تقارير وحوارات
صوت المعارضة الإيرانية
فشل النظام الإيراني: جوع الشعب والمقاومة تتحدى
صوت المعارضة
تفاقم الأزمة الاقتصادية والغذائية
مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية في إيران، أصدر قائد النظام علي خامنئي تعليماته إلى حكومة مسعود بزشكيان لضمان الأمن الغذائي للسكان، في خطوة تكشف عن عمق الأزمة وفشل النظام في إدارة الموارد الوطنية. وبدلاً من إصلاح الهياكل الاقتصادية أو مواجهة شبكات الفساد التي تسيطر على ثروات البلاد، لجأ نائب الرئيس الأول محمد رضا عارف إلى الجيش، موكلاً منظمة «إتكا»، الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة، بمهمة توفير وتخزين الغذاء. هذه الخطوة، التي تعادل الأمن الغذائي بالدفاع الوطني، تكشف عن شلل إداري واضح في النظام الحاكم .
خلال افتتاح مشاريع تطويرية جديدة لمنظمة «إتكا»، أشار عارف إلى لقاء خامنئي الأخير مع الحكومة، معترفًا بأن «الحكومة وحدها لا تستطيع توفير الأمن الغذائي»، وأكد أن «قضايا المعيشة والاقتصاد للشعب لها أهمية أساسية». لكن هذه التصريحات تتناقض مع أولويات النظام الطويلة الأمد، التي تفضل تخصيص ميزانيات ضخمة للمؤسسات العسكرية على حساب تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. وزير الدفاع عزيز نصيرزاده أكد هذا التوجه، مشددًا على أن وزارة الدفاع يجب أن تلعب دورًا في الأمن الغذائي، في خطوة لا تعمل على كسر احتكار استيراد الغذاء، بل تنقل السيطرة إلى الجيش، وهو مؤسسة تشتهر بالقمع والتدخل بدلاً من الإدارة الاقتصادية .
انهيار الزراعة ونظام الغذاء
يأتي هذا القرار في ظل أزمة غذائية متفاقمة تدفع إيران نحو الانهيار. فقد تدهورت الموارد الطبيعية مثل المياه، التربة الخصبة، والأراضي الصالحة للزراعة بشكل كبير. جفاف الأراضي الرطبة، هبوط الأراضي، وانخفاض منسوب المياه الجوفية دمرت القطاع الزراعي. ملايين الإيرانيين يفقدون الوصول إلى البروتين الحيواني، وأصبحت الزراعة غير مستدامة في ظل نقص الموارد.
تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) أشار إلى أن الزراعة الحيوانية الصناعية، التي تتطلب أكثر من 15 ألف لتر من المياه لإنتاج كيلوغرام واحد من اللحم البقري، غير مستدامة في إيران، حيث انخفضت كمية المياه المتاحة للفرد إلى أقل من ثلث المتوسط العالمي. هذا النموذج لا يستنزف الموارد فحسب، بل يساهم بنسبة 14.5% في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، متجاوزًا قطاع النقل بأكمله. في إيران التي تعاني من الجفاف، تكون النتائج كارثية، حيث يتزايد سوء التغذية، ويبقى اللحم الأحمر المصنع، المصنف كمادة مسرطنة من قبل منظمة الصحة العالمية، خيارًا رئيسيًا للكثيرين بسبب نقص البدائل الصحية .
اعترافات رسمية تكشف عمق الأزمة
تؤكد الإحصاءات الرسمية عمق الأزمة. علي آقا محمدي، عضو بارز في مجلس تشخيص مصلحة النظام ومقرب من خامنئي، اعترف بأن حوالي 20 مليون إيراني، أي ربع السكان، يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل السكن، العمل، التعليم، الرعاية الصحية، والغذاء. كما كشف عن وجود 2020 حيًا محرومًا و874 ألف طالب متسرب من المدارس، مضيفًا بصراحة: «أولئك الذين يعملون باسم الدين دمروا كل شيء» .
كما تُظهر أبحاث البرلمان أن معدلات الفقر تتجاوز 30%، حيث ارتفعت من أقل من 30% في 2022 إلى أعلى من ذلك في 2023 و2024، مع اتساع فجوة الفقر إلى مؤشر 0.28، مما يجعل من الصعب على المواطنين الهروب من الفقر. على الرغم من ادعاءات النظام بنمو اقتصادي بنسبة 4.5%، فقد انخفضت الدخول الحقيقية، ويعيش نصف السكان دون الحد الأدنى اليومي من السعرات الحرارية (2100 سعرة) .
