تقارير وحوارات
من الفساد المالي إلى الاحتجاجات: الشعب يتحدى الملالي
ميزانية النظام: أولويات تخدم السلطة لا الشعب
في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بإيران، يواصل النظام تخصيص مليارات التومانات للمؤسسات الدينية والدعائية والشبكات الموالية لقائده الأعلى علي خامنئي، متجاهلاً احتياجات المواطنين الأساسية. كشف تقرير نشرته وكالة «خبر أونلاين» الحكومية في 13 سبتمبر عن حجم الأموال الهائلة المخصصة لهذه المؤسسات، في وقت يعاني فيه الملايين من الإيرانيين من التضخم، الفقر، وانهيار الخدمات العامة. هذا التقرير، الذي جاء بعد انتقادات علنية من رئيس النظام مسعود بزشكيان لـ«التخصيصات المبالغ فيها»، يكشف عن تناقض صارخ: بزشكيان نفسه وقّع مشروع الميزانية التي ينتقدها وقدمها للبرلمان للمصادقة عليها .
يعكس هذا التناقض نمطًا متأصلًا في النظام الإيراني: المسؤولون يشتكون علنًا من الإنفاق البذخي، لكنهم يعملون على ترسيخه وتشريعه. ميزانية عام 2025، بدلاً من التركيز على الأولويات الوطنية مثل تحسين الخدمات العامة أو دعم الاقتصاد المنهار، تواصل توجيه الموارد العامة إلى شبكات أيديولوجية ودعائية وعسكرية تهدف إلى تعزيز السيطرة الاستبدادية بدلاً من خدمة المصلحة العامة.
تمويل المؤسسات الدينية: نهب منظم للثروة الوطنية
خصصت ميزانية 2025 مبالغ ضخمة للمؤسسات الدينية التي تشرف على شبكات رجال الدين الموالين للنظام. المجلس الأعلى للحوزات العلمية، المسؤول عن إدارة المدارس الدينية، حصل على حوالي 9.05 تريليون تومان. مكتب التبليغ الإسلامي في قم حصل على 914 مليار تومان، بينما حصلت منظمة التبليغ الإسلامي وفروعها الـ15 على أكثر من 6.25 تريليون تومان، مخصصة لمشاريع مثل «الترويج لعقيدة المهدوية والانتظار».
كما حصلت مؤسسات دينية أخرى على تمويل سخي. المنتدى العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية، التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، حصل على 191 مليار تومان. جامعة المصطفى العالمية، المكلفة بتجنيد وتدريب رجال دين أجانب، حصلت على حوالي 2 تريليون تومان. ومجمع أهل البيت العالمي، الذي يعمل في أكثر من 140 دولة، حصل على 290 مليار تومان لأنشطة مثل «تمكين أتباع الشيعة» في إفريقيا. حتى معهد خميني التعليمي والبحثي، المعروف بـ«معهد مصباح»، حصل على 454 مليار تومان. هذه التخصيصات تمثل نظامًا متأصلًا للمحسوبية، يستنزف الموارد الوطنية في وقت تعاني فيه إيران من أزمة اقتصادية حادة .
الدعاية والسيطرة الثقافية: أولوية النظام
تكشف الميزانية عن هوس النظام بالسيطرة على الثقافة والرأي العام. المجلس الأعلى للثورة الثقافية، الذي يشكل المشهد الأيديولوجي والثقافي للنظام، حصل على أكثر من تريليون تومان. في الوقت نفسه، خُصص 5.34 تريليون تومان لـ«معسكر غرب بقية الله»، وهي قاعدة تابعة للحرس الثوري مسؤولة عن العمليات الثقافية والاجتماعية. تشمل الجهات التابعة لها منظمة أوج للفنون والإعلام، المعروفة بإنتاج جداريات دعائية ضخمة في طهران، ومعهد سراج.
