جدل في الجزائر عن تهيئة الملاجئ بعد قانون التعبئة العامة
دعا أعضاء في اللجنة النيابية التي تدرس مشروع قانون التعبئة العامة، قبل عرضه على المناقشة على نواب البرلمان، الحكومة إلى توفير الملاجئ الضرورية واللازمة التي تتطلبها حالات الانتقال من السلم إلى الحرب، ما يطرح التساؤل عن الجهة المستفيدة من الاستمرار في تخويف الجزائريين من أن الحرب قادمة بدل طمأنتهم.
ورغم أن المسألة تتعلق بإجراءات طبيعية، إلا أن تقديم المقترح وعرض المشروع في حد ذاته، دون توضيح الأسباب الحقيقية لطرحه، يستحضر أجواء استثنائية في البلاد، لاسيما وأنه يتزامن مع مناخ أمني وجيوسياسي متقلب في المنطقة، وتوترات تعيشها الجزائر مع عدة دول.
لكنّ مراقبين يرون أن مناخ الحرب الذي تتجند له الجزائر وتشحن المواطنين ليكونوا على استعداد له غير موجود في الواقع ولا مؤشرات عليه، وأن الأمر قد يكون فقط في أذهان بعض المسؤولين الذين يسعون لكسب المواطنين وجعلهم دائما في جانب السلطة، ولو بافتعال أزمة مستبعدة، كما هو الحال بالنسبة إلى اشتعال حرب في المنطقة، إذ أن كل الجبهات هادئة بما في ذلك التوتر مع مالي، الذي توقف عند حادثة إسقاط الطائرة المالية.
وأوصت اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، الحكومة، بـ”الإسراع في إعداد الوسائل اللوجستية ومنشآت الحماية كالملاجئ، وتكييف المنشآت القاعدية وعلى رأسها الطرقات مع متطلبات التعبئة العامة والأزمات خاصة لوقت الحرب، فضلا عن الإجراءات الهادفة لتسريع وتيرة التعبئة العامة المادية والبشرية والمعنوية.”
ويأتي انشغال اللجنة النيابية الذي أوردته في تقريرها التمهيدي الخاص بقانون التعبئة العامة المقرر مناقشته مطلع الأسبوع القادم، في سياق توجه للسلطة في ترتيب حالة معينة في البلاد، لا زالت التكهنات بشأنها متضاربة، بين ملء القانون التشريعي وحشد الإمكانيات اللازمة، وبين الاستعداد لإعلان وضع استثنائي تحسبا لأيّ سيناريو في ظل الرمال المتحركة بقوة على حدود الدولة.
◙ جزء من التوتر داخل الأجهزة الجزائرية والدفع إلى التهيؤ للحرب يعود إلى وجود ما تسمّيه السلطات حملات إعلامية مناهضة للجزائر
ويعود جزء من التوتر داخل الأجهزة الجزائرية والدفع إلى التهيؤ للحرب إلى وجود ما تسمّيه السلطات حملات إعلامية مناهضة للجزائر. ودعا التقرير إلى “تشجيع ودعم الباحثين والمبتكرين الجزائريين في الداخل والخارج على صناعة محتويات معلوماتية جزائرية خالصة لمواجهة غزو وسائط التواصل الاجتماعي الأجنبية، وتعزيز قدرات البلاد تكنولوجيا لتحقيق الأمن السيبراني الوطني.”
واعتبرت اللجنة أن “الاستباق والتحضير المادي والمعنوي والإعداد البشري، يصبح من الضرورة بمكان من أجل الحفاظ على السيادة وحماية الاستقرار والأمن والاستقلال الوطني في ظل سياق إقليمي شديد الحساسية، وفي ظل أوضاع دولية تتسم بالاضطراب وعدم الاستقرار، وفي ظل استهداف الجزائر من قبل القوى الاستعمارية وقوى الشر المعاصرة، وأذرعها في الداخل وفي المنطقة.”
ونبّه معدو التقرير إلى أن “البلاد لا تأتمن جانب حتى من كانت تعتبرهم إلى وقت قريب أصدقاء وحلفاء، ففي العلاقات الدولية لا الحليف يبقى حليفا ولا الصديق يحفظ صداقتك، إنما هي مصالح متبادلة في ظل فرض الاحترام، ما يوجب الاستعداد وإعداد العدة،” غير أنهم لم يوضحوا هوية الجهات أو الأطراف التي تستهدف ضرب أمن البلاد واستقرارها.
ويرجح المتابعون أن المقصود هنا هما تركيا وروسيا، اللتين باتتا تتحركان في مالي بما يناقض مصالح الجزائر من خلال دعم وتسليح المجلس العسكري الحاكم هناك بشكل يهمّش خطط الجزائر وتحالفاتها على الأراضي المالية.
وقال وزير الاتصال محمد مزيان، في أكثر من مناسبة، بأن الجزائر منزعجة بقوة من حملات “تضليل وفبركة” غرضها تشويه صورة وسمعة البلاد، واتهم أطرافا وصفها بـ”الغرف المظلمة”، دون أن يكشف عن هويتها ولا هوية البلدان التي تحتضنها، بالوقوف وراء حشد وتمويل وتموين تلك الحملات.
واستغل الوزير جولة قادته إلى عدة مدن في تنظيم جلسات تعبئة للصحافيين والإعلاميين من أجل مواجهة تلك الحملات، في إطار ما أسماه بـ"الجبهة الإعلامية الموحدة"، التي تتماهى مع خطاب التعبئة العامة، الذي تحدث في بنوده الأولى عن حشد الإمكانيات المادية والبشرية وتسخير كل الطاقات لمواجهة حالة الانتقال من السلم إلى الحرب.
وتقع حصرية إعلان حالة التعبئة أو رفعها ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، بموجب البند الـ99 من الدستور، والذي يقول “لرئيس الجمهورية الحق في اتخاذ قرار التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني.”
أما بيان مجلس الوزراء فقد أشار إلى أن مشروع القانون يهدف إلى “تحديد الأحكام المتعلقة بتنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 99 من الدستور،” ويقصد بذلك تفعيل النص الدستوري في شكل خطوات عملية وميدانية جاهزة للتنفيذ.