اخبار الإقليم والعالم
خبير مصري: الاحترار تهديد مباشر لنشاط «نحل العسل»
يتأثر نحل العسل في ظل الحرارة المرتفعة؛ فإلى أي مدى يصل هذا التأثير؟
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات عديدة متعلقة بالاحتباس الحراري؛ إذ ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمعدل أعلى من المناطق الأخرى، ما يؤثر على التنوع البيولوجي والحياة في المنطقة. وقد أظهرت العديد من الأبحاث العلمية أنّ نحل العسل يتأثر سلبًا مع ارتفاع درجات الحرارة؛ علمًا بأنه من أهم الملقحات، ويُقدم العديد من الخدمات للنظام البيئي للأرض، ويحفظ التوازن الحيوي، فضلًا عن المنتجات المفيدة التي يقدمها للإنسان.
وفي هذا الصدد، تواصلت "العين الإخبارية" بالدكتور "يحيى النجار"، أستاذ أبحاث النحل في قسم علم الحيوان بكلية العلوم جامعة طنطا- مصر، ومركز أبحاث النحل ومنتجاته بجامعه الملك خالد - المملكة العربية السعودية، من أجل حوار خاص لمناقشة تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة على نحل العسل ومنتجاته.
إليكم نص الحوار..
1- كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على سلوك نحل العسل داخل الخلية وخارجها؟
تؤثر درجات الحرارة المرتفعة تؤثر بشكل مباشر على سلوك نحل العسل داخل الخلية وخارجها. داخل الخلية، يعمل النحل على تنظيم الحرارة للحفاظ على ثباتها بين 34–36°م، وهي الدرجة المثالية لنمو الحضنة. أما خارج الخلية، فإن النحل يزيد من نشاطه في جمع الماء أكثر من الرحيق أو حبوب اللقاح، وقد يقلل من الطيران لمسافات طويلة في ساعات الذروة لتقليل الإجهاد الحراري وفقدان الرطوبة. كما أن استمرار موجات الحر قد يؤدي إلى انخفاض كفاءة البحث عن الغذاء، وإجهاد النحل، وربما زيادة معدل النفوق.
2- هل تؤدي الحرارة الزائدة إلى اضطراب في تنظيم درجة حرارة الخلية؟ وكيف يتعامل النحل مع ذلك؟
نعم، الحرارة الزائدة قد تؤدي إلى اضطراب في تنظيم درجة حرارة الخلية إذا تجاوزت قدرة النحل على التبريد، خصوصًا في حالات موجات الحر الطويلة أو عند وجود ازدحام داخل الخلية. الارتفاع المفرط في الحرارة يهدد الحضنة (اليرقات والعذارى)؛ إذ إن نموها الطبيعي يتطلب ثبات الحرارة بين 34–36°م، وأي تجاوز كبير قد يسبب تشوهات أو نفوقها.
لمواجهة ذلك، يعتمد النحل على عدة استراتيجيات فعّالة:
التهوية: يقوم عدد من الشغالات بالوقوف عند مدخل الخلية وتحريك أجنحتها بسرعة لزيادة تدفق الهواء وخفض الحرارة.
جلب الماء: يجمع النحل الماء وينشره على الأقراص الشمعية، حيث يعمل تبخره على تبريد جو الخلية.
التكدس الخارجي (Bearding): يخرج جزء من النحل ليتجمع على جدران الخلية من الخارج لتقليل الازدحام والحرارة الداخلية.
توزيع الأدوار: يتفرغ بعض النحل خصيصًا لمهمة التبريد بدلًا من جمع الرحيق.
لكن إذا استمرت الحرارة فوق قدرة هذه السلوكيات التنظيمية، قد يحدث خلل يؤدي إلى موت الحضنة وضعف الطائفة.
