ثقافة وفنون
إبراهيم سلامة يستعرض تجربة أربعة عقود من توثيق أحوال السوريين
تستضيف صالة فرع حمص لاتحاد الفنانين التشكيليين المعرض الفردي الخامس عشر للفنان التشكيلي وابن المدينة إبراهيم سلامة، والذي انطلق الأربعاء بحضور نخبة من الفنانين والمهتمين.
يضم المعرض 32 لوحة تعكس تجربة الفنان الممتدة لـ40 عاما، وتجمع بين الأسلوب التجريدي وبعض اللوحات الانطباعية، مقدما خلاصة فترة زمنية غنية بالخيال والتفكير في أحوال الناس، من المدرسة التجريدية والتعبيرية.
وقال سلامة في تصريحات صحفية “أهتم بأحوال الناس وأعبّر عنها في لوحاتي، من الهجرة إلى الألم، ومن الغربة إلى الفرح، وفي إحدى لوحاتي رسمت زهرة تنبثق من تحت الركام، عسى أن تنهض مدينتي حمص مثلها.”
وبينت الفنانة التشكيلية سميرة مدور أن سلامة يستخدم السكين في الرسم، ما يمنح لوحاته ثراء لونيا ومعنويا، ويتيح للمشاهد استقراء أفكار متعددة في كل عمل. أما التشكيلية رنا غميض فتحدثت عن الجهد الكبير الذي يبذله الفنان في إعداد معرضه، معتبرة أن العمل الفني هو ثمرة وقت طويل من التخطيط والتنفيذ.
بدوره قال الفنان محمد طيب حمام إن المعرض “يمثل تجربة ناضجة لفنان يمتلك خبرة طويلة، حيث يرسم لوحاته بأسلوب تجريدي ممزوج بلمسات انطباعية، ليعبر عن قضايا إنسانية قريبة من وجدان الجمهور.” ويشكل المعرض فرصة لعشاق الفن لاكتشاف رؤية فنية تتناول الإنسان بآلامه وأفراحه، وتحمل رسائل أمل وسط الركام.
إبراهيم سلامة هو فنان تشكيلي سوري من مواليد مدينة حمص عام 1954. نشأ في بيئة مشجعة للفن، حيث بدأ بالرسم في سن مبكرة، وكان لأسرته ومعلميه دور مهم في اكتشاف موهبته وتحفيزه على تنميتها. التحق في عام 1970 بمركز الفنون التشكيلية في حمص، حيث تلقى تعليمًا أكاديميًا على يد عدد من الفنانين البارزين، وكان من بينهم الفنان أحمد دراق السباعي.
بدأ مسيرته الفنية الفعلية من خلال معارض فردية نُظمت في حمص، ثم توسعت لتشمل عدة مدن سورية مثل الرقة واللاذقية ودمشق، بالإضافة إلى مشاركته في معارض جماعية داخل البلاد.
من أبرز معارضه الفردية معرض “عفوية الفن في دائرة الإبداع”، الذي أقيم في حمص وضم 36 لوحة زيتية جسّدت حالات إنسانية متنوعة مثل الحزن والفرح والتأمل، بأسلوب تعبيري عفوي يلامس وجدان المشاهد. كما قدم معرضًا آخر حمل عنوان “سوريا تاريخ وحضارة” في مدينة اللاذقية، ضم 34 عملًا فنيًا استخدم فيه تقنية الطين لإبراز الجوانب التاريخية والحضارية للمنطقة السورية.
يُعرف سلامة بأسلوبه الفني الخاص، حيث يُعد من أوائل الفنانين السوريين الذين أدخلوا تقنية الرسم بالطين في أعمالهم. فقد طوّر طريقة تعتمد على استخدام الطين بألوانه الطبيعية (الأبيض، الأحمر، الأسود) ومزجه مع الماء والغراء لصناعة لوحات ذات طابع ملمسي وبصري مميز. يرى سلامة أن الطين مادة قريبة من الإنسان، كونه خُلق منها، وهذا يضفي على أعماله عمقًا وجوديًا وروحيًا. كما أن هذه التقنية تمنح اللوحات قوة وثباتًا، ما يجعلها قابلة للبقاء مئات السنين، حسب تعبيره.
من الناحية الأسلوبية، تنتمي أعمال إبراهيم سلامة إلى المدرسة التعبيرية والتجريدية، مع تركيز واضح على الإنسان كعنصر مركزي في معظم لوحاته. لا يهدف فقط إلى تقديم أعمال جمالية، بل يحمل في لوحاته رسائل إنسانية عميقة، تتناول قضايا اجتماعية ونفسية، وتعكس انشغالات الإنسان السوري والعربي عمومًا. الكثير من لوحاته يعبر عن التراث السوري، كالأسواق القديمة وأحياء حمص، إضافة إلى مواضيع رمزية كالأمل والمعاناة والمرأة، وأحيانًا اقتباسات من أعمال أدبية كـ”الإلياذة”.
يقول رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في اللاذقية فريد رسلان “إن تقنية التراب الممزوج بالماء والغراء ومواد أخرى لإعطائه الدرجات اللونية التي تميز أعمال الفنان سلامة تعدّ تجربة غير مطروقة إلا بشكل جزئي من خلال استخدام الطين مع الألوان أو الكولاج، حيث عالج اللوحة بكاملها بهذه التقنية والتي تخدم المواضيع التي اختارها ولها علاقة بالتاريخ والحضارات التي تعاقبت على سوريا.”
يذكر أنه في عام 2004، قرر إبراهيم سلامة التفرغ بالكامل للفن بعد تركه للعمل الحكومي، ما سمح له بالتركيز على تطوير أسلوبه الفني الخاص والمشاركة في معارض متنوعة داخل سوريا. ولا يزال إلى اليوم من الأسماء المميزة في الحركة التشكيلية السورية، بما يقدمه من تجربة غنية تجمع بين الأصالة والابتكار.