تقارير وحوارات
فضائح التناقضات بين غروسي وعراقجي
فضائح التناقضات بين غروسي وعراقجي: لعبة الهروب من آلية الزناد وسط تصاعد الدعوات للتغيير في بروكسل
لعبة الهروب من آلية الزناد وسط تصاعد الدعوات للتغيير في بروكسل
في مشهد يتكرر مراراً، وتصرف ينم عن محاولة يائسة لكسب الوقت والتهرب من الضغوط الدولية المتزايدة، فُضحت تناقضات صارخة بين تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، ووزير خارجية النظام الإيراني، عباس عراقجي، بخصوص الاتفاق النووي الأخير في القاهرة. ففي الوقت الذي قدم فيه غروسي الاتفاق كإنجاز يضمن تفتيش "جميع المواقع" الإيرانية، سارع عراقجي إلى إفراغه من أي محتوى حقيقي، مؤكداً أنه "لا يمنح أي وصول" للمفتشين. هذه المناورات السياسية، التي تهدف إلى خداع المجتمع الدولي وتجنب تفعيل آلية الزناد الأوروبية الوشيكة، تتزامن مع تزايد الدعوات الدولية المطالبة بتغيير حقيقي في إيران، والتي تجسدت بوضوح في تظاهرات السادس من سبتمبر الحاشدة في بروكسل.
لقد جاءت رواية غروسي، أمام مجلس محافظي الوكالة، متفائلة وواضحة، حيث أكد أن "الوثيقة الفنية الموقعة تشمل جميع المنشآت والمواقع في إيران"، وأن الاتفاق يوفر "فهماً واضحاً لإجراءات الإبلاغ عن عمليات التفتيش وتنفيذها" بما يتوافق مع اتفاقية الضمانات الشاملة. ورغم وصفه للاتفاق بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، إلا أنه لم يخفِ أن "هناك الكثير من القضايا التي لا تزال عالقة". هذه التصريحات، التي تهدف إلى بث بعض الطمأنينة في الأوساط الدولية، لم تدم طويلاً قبل أن يخرج عراقجي بروايته المضادة، كاشفاً عن استراتيجية النظام في المماطلة والتهرب.
بعد ساعات قليلة من تصريحات غروسي، ظهر عباس عراقجي على تلفزيون النظام الرسمي ليقدم رواية تتناقض تماماً، في محاولة واضحة للتقليل من شأن أي تنازلات محتملة قدمها النظام. فقد أكد عراقجي بشكل قاطع أنه "بناءً على هذا الاتفاق، لن يتم منح أي وصول لمفتشي الوكالة في الوقت الحالي"، باستثناء الوصول المحدود القائم في بوشهر. والأخطر من ذلك، أنه نسف جوهر الاتفاق بالقول إن "طبيعة الوصول الذي سيتم منحه يجب أن تكون موضع تفاوض في وقتها". هذه التصريحات لا تتناقض فقط مع تأكيدات غروسي، بل تكشف عن نية النظام في المضي قدماً في سياسة عدم التعاون الكامل، والتمسك بموقفه المتصلب تجاه الملف النووي، مع محاولة تقديم تنازلات شكلية لكسب الوقت.
تأتي لعبة التصريحات المتناقضة هذه في توقيت حرج للغاية بالنسبة للنظام الإيراني. فقد أعلنت الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) تفعيل عملية آلية الزناد، التي ستعيد تلقائياً جميع عقوبات الأمم المتحدة بحلول نهاية سبتمبر، ما لم يستجب النظام لثلاثة شروط واضحة: السماح باستئناف عمليات التفتيش، وتقديم كشف حساب دقيق لمخزونه من اليورانيوم المخصب، وإجراء محادثات نووية مع الولايات المتحدة. إن اتفاق القاهرة، بالصيغة التي قدمها غروسي، كان يهدف إلى تلبية الشرط الأول جزئياً. لكن إنكار عراقجي الفوري لبنود الاتفاق يكشف أن النظام لا ينوي تقديم تعاون حقيقي، بل يسعى فقط إلى إعطاء انطباع بالتعاون لكسب الوقت وشق الصف الدولي، في محاولة يائسة للهروب من عواقب العزلة الدولية الكاملة.
وفي هذا السياق المشحون بالتناقضات والمناورات، تبرز تظاهرات السادس من سبتمبر في بروكسل كعامل أساسي ومؤثر في المشهد. هذه التظاهرات الحاشدة، التي نظمتها المقاومة الإيرانية، لم تكن مجرد تعبير عن الرفض لسياسات النظام، بل كانت رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن الحل للأزمة الإيرانية يكمن في دعم "البديل الديمقراطي والمقاومة المنظمة" التي تعمل على إسقاط النظام من الداخل. ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام الإيراني خداع العالم بتصريحات متناقضة، يقدم المتظاهرون في بروكسل صورة حقيقية للإرادة الشعبية الرافضة لهذه السياسات المدمرة، والمطالبة بإنهاء "مشروع تدمير الأوطان" الذي يتبناه النظام ووكلائه. إن هذه التظاهرات تؤكد أن لعبة "القط والفأر" التي يمارسها النظام لن تستمر إلى الأبد، وأن المجتمع الدولي، بدعمه للمقاومة الإيرانية، يمتلك خياراً حقيقياً لتحقيق التغيير المنشود في إيران، وإخراجها من دائرة الأزمات المتتالية.