3- ما مدى تأثير الحرارة على قدرة النحل على جمع الرحيق وحبوب اللقاح؟
تؤثر الحرارة المرتفعة بشكل مباشر وقوي على نشاط نحل العسل وقدرته على جمع الرحيق وحبوب اللقاح، مما يؤدي إلى انخفاض حاد في إنتاجية الخلية وانعكاسات سلبية على بقائها. فعلى مستوى النحل الجامع، فإن الطيران في درجات حرارة عالية (أكثر من 38°م) يستهلك طاقة كبيرة ويعرضه لخطر الجفاف نتيجة فقدان الرطوبة. وللتعويض، يضطر النحل إلى استهلاك المزيد من الماء، ما يقلل من الوقت المخصص للبحث عن الغذاء. كما تتحول أولويات العمل داخل المستعمرة، حيث يُعاد توجيه جزء كبير من النحل من مهمة جمع الرحيق وحبوب اللقاح إلى مهمة جلب الماء لتبريد الخلية. وبسبب الإجهاد الحراري، يتقلص نطاق نشاط الطيران إلى ساعات الصباح الباكر أو المساء، ما يقلل من نافذة الجمع اليومية. أما على مستوى النباتات؛ فإنّ الحرارة الشديدة تتسبب في تبخر الرحيق داخل الأزهار أو توقف إفرازه تمامًا، كما تصبح تركيبته أكثر لزوجة ويصعب على النحل امتصاصه.
إضافة إلى ذلك، تجف حبوب اللقاح وتفقد جزءًا من قيمتها الغذائية. هذه الظروف تقلل من عدد الرحلات التي يقوم بها النحل، ومن كمية الحمولة التي يحملها في كل مرة، كما قد تجبره على الطيران لمسافات أطول بحثاً عن مصادر بديلة للماء أو الغذاء. النتيجة النهائية هي انخفاض كميات الرحيق وحبوب اللقاح الداخلة للخلية، مما يؤدي إلى ضعف تغذية الحضنة، تباطؤ نمو المستعمرة، وقلة المخزون الغذائي اللازم لفصل الشتاء، وهو ما يرفع احتمالية تعرضها للمجاعة.
4- هل هناك تغيرات في أنماط التلقيح أو انخفاض في إنتاجية المحاصيل المرتبطة بالنحل؟
تشير الدراسات إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تغيرات كبيرة في أنماط التلقيح وانخفاض إنتاجية العديد من المحاصيل الزراعية، حيث تتأثر الملقحات والنباتات في آن واحد مما يخل بتوازن العملية البيولوجية. بالنسبة للملقحات مثل نحل العسل، فإن الحرارة تجبرها على تغيير توقيت نشاطها لتقتصر على الساعات الباردة من اليوم، بينما قد تكون الأزهار قد أفرزت رحيقها أو فتحت في أوقات أخرى، مما يسبب ما يعرف بعدم التطابق الزمني (Phenological Mismatch) ويؤدي إلى فشل التلقيح. كما تنخفض كفاءة النحل في نقل حبوب اللقاح نتيجة الإجهاد الحراري وانخفاض عدد الزيارات للزهور، إضافة إلى انشغاله بالبحث عن الماء بدلاً من الرحيق.
من جهة أخرى، تتأثر النباتات نفسها، حيث تتعرض الأعضاء التناسلية مثل حبوب اللقاح والميسم للتلف بسبب الحرارة، وتنخفض كمية وجودة الرحيق وحبوب اللقاح المتاحة، بل قد تتساقط الأزهار أو تتوقف الثمار عن النمو. هذه التغيرات مجتمعة تنعكس مباشرة على إنتاجية المحاصيل التي تعتمد على التلقيح الحشري مثل التفاح واللوز والكرز ودوار الشمس والقرع والخيار، حيث يظهر انخفاض في عقد الثمار وجودتها، وتظهر ثمار مشوهة أو صغيرة الحجم، ما يهدد الأمن الغذائي ويؤثر سلباً على الاقتصاد الزراعي.
5- هل ارتفاع درجة الحرارة يجعل النحل اكثر حساسية للمبيدات؟
يزيد ارتفاع درجات الحرارة من حساسية النحل تجاه المبيدات نتيجة تداخل عدة عوامل فسيولوجية وسلوكية. ففي الأجواء الحارة يزداد معدل الأيض عند النحل، مما يؤدي إلى امتصاص المبيدات بشكل أسرع وزيادة تأثيرها السام. كما أن الحرارة المرتفعة تسبب إجهادًا حراريًا يضعف كفاءة الأجهزة الحيوية المسؤولة عن مقاومة السموم، خاصة الإنزيمات المخصصة لإزالة المبيدات مثل إنزيمات P450. هذا الضعف يقلل قدرة النحل على التخلص من المواد الكيميائية الضارة، مما يجعل تأثير الجرعات المنخفضة من المبيدات أكثر خطورة.
