اخبار الإقليم والعالم
محمود محيي الدين: إصلاح النظام العالمي أولوية لسد فجوة تمويل الاستدامة
أكد الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، أن النظام المالي متعدد الأطراف يمر بمرحلة ضعف كبيرة.
وقال خلال مشاركته في فعالية "أجندة التنمية الخضراء" التي نظمها مؤسسات المجتمع المفتوح والصندوق العالمي من أجل اقتصاد جديد بالشراكة مع المنظمة الصحفية الدولية "بروجيكت سينديكيت"، إن آخر تقدم حقيقي تحقق كان في عام 2015 عندما تم رفع رأس مال البنك الدولي. ومنذ ذلك الوقت، لم يشهد النظام تطوراً جوهرياً في مضمونه. ورغم وجود الكثير من "المودة" تجاه النظام، إلا أن غياب التمكين المؤسسي، وقلة ضخ رأس المال، وافتقار الكفاءات، كلها عوامل أدت إلى تراجع فعالية المؤسسات متعددة الأطراف.
وأوضح محيي الدين أن العالم يشهد تحولاً كبيراً في ميزان القوى بين القوى التقليدية والصاعدة، وهذا ليس تحولاً اقتصادياً فقط بل سياسي أيضًا. فالنظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد يعكس واقع القوى الجديدة، بما فيها "القوى المتوسطة"، التي تسعى إلى الحصول على مكان لها على طاولة صنع القرار. تجاهل هذا الواقع يؤدي إما إلى فشل النظام الحالي في التكيّف أو تحوّله إلى مجرد هيكل فارغ من المضمون.
فجوة تمويل ضخمة
وعاد محيي الدين إلى الحديث عن فجوة التمويل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي كانت تُقدّر عام 2015 بـ2.5 تريليون دولار، وتضاعفت الآن لتبلغ 4 تريليونات. وأكد أن هناك ثلاث مشكلات رئيسية:
- نقص التمويل.
- ضعف الكفاءة في إيصال الموارد.
- عدم العدالة في المعاملة، خاصة تجاه دول الجنوب العالمي.
إعادة هيكلة النظام العالمي.. أولوية على مسار الاستدامة
وشدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والرئيس المشارك لفريق الخبراء المعني بالديون، على أن النظام الحالي بحاجة إلى إعادة هيكلة جوهرية من حيث الحوكمة والقدرة على التنفيذ.
ويرى محيي الدين أن أهداف التنمية المستدامة لا تزال ذات صلة، وكان من الأفضل أن تكون أكثر طموحاً. فعلى الرغم من تعثر التقدم على المستوى العالمي، هناك دول أحرزت تقدماً ملحوظاً، مثل الصين التي أنهت الفقر المدقع في 2020، والهند التي حققت الهدف ذاته في 2024، بالإضافة إلى عدة دول من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لكنه أقر بأن 15% فقط من الأهداف تسير على المسار الصحيح، فيما 35% منها متأخرة بدرجات متفاوتة، والباقي غير واضح الاتجاه.
وأشار محيي الدين إلى أن مرحلة ما بعد 2030 ستشهد إعادة نظر في بعض الأهداف، مع بقاء البعض الآخر، وإضافة أهداف جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي والاستدامة.
كما اقترح أن بعض الأهداف الحالية يجب أن تُفصل إلى أهداف فرعية أو تُوزع بشكل أدق، مثل الهدف الثامن المتعلق بالنمو والوظائف.
ورغم تفاوت أداء الدول، أكد محيي الدين أهمية الإبقاء على الأهداف العالمية لأنها:
- تخلق معايير ومقارنات تدفع الدول للتحسين.
- تعالج قضايا عابرة للحدود مثل الأوبئة والتغير المناخي.
- تعزز الترابط بين الدول، حيث لا يمكن لدولة أن تنجح وحدها دون أن ينجح جيرانها أيضاً.
وأكد محيي الدين أن تجنب "السيناريو الديناصوري" والانقراض يتطلب ثلاثة عناصر رئيسية:
- التمويل: لا يمكن تحقيق أي أهداف بدون تمويل كافٍ. ويتطلب الأمر إشراك القطاعين العام والخاص، والتمويل المبتكر.
- التكنولوجيا: الابتكار التكنولوجي، لا سيما في الطاقة المتجددة، أدى إلى خفض التكاليف بنسبة تصل إلى 99% مقارنة بالعقد الماضي.
- تغيير السلوك: يجب تحفيز القادة على المستويات كافة -المحلية، الوطنية، والعالمية- للقيام بما يجب فعله.
وأوضح أن هناك أطرًا ممتازة بالفعل -مثل تلك الناتجة عن مؤتمر مونتيري، وآخرها مؤتمر استضافته إسبانيا-– لكنها تحتاج إلى من ينفذها.
وعند الحديث عن فشل التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن الحد من استخدام البلاستيك، أوضح محيي الدين أن السبب يعود إلى غياب البدائل. لا يمكن مطالبة الدول أو الأفراد أو الشركات بالتخلي عن البلاستيك، دون أن نوفر لهم خيارات بديلة ميسورة التكلفة.
وأشار إلى تجربة جنوب أفريقيا التي تلقت تمويلاً كبيراً (8.5 مليار دولار) للتحول من الفحم إلى الطاقة المتجددة، لكن لم يحدث شيء ملموس لأن التسلسل لم يكن صحيحًا –إذ لم تُعالج الآثار الاجتماعية والاقتصادية أولاً.
وعبّر محيي الدين عن تفاؤله بنهج الرئاسة البرازيلية في مؤتمر COP30، واصفاً إياهم بأنهم "يفعلونها ببساطة" دون العودة إلى كتيبات القواعد القديمة. وذكر مثالين واعدين:
- مبادرة TFFF المتعلقة بالغابات، والتي تمتلك جميع العناصر، بما في ذلك إطار تمويلي قوي.
- تطور سوق أرصدة الكربون، الذي بدأ يُمارَس على أرض الواقع.
الدكتور محمود محيي المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030
وأخيرًا، أكد محيي الدين أن الأمم المتحدة لا يمكنها أن تكون أفضل من الدول الأعضاء فيها. فالنظام الأممي يعاني لأن القادة الحاليين لا يملكون نفس الرؤية التي كانت موجودة عند توقيع اتفاق باريس أو بروتوكولات الصحة وغيرها. ولكن إذا توافرت الإرادة والتنفيذ، فإن الإطار موجود وجاهز للتطبيق.