الشرع في باريس.. زيارة بين براغماتية ماكرون وتحذيرات المعارضة

وكالة أنباء حضرموت

دلالات متعددة لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا التي بدأت اليوم الأربعاء.

وبحسب خبراء سياسيين فرنسيين فزيارة الشرع إلى فرنسا تعكس تحوّلات دقيقة في ميزان العلاقات الدولية، وتكشف عن سعي فرنسي لتثبيت دور دبلوماسي نشط في الملف السوري رغم الجدل.

ثلاثة باحثون سياسيون فرنسيون، اعتبروا أن الزيارة خطوة براغماتية ضرورية، ومن رأى فيها مغامرة محفوفة بالمخاطر، وآخر حذر من تداعياتها على الداخل الفرنسي.

وقال أوليفييه روا، خبير في شؤون الإسلام السياسي في معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا لـ"العين الإخبارية" إن فرنسا "لا تملك ترف تجاهل السلطة الواقعية في دمشق اليوم".

وأضاف أن التعامل مع الشرع "يجب أن يُفهم في إطار تطورات موازين القوى، لا في إطار تزكية شخصية".

من جانبه، قال فردريك دو لا موتر، المحلل في مركز مونتين للسياسات العامة لـ"العين الإخبارية إن "هذه الخطوة قد تُستغل داخليًا من قبل المعارضة اليمينية".

وأضاف: "استقبال شخصية مثيرة للجدل كهذه يعطي ذريعة لتيار أقصى اليمين لاتهام الحكومة بالازدواجية"، لكنه يُقر بأن "فرنسا تسعى لتوجيه المرحلة الانتقالية السورية بدل تركها لموسكو وطهران".

وتابع قائلا أن "الزيارة ضرورية، وأن ماكرون على حق تمامًا في استقباله، صحيح أنها مخاطرة سياسية، لكنها تعد مكسبا دبلوماسيا لفرنسا".

واعتبر أن "الجميع يمد يده لأحمد الشرع، في مقدمتهم الروس، حيث اتصل به الرئيس فلاديمير بوتين مرتين، وهم الوحيدون الذين يقدّمون له مساعدات مادية كبيرة اليوم، من قمح ونفط وأموال".

ووصف الباحث السياسي الفرنسي الشرع بأنه "ليس ليبراليًا، بل محافظ ويسعى إلى تهدئة التوترات في البلاد".

من جانبها، قالت كلير دوفيلي، باحثة في معهد العلاقات الدولية الفرنسي (IFRI) لـ"العين الإخبارية" إن الزيارة تمثل "مخاطرة سياسية مدروسة" من قِبل ماكرون، تهدف إلى إعادة تموضع باريس كفاعل محوري في الملف السوري.

وترى أن ماكرون "يحاول الموازنة بين الواقعية السياسية ومبادئ حقوق الإنسان"، لكنها تحذر من أن أي تهاون مع ماضي الشرع قد "يقوّض مصداقية فرنسا في المحافل الدولية".

ووصل الشرع إلى باريس في وقت سابق من اليوم الأربعاء، في أول زيارة له إلى أوروبا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

زيارة رسمية أثارت موجة اعتراض واسعة في صفوف اليمين الفرنسي.

ويواجه الرئيس الفرنسي انتقادات حادة من قبل تيار أقصى اليمين في فرنسا بسبب دعوته الشرع لزيارة باريس.

انتقادات المعارضة
وعبّرت مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" من تيار أقصى اليمين ، عن "الذهول والاستنكار"، ووصفت الشرع بأنه "جهادي مرّ بتنظيمي داعش والقاعدة"، واعتبرت، أمام الجمعية الوطنية يوم الثلاثاء، أن الخطوة "استفزاز من رئيس الجمهورية".

بدوره، وصف رئيس كتلة حزب "الجمهوريون"، لوران فوكييه، زيارة الشرع بأنها "خطأ جسيم"، بينما اعتبر إريك سيوتي أن استقبال الشرع يمثل "فضيحة حقيقية".

"لا مجال للمجاملة"
عبر استقبال الشرع، يأمل ماكرون في مرافقة عملية الانتقال نحو "سوريا حرّة، مستقرة، ذات سيادة، وتحترم كل مكوّنات المجتمع السوري"، بحسب ما أعلنه قصر الإليزيه أمس الثلاثاء.

وأكدت الرئاسة الفرنسية أنها ليست "ساذجة"، وأنها تدرك "ماضي" بعض القادة السوريين، وتشدد على ضرورة "عدم التساهل" مع "الحركات الإرهابية".

وسيطلب الرئيس الفرنسي من ضيفه "ضمان أن تكون مكافحة الإفلات من العقاب أمرًا واقعًا"، وأن تتم محاكمة "مرتكبي الانتهاكات ضد المدنيين"، وفقًا لما أوضحه فريقه للصحفيين.

كما شددت الرئاسة على أن "مطلبنا هو حماية كل المدنيين، مهما كانت أصولهم أو دياناتهم".

وأعرب الإليزيه عن "قلقه البالغ" إزاء عودة "الاشتباكات الطائفية العنيفة" في سوريا، لا سيما مع "المجازر" في الساحل العلوي و"أعمال العنف" ضد الطائفة الدرزية في جنوب دمشق.

أما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فقال في مقابلة مع إذاعة "إر.تي.إل" الفرنسية: إن "عدم الدخول في حوار مع هذه السلطات الانتقالية سيكون تصرفًا غير مسؤول تجاه الفرنسيين، وسيُعد بمثابة سجادة حمراء لداعش".

وأشار إلى أن "مكافحة الإرهاب، وضبط تدفقات الهجرة، ومحاربة شبكات تهريب المخدرات، ومستقبل لبنان، كلها رهانات تُحسم في سوريا".

ومنذ توليها السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تسعى الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع إلى تقديم صورة مطمئنة للمجتمع الدولي، الذي يطالبها باحترام الحريات وحماية الأقليات، والهدف الرئيسي: رفع العقوبات المفروضة على نظام بشار الأسد، والتي تثقل كاهل الاقتصاد السوري المنهك بعد 14 عامًا من الحرب الأهلية، حيث يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر وفقًا للأمم المتحدة.

ويُذكر أن الرئيس الشرع، لا يزال موضوعًا على لائحة حظر السفر الأممية، وقد اضطرت باريس إلى طلب استثناء من الأمم المتحدة للسماح بزيارته.