اخبار الإقليم والعالم
مسؤولة في التحالف العالمي للمناخ: الغابات شريان الحياة.. وتدميرها يهدد البشر جميعا
لأول مرة، خصص يوم كامل لقطاع الصحة ضمن أجندة مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الثامنة والعشرين (COP28) في إكسبو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد ذلك، برزت الصحة مرة أخرى على أجندة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) في باكو بأذربيجان، كما وضعت الرئاسة البرازيلية ملف الصحة ضمن أولويات أجندتها لمؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30).
وبذلك، أولت مجموعة الترويكا (المكوّنة من رئاسات مؤتمرات COP28 وCOP29 وCOP30) اهتمامًا خاصًا بتخصيص مساحة دائمة لقطاع الصحة في محافل المناخ الدولية.
وفي النسخة الحالية من المؤتمر التي تنطلق في مدينة بيليم البرازيلية، يبرز قطاع الصحة في قلب غابات الأمازون، حيث يعيش عدد كبير من السكان الأصليين الذين اعتمدوا عبر عقود طويلة على الغابة لدعم صحتهم وحياتهم، لكنهم اليوم يواجهون تحديات متزايدة بفعل التغيرات المناخية وإزالة الغابات، ما يضع "رئة الأرض" في مواجهة خطر حقيقي.
وفي هذا الصدد، أجرت "العين الإخبارية" حوارًا خاصًا مع ميلينا سيرجيفا، مسؤولة الاتصال لشؤون أمريكا اللاتينية في التحالف العالمي للمناخ والصحة، للحديث عن العلاقة بين الأمازون والصحة العامة.
كيف تدعم غابات الأمازون الصحة العامة؟
تُعدّ غابات الأمازون المطيرة بمثابة "نظام دعم حياة" عملاق لكوكب الأرض وسكانه. فهي تساعد على تنظيم المناخ عبر امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وتحافظ على اعتدال درجات الحرارة، وتؤثر في أنماط هطول الأمطار في معظم أنحاء أمريكا اللاتينية.
كما تُنقّي الغابات الهواء والمياه، وتدعم النظم الغذائية، وتُسهم في مكافحة البعوض الناقل للأمراض بفضل تنوعها البيولوجي الغني. هذه الخدمات البيئية تمثل في جوهرها وسيلة الطبيعة للحفاظ على صحة الإنسان.
وماذا تمثل بالنسبة لصحة الشعوب الأصلية؟
بالنسبة للشعوب الأصلية التي عاشت في الأمازون لأجيال، تُعد الغابة أكثر من مجرد مورد طبيعي؛ إنها صيدليتهم ومخزنهم وحمايتهم. إن معرفتهم العميقة بالنباتات والطقس والنظم البيئية تُعلّمنا كيفية التكيف مع تغير المناخ وحماية الصحة في عالم يزداد دفئًا.
ولذلك، فإن دمج معارفهم التقليدية في سياسات الصحة والمناخ يُعد أمرًا بالغ الأهمية. ومع ذلك، فإن الشعوب الأصلية تعاني اليوم من آثار صحية غير متناسبة نتيجة تغير المناخ والأنشطة الصناعية في الأمازون، فالغابة في خطر، وكذلك صحة من يعيشون في أحضانها.
ما أبرز المشكلات التي تواجه غابات الأمازون وتأثيرها على الصحة العامة؟
تواجه الأمازون حاليًا مرحلة حرجة من التدهور البيئي. فإزالة الغابات، التي تُعزى في معظمها إلى الزراعة واسعة النطاق مثل تربية الماشية وزراعة فول الصويا، تُجفف الغابة وتدفعها نحو نقطة الانهيار.
ويُحذر العلماء من أن الأمازون قد تتحول قريبًا إلى سافانا جافة، وهو تحول كارثي قد يُطلق كميات ضخمة من الكربون إلى الغلاف الجوي، ويُفاقم تغير المناخ، ويُضعف قدرة الغابة على دعم الصحة العامة.
وتُضاف إلى ذلك خطط التنقيب عن النفط الجديدة التي تهدد بتلويث الأنهار والتربة والهواء، وتهجير المجتمعات المحلية، وجلب أمراض جديدة إلى المناطق الهشة أصلًا.
كما تبقى الخدمات الصحية في الأمازون محدودة وصعبة الوصول، وغالبًا ما تفتقر إلى الكفاءة الثقافية في التعامل مع احتياجات السكان الأصليين والمجتمعات النائية، وهو ما يتفاقم مع ازدياد موجات الجفاف والفيضانات الناتجة عن تغير المناخ.
لكن هل يمكن أن تكون الأمازون مصدر إلهام؟
الأمازون ليست مجرد مكان يواجه أزمة، بل يمكن أن تكون نموذجًا عالميًا للتعافي والتحول. إن حماية الغابة المطيرة واستعادتها يمكن أن تُظهر للعالم كيف يمكن الانتقال من الأنظمة المدمرة إلى أنظمة تضع الصحة والمناخ والعدالة في المقام الأول.
هل يمكنك إعطاء مثال عملي لذلك؟
على سبيل المثال، إذا استثمرت الحكومات في الاقتصادات القائمة على الغابات — مثل الحصاد المستدام للفواكه والمكسرات والنباتات الطبية — مع دعم القيادة المحلية للسكان الأصليين وتحسين الخدمات الصحية، فقد يتحقق فوز ثلاثي الأبعاد: حماية المناخ، وتحسين الصحة، وتقليص الفقر.
وتُعد مبادرة "Mutirão من أجل الصحة والمناخ" في البرازيل، وجهود الرصد المجتمعية التي تقودها الشعوب المحلية، نماذج مبكرة لهذا التحول.
من خلال الربط بين الأنظمة البيئية والصحة العامة والمعرفة التقليدية والبدائل الاقتصادية، يمكن لمنطقة الأمازون أن تقدم للعالم مثالًا قويًا لتحول النظام البيئي والاجتماعي — من الممارسات الاستخراجية الضارة إلى نموذج للرفاهية والقدرة على التكيف مع المناخ.
إن مؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم هو فرصة حقيقية لإثبات أن هذا التحول ليس ممكنًا فحسب، بل قد بدأ بالفعل.