إضافة إلى ذلك، يؤدي اجتماع الحرارة مع المبيدات إلى تأثير مشترك مضاعف ينهك الجهاز العصبي والمناعي ويزيد معدلات النفوق. أظهرت عدة دراسات أن بعض المبيدات، خصوصًا النيونيكوتينويدات ومبيدات البيرثرويد، تصبح أكثر سمّية عند درجات حرارة أعلى من 30–35°م مقارنة بالأجواء المعتدلة. وبذلك فإن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة قد يضاعف من أخطار المبيدات على النحل ويهدد بقاء مستعمراته على المدى الطويل.
6- ما هي التحديات التي يواجهها مربو النحل في مصر أو المنطقة العربية في ظل ارتفاع درجات الحرارة؟
يواجه مربو النحل في مصر والمنطقة العربية تحديات معقدة ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة المتزايد بفعل تغير المناخ، حيث تتداخل هذه الصعوبات مع ندرة المياه وتدهور المراعي وضعف مقاومة الطوائف للأمراض. أبرز هذه التحديات يتمثل في الإجهاد الحراري المفرط الذي يعطل آليات التبريد الطبيعية داخل الخلية، مما يؤدي إلى نفوق الحضنة شديدة الحساسية للحرارة وتشوهاتها، بالإضافة إلى إنهاك النحل البالغ وانخفاض أعداده نتيجة المجهود الكبير المبذول في التهوية وجلب الماء. وتزداد خطورة الظاهرة مع بروز التكدس خارج الخلايا (Bearding) الذي يجعل الطوائف أكثر عرضة للافتراس ويستهلك طاقة النحل بلا جدوى.
كما تمثل ندرة مصادر المياه تحديًا رئيسيًا، حيث يضطر النحل إلى الطيران لمسافات طويلة بحثاً عن الماء لتبريد الخلية، وهو ما يرفع معدل نفوقه خاصة مع التبخر السريع للمياه السطحية. يضاف إلى ذلك تدهور المراعي بسبب الحرارة والجفاف، إذ تجف النباتات أو تذبل مبكرًا، ويتبخر الرحيق داخل الأزهار وتفقد حبوب اللقاح قيمتها الغذائية، مما يحد من موارد الغذاء. ومع القحط الطويل يتفاقم خطر المجاعة ما لم يوفر المربون تغذية صناعية. وأخيرًا، يسهم الإجهاد الحراري في إضعاف مناعة النحل وزيادة فرص الإصابة بالأمراض والطفيليات مثل حلم الفاروا والدبور الشرقي، ما يضاعف من صعوبة إدارة المناحل في المنطقة.
7- هل هناك سلالات من النحل أكثر قدرة على التكيف مع الحرارة؟ وهل يمكن تعزيز استخدامها؟
تلعب درجة الحرارة دورًا مهمًا في انتشار وبقاء سلالات نحل العسل المختلفة. فلكي تعيش هذه السلالات في المناطق الحارة، طوّرت كل منها طرقًا خاصة للتكيف مع الظروف الصعبة. ومن أبرز هذه السلالات نحل العسل اليمني (Apis mellifera jemenitica) الذي يعيش في شبه الجزيرة العربية. يتميز هذا النحل بقدرته العالية على تحمل الحر الشديد، حيث يستطيع العيش والتكاثر حتى في الصيف الطويل عندما تتجاوز الحرارة اليومية 45 درجة مئوية. كما أنه قادر على بناء خلاياه بنجاح في البيئات الجافة والمواسم القصيرة، مما يجعله من أكثر السلالات تكيفًا مع أجواء المنطقة.
- كيفية تعزيز استخدامها
الانتقاء الوراثي المحلي: تربية السلالات التي تُظهر تحمّلًا أعلى للحرارة والاحتفاظ بها ضمن برامج تربية وانتخاب طويلة المدى.
التهجين المدروس: إدخال صفات من السلالات المحلية المقاومة للحرارة إلى سلالات إنتاجية عالية (مثل الإيطالي أو الكرنيولي) للحصول على توازن بين الإنتاجية والتحمل.
التوزيع الجغرافي المناسب: اختيار السلالة المناسبة للظروف المناخية لكل منطقة، بدلًا من الاعتماد على سلالة واحدة.
الدعم التقني للمربين: عبر نشر وعي حول أهمية السلالات المحلية وتوفير الملكات الملائمة.