أما هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (IRIB)، أكبر آلة دعائية في البلاد والتي تعمل تحت إشراف خامنئي مباشرة، فقد حصلت على مبلغ فلكي يبلغ 30 تريليون تومان، وهو رقم يفوق بكثير ميزانيات معظم المؤسسات الأخرى مجتمعة. هذه التخصيصات تعكس استراتيجية النظام لتعزيز السيطرة الأيديولوجية على حساب احتياجات الشعب .
شبكات المحسوبية: تعزيز النفوذ على حساب المواطنين
تمتد شبكة المحسوبية في النظام إلى ما هو أبعد من المؤسسات الدينية والعسكرية. مكتب رئيس النظام نفسه حصل على 8.56 تريليون تومان، بينما حصلت مؤسسات مرتبطة بعائلة روح الله خميني، بما في ذلك تلك التي يديرها حفيده حسن خميني، على 560 مليار تومان. هذه الشبكة من التخصيصات تظهر كيف يواصل النظام توجيه الثروة العامة إلى هياكل مصممة لتعزيز قاعدة سلطته، دون اكتراث بالتكلفة التي يتحملها المواطنون العاديون .
سوء إدارة متأصل: نظام مصمم للنهب
يكشف تقرير «خبر أونلاين» عن مفارقة صارخة: بينما يصف مسؤولو النظام هذه المؤسسات بأنها «غير ضرورية» أو «بلا جدوى»، فإنهم يواصلون ترسيخ ميزانياتها في القانون. بعيدًا عن الإصلاح أو المساءلة، يعكس هذا النمط نظامًا سياسيًا يُعد سوء الإدارة والمحسوبية فيه ميزات متعمدة وليست استثناءات. في وقت يعاني فيه ملايين الإيرانيين من التضخم وانهيار الخدمات العامة، يوجه النظام موارده الهائلة إلى التلقين الديني، الدعاية، وشبكات المحسوبية، مما يكشف عن جهاز دولة مصمم للحفاظ على هيمنة النخب الحاكمة بدلاً من خدمة الشعب .
صوت الشعب: المقاومة تتحدى النظام
في ظل هذا الفساد المالي والأزمات الاقتصادية، يواصل الشعب الإيراني تحديه للنظام عبر حراكه الشعبي داخل إيران وخارجها. في 6 سبتمبر 2025، شهدت بروكسل تظاهرة حاشدة ضمت عشرات الآلاف من الإيرانيين، أعلنوا فيها دعمهم لـ«الخيار الثالث» الذي تقوده مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يدعو إلى تغيير النظام بقيادة الشعب ومقاومته المنظمة. هذا الزخم يمتد إلى تجمع عالمي آخر ينظمه الإيرانيون الأحرار من أكثر من 40 ولاية أمريكية، بدعم من شخصيات بارزة، أمام الأمم المتحدة في ساحة داغ همرشولد يومي 23 و24 سبتمبر 2025. التظاهرة، التي تنظمها منظمة الجاليات الإيرانية–الأمريكية والمجلس الوطني للمقاومة، تهدف إلى إدانة حضور رئيس النظام مسعود بزشكيان، صاحب أعلى معدل إعدامات عالميًا وراعي الإرهاب الحكومي، ورفع شعارات واضحة: «لا للاسترضاء، لا للمشروع النووي، لا للحروب الخارجية، ونعم لتغيير النظام».
هذه التظاهرة ليست مجرد احتجاج، بل رسالة قوية إلى العالم ترفض الاستبداد والفساد، وتدعو إلى إقامة جمهورية ديمقراطية علمانية. المقاومة الإيرانية تدعو الأحرار والقوى المحبة للحرية للمشاركة في هذا الحدث التاريخي، مؤكدة أن إرادة الشعب الإيراني ستنتصر في مواجهة نظام ينهب ثرواته ويخنق آماله. هذا الحراك الشعبي، سواء داخل إيران من خلال احتجاجات العمال والشباب، أو عالميًا عبر تجمعات مثل بروكسل وساحة داغ همرشولد، يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام ويؤكد أن تغييرًا ديمقراطيًا بات وشيكًا .