تقارير وحوارات

سوء الإدارة في إيران: كيف تخلق شبكات المحسوبية والفساد نظامًا فاشلاً؟

سوء الإدارة في إيران: كيف تخلق شبكات المحسوبية والفساد نظامًا فاشلاً؟

سوء الإدارة في إيران: كيف تخلق شبكات المحسوبية والفساد نظامًا فاشلاً؟

وکالة الانباء حضر موت

إن عدم الكفاءة الإدارية في إيران ظاهرة متجذرة تعود إلى عقود مضت، بل ويمكن ربطها بأزمات الحكم على مدى مئات السنين في تاريخ البلاد. هذا القصور لا ينبع فقط من غياب المديرين الأكفاء، بل هو جزء لا يتجزأ من نظام معيب يغذي ويرعى المديرين الريعيين والفاسدين. ومؤخرًا، سلطت انتقادات، كتلك التي وجهها مسعود بزشكيان للمديرين “الطائرين”، الضوء مجددًا على هذه القضية: مديرون يشغلون عدة مناصب في مؤسسات وشركات مختلفة، لا ينتجون شيئًا سوى تكاليف بالمليارات على خزينة الدولة.

جذور شجرة الفساد الإداري

في قلب هذه الأزمة، يقبع المديرون الريعيون الذين تغلغلوا في نسيج الاقتصاد والإدارة الإيرانية مثل جذور شجرة الفساد. الفساد في إيران هو ثمرة شجرة تمتد جذورها في سياسات مولدة للفساد، مثل التسعير الحكومي للسلع والعملات، والامتيازات الاحتكارية. أما جذع هذه الشجرة، فهو التسعير المعكوس للقوى العاملة: حيث يتم منح الأفراد غير المؤهلين، غالبًا من الأقارب وأبناء المسؤولين، مناصب قيادية ذات قيمة فلكية دون أي اختبار تنافسي. هذه العملية لا تؤدي إلى تفاقم الفساد فحسب، بل تتسبب في هدر هائل للموارد. فالمدير الريعي، حتى لو لم يكن فاسدًا بشكل مباشر، يضطر إلى اختيار أفراد أضعف منه للحفاظ على منصبه، مما يُكرِّسُ هذه الدائرة. والنتيجة هي سياسات خاطئة، ورقابة ضعيفة، وغرق المؤسسات في الفساد. بل إن هدر الموارد أسوأ من الفساد نفسه، ففي الفساد، يوجد على الأقل رأس مال يتم نقله، أما في الهدر، فتتبخر مئات المليارات من الدولارات دون أي عائد.

شركات صورية وجوفاء

يتجلى هذا القصور بوضوح على مستوى الشركات الإيرانية. فعلى الرغم من وجود مئات الآلاف من الشركات، إلا أن المتطلبات الإدارية والقانونية والثقافية اللازمة لإدارتها لا تعمل كآلية متكاملة. عدد الشركات التي استمرت لأكثر من 100 عام قليل جدًا، والعائلات التي تمكنت من قيادة شركة قابضة لأكثر من 50 عامًا نادرة للغاية. وتشمل نقاط الضعف البارزة في القطاع الخاص: غياب التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل، والإدارة المركزية دون تفويض للسلطة، والتهاون في استخدام التكنولوجيا، واتخاذ القرارات بناءً على العواطف بدلاً من البيانات، والتركيز على العلاقات بدلاً من الكفاءة. هذه العيوب لا تقلل الإنتاجية فحسب، بل تجعل من المستحيل جذب المتخصصين والاحتفاظ بهم، وتدفع بالشركات إلى حافة الخسارة والإفلاس.
 

نظرية “الحلقة الأضعف” في الإدارة الإيرانية

يمكن تحليل هذا الوضع بعمق أكبر باستخدام نظرية الحلقة الأضعف للاقتصادي مايكل كريمر، التي تشير إلى أن قوة أي نظام تتحدد بقوة أضعف حلقة فيه. في إيران، على الرغم من وجود موارد طبيعية وفيرة وقوى عاملة متخصصة، فإن نقاط الضعف مثل التحديات المؤسسية، وعدم كفاءة نظام الاختيار والتعليم، وانعدام الشفافية، تعمل كحلقات ضعيفة تعطل سلسلة التنمية بأكملها. ويوضح هذا النموذج، الذي يؤكد على الترابط بين جودة المكونات، كيف يمكن لخلل بسيط في حلقة واحدة أن يحدث فروقًا هائلة في الناتج النهائي. ففي النظام الإداري الإيراني، يؤدي الاختيار القائم على الولاء السياسي بدلاً من الكفاءة إلى وضع أفراد ضعفاء في مناصب رئيسية، مما يضعف أداء النظام بأكمله. والنتيجة هي الركود، والمحافظة، وهجرة الأدمغة، ورسم السياسات بعيون معصوبة. وقد كشفت الهجمات السيبرانية والاستخباراتية الأخيرة على إيران، كاختبار ضغط، عن نقاط الضعف الإدارية وأظهرت كيف يمكن لحلقة ضعيفة واحدة أن تجعل النظام بأكمله هشًا أمام التهديدات.

استدامة الأخطاء

في النهاية، إن عدم الكفاءة الإدارية في إيران ليست مجرد قضية فردية، بل هي أزمة هيكلية تستديم الفساد وهدر الموارد والتخلف. هذه الأزمة، التي تتجذر في سياسات ريعية ونظام قائم على المحسوبية، تبقي البلاد في فخ حلقة مدمرة، حيث لا يقوم المديرون غير الأكفاء بوقف التقدم فحسب، بل يفرضون تكاليف باهظة على المجتمع. تذكرنا نظرية “الحلقة O” بأن تنمية إيران تُقاس بأدنى درجاتها، وليس بمتوسطها، وهذه الحقيقة المرة تكشف عن عمق المأساة.

"في أرض الإخوة" يفضح مآسي المهاجرين الأفغان في إيران


ملامح التغيير في الإدارة التركية: الكفاءة تتقدم على الأيديولوجيا


إيران تعيد خلط أوراقها الأمنية.. فهل يغيّر ذلك شيئًا


هل تتجه الأمم المتحدة إلى تعويض المينورسو لمواكبة مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية