اخبار الإقليم والعالم
الدبابة والمسيرة.. معركة على روح الصناعة الدفاعية في ألمانيا
ارتفع سقف الصراع في ألمانيا بين اثنين من عمالقة صناعة الدفاع في مواجهة تحدد شكل الحروب في أوروبا لعقود قادمة.
وبحسب صحيفة "التليغراف"، يدور الصراع بين أرمين بابّرغير، الرئيس التنفيذي لشركة «راينميتال» العريقة والمتخصصة في إنتاج الدبابات والمدفعية، التي يعود تأسيسها إلى عام 1889 وتعد ركيزة أساسية في الصناعات الدفاعية الأوروبية، وغوندبرت شيرف، المؤسس المشارك لشركة «هلسينغ» الناشئة والمتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة.
بدأ الخلاف يحتدم بعد إعلان الحكومة الألمانية عن خطة تسليح ضخمة بقيمة 377 مليار يورو تهدف إلى بناء “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”، تحت قيادة المستشار فريدريش ميرتس الذي رفع القيود على الاقتراض في مشروعات الدفاع.
ويرى شيرف أن تخصيص 99 في المئة من الميزانية للدبابات مقابل 1 في المئة للطائرات المسيّرة يمثل خطأ استراتيجيًا فادحًا، مستشهداً بمعارك أوكرانيا عام 2025 التي حُسمت في الجو بفعل الطائرات المسيّرة التي دمرت آلاف الدبابات الروسية، معتبراً أن الاعتماد على المدرعات استثمار في الماضي لا المستقبل.
في المقابل، يرد بابّرغير بقوة، معتبراً في مقابلة مع صحيفة "هاندلسبلات" أن الحروب الحالية تعتمد أساسًا على الدبابات والصواريخ أكثر من الطائرات المسيّرة، واصفًا الادعاء بأن الحروب المستقبلية ستقتصر على الطائرات المسيّرة بـ"هراء".
ويحظى بابّرغير بلقب «الكراكن» في قطاع الدفاع الأوروبي نظراً لقدراته على استقطاب العقود الكبرى وتحريك السوق العسكرية الألمانية.
وكشفت وثيقة سرية تمكن موقع بوليتيكو من الحصول عليها أن الغالبية العظمى من ميزانية ميرتس الدفاعية موجهة لتجهيزات تقليدية، تشمل 687 مركبة مدرعة «بوما» و561 نظام دفاع جوي «سكاي رانجر 30» بتكلفة 88 مليار يورو، إضافة إلى تخصيص 17.3 مليار يورو لشركة دايهل ديفنس المصنعة لأنظمة دفاع جوي وصواريخ إيريس-تي.
في الوقت ذاته، تم تجاهل شركة هلسينغ تقريبا بعد اعتماد برلين لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية لتوريد ذخائر الطائرات المسيّرة هيرون.
رغم التفضيل الحكومي للأنظمة التقليدية، بدأت ألمانيا تولي اهتمامًا متزايدًا للحرب الجوية. فقد أُنشئت وحدة استجابة سريعة مضادة للطائرات المسيّرة عقب هجمات روسية استهدفت مطارات أوروبية، وأُرسلت مؤخرًا لدعم قوات الناتو في بلجيكا.
ويُشير خبراء إلى أن الطائرات المسيّرة أصبحت السمة المميزة للحرب الروسية فوق المدن في أوكرانيا، الأمر الذي دفع دول الناتو مثل بريطانيا إلى مراجعة سياسات التسليح، حيث أعلن وزير الدفاع البريطاني آل كارنس عن موازنة بقيمة 4 مليارات جنيه إسترليني لتعزيز قدرات الطائرات المسيّرة.
ومع ذلك، يشدد مسؤولون دفاعيون ألمان على أن أهمية الطائرات المسيّرة قد تكون مبالغًا فيها، معتبرين أن الحرب المقبلة تختلف عن أوكرانيا، لا سيما مع وجود طيارين مدربين وسفن حربية وطائرات متطورة في الجيش الألماني.
وفي إطار تحليلي، تؤكد الخبيرة الأمنية أولريكه فرانكه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في بودكاست «خطوط المعركة» أن الجيش الألماني عانى لعقود من نقص في التجهيزات وسياسات دفاعية متراجعة، مشيرة إلى أن ثقافة امتلاك الوسائل العسكرية لم تكن متأصلة في ألمانيا حتى تصريحات المستشار أولاف شولتس التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي شكلت نقطة تحول دفعت برلين لانطلاق إصلاحات عميقة في بنيتها الدفاعية المهملة.
وتصف فرانكه المرحلة الحالية بأنها ليست سباق تسلح جديد بقدر ما هي "استعادة للأساسيات"، مشددة على أن ألمانيا تسعى لتأمين ما كان عليها امتلاكه منذ فترة طويلة، مثل الطائرات والغواصات، مؤكدة أن أمن أوروبا مرتبط بقدرة ألمانيا على حمايتها.
ورغم التركيز التقليدي على الدبابات، فإن تحقيق التوازن بين الأنظمة المأهولة والطائرات المسيّرة هو العامل الحاسم الذي سيرسم مستقبل الجيش الألماني.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة نيتها شراء مليون طائرة مسيّرة خلال سنتين، تبدو ألمانيا أكثر حذرًا في تبني ثورة التكنولوجيا العسكرية، لكن استمرار تأثير الطائرات المسيّرة على ساحات أوكرانيا قد يتيح لغوندبرت شيرف فرصًا للانقضاض على منافسيه في عالم الدفاع التقليدي.