اخبار الإقليم والعالم
المراوغة والانتظار إستراتيجية حزب الله لحماية سلاحه
يعتمد حزب الله إستراتيجية تقوم على الحد الأدنى من التعاون في ملف نزع السلاح، ضمن خطة تهدف إلى امتصاص الضغوط الدولية المتصاعدة، مع السعي إلى إعادة بناء قوته العسكرية تدريجيا والإبقاء على الغموض بشأن مستقبل سلاحه. وتعكس هذه المقاربة فلسفة الحزب العميقة القائمة على فكرة المقاومة المسلحة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هويته ووجوده، وليست مجرد وسيلة ظرفية فرضتها مراحل معينة من الصراع.
ويقول الباحث بلال صعب في تقرير نشره موقع تشاتام هاوس إن التخلي عن السلاح، بالنسبة إلى حزب الله، ليس مجرد خطوة سياسية، بل يعد إعلانا عن انتهاء المشروع، وخيانة لمسار “الممانعة” الذي قام عليه، وتهديدا مباشرا لمكانته في البيئة الشيعية التي يرى أنه يحمي مصالحها من خلال القوة.
وفي هذا السياق المتوتر، شهدت الساحة اللبنانية تطورا غير مسبوق، حيث قدم المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، توماس باراك، اقتراحا مفصلا للحكومة اللبنانية يقضي بنزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية عام 2025.
وتضمن الاقتراح أيضا وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من خمسة مواقع إستراتيجية في جنوب لبنان، في مقابل التزام لبناني رسمي بتنفيذ خطة شاملة لوضع السلاح تحت سلطة الدولة وحدها.
وقد ناقش مجلس الوزراء اللبناني هذا الاقتراح في اجتماع استثنائي الخميس، ووافق من حيث المبدأ على الأهداف المعلنة، كما أعلن وزير الإعلام بول مرقص، الذي أشار إلى أن الحكومة وافقت على “أهداف الورقة الأميركية” بعد إدخال بعض التعديلات من الجانب اللبناني، لاسيما ما يتعلق بتثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية في خريف العام الماضي.
◙ حزب الله يعتمد خطة تقوم على الحد الأدنى من التعاون في ملف نزع السلاح، وترك موقفه غامضا بشأن مستقبل سلاحه
وأضاف مرقص أن الجيش اللبناني كُلّف بإعداد خطة تنفيذية لهذه الخطوات، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة ونشر الجيش في المناطق الحدودية. ويتضمن الاقتراح الأميركي، الذي اعتبره باراك “تاريخياً وجريئاً،” مراحل زمنية واضحة.
وفي المرحلة الأولى، تصدر الحكومة اللبنانية مرسوماً خلال 15 يوماً يلتزم بنزع سلاح حزب الله بالكامل قبل 31 ديسمبر 2025، بالتزامن مع وقف إسرائيل لعملياتها العسكرية البرية والجوية والبحرية.
وفي المرحلة الثانية، تُطلق خطة تنفيذية لنشر الجيش اللبناني وتحديد أهداف واضحة لنزع السلاح. وأما المرحلة الثالثة فتنص على بدء الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المتبقية، مع إطلاق عملية إعادة الإعمار بإشراف دولي.
وأما المرحلة الرابعة، فتلزم بتفكيك ما تبقى من الأسلحة الثقيلة لحزب الله، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، خلال 120 يوماً، بالتوازي مع مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد اللبناني، تنظمه الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وقطر ودول أخرى.
ورغم أن الخطة قوبلت بترحيب أميركي واسع، حيث عبّرت الخارجية الأميركية عن دعمها الكامل لتكليف الجيش بهذه المهمة، فإن حزب الله لم يتأخر في التعبير عن موقفه الرافض. وانسحب وزراء حزب الله وحلفاؤهم الشيعة من اجتماع الحكومة احتجاجاً على مناقشة الاقتراح، في مؤشر واضح على أن الحزب يعتبر الأمر تهديداً وجودياً.
وكان الأمين العام الحالي للحزب نعيم قاسم قد أكد في خطاب شعبي مؤخرا أن قرار الحرب والسلم ما زال بيد الحزب، وليس في يد الدولة، وأن فكرة نزع السلاح أو أيّ شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل مرفوضة تماما.
ويجد موقف الحزب هذا دعما ضمنيا من طهران، حيث صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن القرار بشأن سلاح حزب الله هو “قرار يعود إلى الجماعة نفسها،” موضحاً أن إيران تدعمه لكنها لا تتدخل في قراراته.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب الحرب الأخيرة التي اندلعت في أكتوبر 2023، حين بدأ حزب الله بقصف مواقع إسرائيلية دعماً لحركة حماس في غزة. وقد وجهت إسرائيل حينها ضربات قاسية للحزب، دمّرت جزءاً كبيراً من بنيته العسكرية واغتالت أمينه العام السابق حسن نصرالله، وهو ما خلق واقعاً جديداً دفع الولايات المتحدة إلى محاولة استثمار اللحظة لفرض ترتيبات أمنية جديدة في لبنان.
وعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية تُظهر استعداداً سياسياً للمضي في هذا المسار، فإن العقبات لا تزال كثيرة. فمن جهة، يبدي الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام حذراً شديداً، إذ يخشيان أن يؤدي الضغط المفرط على حزب الله في ظل الاحتلال الإسرائيلي لمواقع جنوبية واستمرار الغارات إلى اندلاع صراع داخلي، خصوصاً في ظل الانقسام الطائفي العميق.
◙ إستراتيجية حزب الله القائمة على المراوغة والانتظار قد لا تصمد طويلاً أمام الضغوط المتصاعدة
ومن جهة أخرى، فإن الرهان على تحولات إقليمية مثل تحسين العلاقات الإيرانية – الأميركية لا يُعد حلاً، بل تأجيل للمواجهة الحتمية مع واقع السلاح الخارج عن سيطرة الدولة. ويضع ذلك لبنان على مفترق طرق حاسم، بين خيار استكمال بناء الدولة، ووضع حد لهيمنة السلاح غير الشرعي، أو الاستمرار في المراوحة التي لم تجلب سوى الأزمات والانهيارات.
وقد لا تصمد إستراتيجية حزب الله القائمة على المراوغة والانتظار طويلاً أمام الضغوط المتصاعدة، وإذا لم تُترجم خطوات الحكومة إلى تنفيذ فعلي، فإن الفرصة التاريخية لتثبيت سيادة الدولة قد تضيع مرة أخرى.
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية باتفاق الطائف عام 1989، ظلّ ملف سلاح حزب الله أحد أبرز الإشكاليات السياسية والأمنية في البلاد. وقد استثني الحزب من بند نزع سلاح الميليشيات بموجب تفاهم ضمني باعتباره “حركة مقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، وهو ما أتاح له الاحتفاظ بترسانة عسكرية متنامية خارج سيطرة الدولة.
لكن مع الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، تراجعت مبررات الاحتفاظ بالسلاح لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، وبدأ الجدل السياسي يتصاعد حول دور الحزب وسلاحه.
في المقابل، فشلت الدولة اللبنانية مراراً في بناء نموذج أمني موحد، بسبب التوازنات الطائفية الحادة، وغياب الإرادة السياسية الحاسمة، والخوف من انزلاق أيّ مواجهة داخلية إلى صراع أهلي شامل. وأبقى هذا الواقع حزب الله لاعباً فوق الدولة، يتمتع بغطاء شعبي في بيئته، ويتحكم بمفاصل القرار الأمني والسياسي حين تقتضي الحاجة.
وأما على المستوى الدولي، فقد واجه لبنان في السنوات الأخيرة تصاعداً في الضغوط الغربية والعربية لوضع حد لاستقلالية سلاح الحزب، لاسيما مع تصاعد نفوذه في القرار الرسمي، واتهامه بجرّ لبنان إلى مواجهات غير محسوبة مع إسرائيل، كما حدث خلال دعم حماس في حرب غزة الأخيرة. وهذا ما دفع واشنطن إلى محاولة تدويل الحل، عبر طرح مبادرات تنهي حالة ازدواجية السلاح.