8- كيف يمكن تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية النحل وتهديدات الحرارة المرتفعة؟
تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية النحل وتهديدات الحرارة العالية يتطلب استراتيجية متكاملة تستهدف مختلف فئات المجتمع. تبدأ هذه الاستراتيجية بالحملات الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام محتوى بصري جذاب مثل الفيديوهات القصيرة والإنفوجرافيك، مع إشراك المؤثرين البيئيين والزراعيين لنشر رسائل هادفة حول دور النحل في تلقيح المحاصيل وضمان الأمن الغذائي. كما ينبغي دمج موضوعات عن النحل والملقحات في المناهج الدراسية، وتأسيس نوادٍ بيئية في المدارس والجامعات لرعاية حدائق صديقة للنحل وتنظيم زيارات ميدانية تعليمية.
أما المزارعون ومربو النحل؛ فيمكن دعمهم من خلال ورش عمل متخصصة عن إدارة المناحل في الطقس الحار، وتشجيع استخدام السلالات المحلية، إلى جانب توفير أدوات مدعومة مثل صناديق التهوية وخزانات الماء.
على المستوى المجتمعي، تساهم المبادرات الملموسة مثل تشجيع زراعة نباتات محلية متحملة للجفاف وتنظيم مسابقات لأفضل حدائق صديقة للنحل في نشر ثقافة المشاركة البيئية. كما يمكن للقطاع الخاص رعاية حملات توعوية أو دعم إنشاء مساحات خضراء، بينما يضفي الفن والمهرجانات المحلية للعسل بُعداً ثقافياً وجاذباً، مما يعزز رسوخ الرسالة في أذهان المجتمع.
9- هل لديكم توصيات تقدمونها لتعزيز صناعة العسل في المناطق التي تواجه موجات حر شديدة مثل العديد من المناطق في الشرق الأوسط؟
تواجه تربية النحل في المناطق الحارة مثل الشرق الأوسط تحديات متعددة، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يؤثر على إنتاج العسل وصحة الطوائف. وللتغلب على هذه الظروف، يلزم اتباع إدارة متكاملة تبدأ باختيار مواقع مناسبة للخلايا، حيث يُفضل وضعها في أماكن مظللة طبيعية أو تحت مظلات اصطناعية مع توجيه المداخل بعيدًا عن أشعة الشمس المباشرة. كما أن توفير التهوية الجيدة وتطبيق وسائل التبريد مثل استخدام المواد العازلة أو أنظمة التبخير البسيطة يسهم في تقليل الإجهاد الحراري.
ويُعد ضمان مصادر مياه قريبة ونظيفة للنحل عاملاً أساسيًا، حيث تساعد المياه في تنظيم درجة حرارة الخلية الداخلية. إضافةً إلى ذلك، فإنّ اختيار سلالات محلية متأقلمة مع البيئة، مثل النحل السوري أو اليمني، يوفر مقاومة طبيعية للحرارة والجفاف، فيما يمكن الاستفادة من برامج التربية الانتقائية لإنتاج سلالات هجينة تجمع بين الإنتاجية العالية والقدرة على التحمل.
من جهة أخرى، يتطلب نجاح تربية النحل في البيئات الحارة إدارة ذكية لمصادر الرحيق والغذاء عبر زراعة نباتات مقاومة للجفاف مثل السدر والأكاسيا والكافور، إلى جانب نباتات عطرية كالزعتر والميرمية التي تضمن استمرارية الإمداد الغذائي على مدار العام. كما ينبغي اعتماد ممارسات حديثة مثل التغذية التكميلية في فترات الجفاف، وتوظيف تقنيات الاستشعار لمراقبة درجة الحرارة والرطوبة داخل الخلية عن بُعد.
إضافة إلى ذلك، فإن التعاونيات بين النحالين توفر فرصًا لتقاسم الموارد والخبرات، بينما يسهم دعم القطاع الحكومي والبحثي في تعزيز استدامة الصناعة من خلال القروض الميسرة وتمويل البحوث. أما على مستوى التسويق، فإن تطوير علامة تجارية لعسل المناطق الحارة وتنويع المنتجات لتشمل العكبر والغذاء الملكي وحبوب اللقاح يعزز من القيمة الاقتصادية ويدعم تنافسية المنتج في الأسواق المحلية والعالمية.