غرب أفريقيا ومحاولة انقلاب بنين.. مؤشر فوضى؟
لم ينجح انقلاب بنين، لكن خبراء يرون أن المحاولة نفسها تؤشر لتآكل الاستقرار وانزلاق غرب أفريقيا نحو الفوضى في ظل تزايد التحديات الأمنية.
ونجت بنين، الأحد الماضي، من انقلاب كاد أن يضيفها لقائمة طويلة من دول المنطقة التي تحكمها مجالس عسكرية عقب تداول قسري للحكم فيها.
ويعتبر خبراء متخصصون في الشأن الساحلي الأفريقي أن محاولة الانقلاب الفاشلة تشكل دليلاً جديداً على تآكل الاستقرار وانزلاق غرب أفريقيا نحو الفوضى، في ظل تزايد التحديات الأمنية وتنامي التهديدات الإرهابية القادمة من منطقة الساحل.
وبينما تمكن الرئيس باتريس تالون من النجاة من الهجوم، إلا أن الحدث يسلط الضوء على هشاشة الوضع في المنطقة.
في غضون ذلك، لا تزال تفاصيل العملية غير واضحة تماماً، رغم أن العسكريين المتمردين، الذين ظهروا على التلفزيون بخوذ مائلة وزي عسكري غير منسق، بدوا غير مستعدين بصورة واضحة.
وصباح الأحد الماضي، اقتحمت مجموعة من العسكريين من الحرس الوطني في بنين، وكانوا مسلحين جزئياً وبملابس غير موحدة، منازل كبار المسؤولين ومنزل الرئيس تالون في محاولة للاستيلاء على السلطة.
ورغم فداحة الحملة، لم تدم فترة التمرد طويلاً، إذ ظل معظم الجيش مخلصاً للدولة وتعاون لإحباط الانقلابيين.
وأطلق الانقلابيون على أنفسهم اسم "اللجنة العسكرية لإعادة البناء"، لكن عمليتهم لم تستمر سوى ساعات قليلة.
نحو الفوضى؟
في قراءته للخطوة، يرى الخبير الأفريقي في شؤون بنين والساحل، كامال دونكو، أن "ما حدث في بنين يعكس هشاشة المؤسسات في المنطقة وانزلاق البلاد نحو الفوضى، خصوصاً حين تغيب الرقابة الحقيقية ويستغل العسكريون الفرص لتحقيق مكاسب سياسية سريعة".
ويقول دونكو لـ"العين الإخبارية"، إن "الانقلابات في غرب أفريقيا لم تعد مجرد حوادث فردية، بل أصبحت جزءاً من نمط إقليمي يتطلب إعادة التفكير في الاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة هذه التحديات".
ولفت إلى بعد آخر يزيد من خطورة المشهد في غرب أفريقيا، وهو تنامي التهديدات الإرهابية في الساحل وتوسعها باتجاه دول كانت تُعد حتى وقت قريب في منأى عن هذه الهجمات، مثل بنين وتوغو والغابون.
ووفق الخبير، فإن "الجماعات المتطرفة تستغل لحظات الفوضى والارتباك السياسي لتعزيز حضورها، والتسلل عبر الحدود الهشة، وتنفيذ عمليات تستهدف المنشآت الأمنية والمدنية".
ويحذر من أن هشاشة المؤسسات الأمنية، بالتزامن مع الاضطرابات السياسية، تخلق "نافذة خطيرة" يمكن أن تتحول إلى نقطة ارتكاز جديدة للجماعات المسلحة، ما يجعل مواجهة الانقلابات والانقسامات الداخلية مسألة مرتبطة مباشرة بأمن المنطقة ككل، وليس فقط باستقرار الأنظمة الحاكمة.
«عصر الضباط»
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية من بنين، ليونارد وونتشكون، أن «الانقلابات الأخيرة في بنين (محاولة فاشلة) وغينيا بيساو (انقلاب ناجح) ليست سوى أمثلة حديثة على عدوى الانقلابات التي تنتشر في البلدان الناطقة بالفرنسية في غرب أفريقيا».
ويقول وونتشكون، لـ«العين الإخبارية»، إن «تكرار مثل هذه الأحداث يبرز التحديات المستمرة أمام المؤسسات السيادية، ويضع المنطقة أمام خيار حاسم: إما تعزيز حكم القانون والمبادئ الديمقراطية، أو الاستسلام لما يُعرف بعصر الضباط، حيث يعود العسكريون لتشكيل السلطة وفقاً لمصالحهم".
أما جيل يابي، مدير مختبر الأفكار "واتي" في داكار، فيعتبر من جانبه أن "الانقلابيين، على الرغم من التسليح الجيد، بدا أنهم غير مستعدين تماماً، وهذا ما فاجأ الحكومة".
وتأتي محاولة الانقلاب في بنين بعد أقل من أسبوعين على أحداث مشابهة في غينيا بيساو، حيث أطاح العسكريون بالرئيس عمر سيسوكو إمبالو في 26 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي.
وأثار توقيت الانقلابات في كلا البلدين الكثير من التساؤلات حول وجود تنسيق غير معلن، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في غينيا بيساو، التي كانت نتائجها مخيبة لآمال الرئيس السابق، مع أن بعض المصادر تحدثت عن صلة محتملة بين الانقلابيين والرئيس المعزول.
وتغذي الشكوكَ سلسلة من المصادفات المقلقة؛ إذ تحرك الضباط بعد ثلاثة أيام فقط من الانتخابات الرئاسية التي كانت نتائجها المرتقبة مخيبة للرئيس المنتهية ولايته. وقد أبلغ إمبالو بنفسه العالم عبر الهاتف بعزله وذلك في تصريح خاص لمجلة "جون أفريك".
أما قائد الانقلاب، الجنرال هورتا نتام، فهو ضابط قريب جداً من الرئيس المعزول. فيما وصف رئيس وزراء السنغال عثمان سونكو الأمر بأنه "مؤامرة".
ورأى أن الانقلابات الأخيرة تحمل سمات مشتركة: "العسكريون يجرؤون على المحاولة لأنهم يعلمون أن الاستيلاء على السلطة بالقوة أصبح ممكناً مرة أخرى في هذه المنطقة".
وبالفعل، تغير المشهد السياسي منذ 2020، حيث لم تعد الضغوط الإقليمية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) كافية لردع الانقلابات، كما أن الدعم الغربي لهذه المنظمة لم يعد مؤثراً.
تحديات ومخاوف
ويعتقد مراقبون أن تراجع فعالية المنظمات الإقليمية، وعلى رأسها "إيكواس"، ساهم في مفاقمة أزمة الثقة داخل دول غرب أفريقيا.
فبعد أن كانت المنظمة تمتلك وزناً رادعاً تجاه الانقلابات والانحرافات السياسية، أصبحت مواقفها اليوم تُعدّ شكلية وغير قادرة على فرض عودة الشرعية الدستورية.
ووفق محللين، فإن الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء وتضارب المصالح، وتنامي الشعور الشعبي المعادي للتدخل الخارجي، كلها عوامل جعلت بيانات الإدانة بلا تأثير حقيقي على الأرض.
وشجّع ذلك بعض الأنظمة على تجاوز الحدود الدستورية دون خشية من أي محاسبة.