التضخم وارتفاع تكاليف الغذاء
يتوقع الاقتصادي المحسوب على النظام حسين راغفر أن يصل التضخم إلى 60% أو أكثر العام المقبل، متجاوزًا تقديرات الحكومة البالغة 40%. ويحدد راغفر سياسات العملة الهادفة إلى تغطية عجز الميزانية، وليس أجور العمال، كمحرك رئيسي للتضخم. ويؤكد أن الأجور، التي لا تمثل سوى 10% من تكاليف الإنتاج، لا يمكن إلقاء اللوم عليها في هذا السياق .
في الوقت نفسه، تُظهر إحصاءات مركز الإحصاء الإيراني ومعهد التغذية أن تكلفة سلة الغذاء الشهرية الدنيا بلغت 11.5 مليون تومان في أغسطس 2025، متجاوزة الحد الأدنى للأجور البالغ 10.39 مليون تومان. تشمل المكونات الرئيسية:
- منتجات الألبان: 3.5 مليون تومان
- اللحوم: 1.85 مليون تومان
- الأرز: 640 ألف تومان
- الفواكه: 1.77 مليون تومان
ارتفعت تكلفة السلة بنسبة 4.18% شهريًا و56% سنويًا، مما جعل التغذية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة للملايين .
اللجوء إلى الجيش: اعتراف بالفشل
إن إسناد الأمن الغذائي إلى الجيش ليس مجرد إجراء مؤقت، بل اعتراف صريح بفشل النظام. بدلاً من تفكيك شبكات الفساد، إصلاح الهياكل الاقتصادية، أو تحسين العلاقات الدولية لتخفيف النقص، لجأ خامنئي مرة أخرى إلى جهازه القمعي. هذا القرار لا يخفي عمق الأزمة، حيث تدفع الموارد المتدهورة، الجوع المنتشر، والفقر المتزايد إيران نحو حافة الانهيار. القرارات اليائسة للنظام لا تفعل سوى تسريع هذا التدهور .
المقاومة الشعبية: صوت الحرية يدوي
في ظل هذه الأزمة الغذائية والاقتصادية الخانقة، يواصل الشعب الإيراني تحديه للنظام عبر حراكه الشعبي داخل البلاد وخارجها. في 6 سبتمبر 2025، شهدت بروكسل تظاهرة حاشدة ضمت عشرات الآلاف من الإيرانيين، أعلنوا فيها دعمهم لـ«الخيار الثالث» الذي تقوده مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يدعو إلى تغيير النظام بقيادة الشعب ومقاومته المنظمة. هذا الزخم يمتد إلى تجمع عالمي آخر ينظمه الإيرانيون الأحرار من أكثر من 40 ولاية أمريكية، بدعم من شخصيات بارزة، أمام الأمم المتحدة في ساحة داغ همرشولد يومي 23 و24 سبتمبر 2025. التظاهرة، التي تنظمها منظمة الجاليات الإيرانية–الأمريكية والمجلس الوطني للمقاومة، تهدف إلى إدانة حضور رئيس النظام مسعود بزشكيان، صاحب أعلى معدل إعدامات عالميًا وراعي الإرهاب الحكومي، ورفع شعارات واضحة: «لا للاسترضاء، لا للمشروع النووي، لا للحروب الخارجية، ونعم لتغيير النظام».
هذه التظاهرة تمثل فرصة تاريخية لإيصال صوت الشعب الإيراني المطالب بالحرية والكرامة إلى العالم. إنها ليست مجرد احتجاج، بل رسالة قوية ترفض الاستبداد والفساد، وتدعو إلى إقامة جمهورية ديمقراطية علمانية. المقاومة الإيرانية تدعو الأحرار والقوى المحبة للحرية للمشاركة في هذا الحدث، مؤكدة أن إرادة الشعب الإيراني ستنتصر في مواجهة نظام ينهب ثرواته ويخنق آماله. هذا الحراك، سواء من خلال احتجاجات العمال والشباب داخل إيران أو عبر التجمعات العالمية، يكشف عن أزمة النظام العميقة ويؤكد أن التغيير الديمقراطي بات وشيكًا .