمثلن جيلا جديدا من الفنانات الطامحات إلى إعادة تشكيل صورة المرأة في السينما المغربية.

البطولة والأدوار الثانوية
شاركت الممثلة المغربية نسرين الراضي في عدد كبير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تراوحت بين أدوار رئيسية وثانوية، عندما ظهرت لأول مرة في فيلم “جناح الهوى” سنة 2011 بدور ثانوي، ثم أدّت دورا مساعدا في فيلم “حياة” عام 2013، وفي سنة 2014، أدّت دورا رئيسيا في فيلم “الكماط”، وفي عام 2017 شاركت بدور ثانوي في الفيلم الفرنسي “Prendre le large”، ثم حصلت سنة 2018 على دور رئيسي في فيلم “الجاهلية”، إلى جانب مشاركتها بدور مساعد في فيلم “أبواب السماء”، وسنة 2019 كانت محطة مهمة في مسيرتها الفنية، إذ جسدت دور البطولة في فيلم “آدم” الذي نال صدى واسعا، ثم عادت سنة 2024 لتؤدي دورا رئيسيا في فيلم “في حب تودا”.

وبرزت  في مسلسلات عديدة، وسيتكوم “دور بيها يا الشيباني” بدور مساعد، وفي نفس السنة أدّت دورا ثانويا في مسلسل “صدى الجدران”، وشاركت بدور ثانوي في مسلسل “زينة”، وتابعت حضورها التلفزيوني سنة 2015 من خلال مسلسل “دار الغزلان” بدور مساعد، وكذلك مسلسل “مقطوع من شجرة” بدور ثانوي، وفي عام 2017 عادت في الجزء الثاني من “دار الغزلان”، كما جسدت سنة 2019 دورا رئيسيا في مسلسل “الماضي لا يموت”، وشاركت أيضا بدور مساعد في “عين الحق”، وبشكل ثانوي في “فرصة ثانية”.

وفي سنة 2020 تألقت في المسلسل الخليجي “ضحايا حلال” بدور رئيسي. وواصلت تألقها سنة 2021 من خلال بطولتها في الجزء الثاني من “الماضي لا يموت”، ومسلسل “ليالي الحي القديم”، بالإضافة إلى مشاركتها الجماعية في السيتكوم “قيسارية أوفلا”، بينما شاركت في أفلام تلفزيونية بدور مساعد في فيلم “12 ساعة” سنة 2017، وفي عام 2018 في فيلم “خفة الرجل”، وسنة 2020 لعبت دور البطولة في فيلم “الدار المشروكة”، ثم ظهرت في سنة 2021 بدور ثانوي في فيلم “ستة أشهر ويوم”.