منوعات
«مشروع بلوتو»... حين كادت أمريكا أن تطلق «سلاح يوم القيامة»
في ذروة الحرب الباردة، وتحديدًا خلال خمسينيات القرن الماضي، سعت الولايات المتحدة لتطوير واحد من أكثر الأسلحة رعبًا في التاريخ.
وبحسب مجلة ناشيونال إنترست، حاول المهندسون الأمريكيون إنتاج صاروخ نووي خارق للصوت يمكنه التحليق لأسابيع ونشر الإشعاعات أينما مرّ.
وعلى الرغم من إلغاء هذا المشروع، المعروف باسم "بلوتو"، قبل أن يرى النور، إلا أنه خلّف إرثًا تقنيًا وعسكريًا لا يزال يُستذكر حتى اليوم بوصفه ذروة جنون سباق التسلح.
سلاح الدمار الشامل الطائر
في ذروة المنافسة المحمومة مع الاتحاد السوفياتي، طورت الولايات المتحدة بالتعاون بين القوات الجوية وهيئة الطاقة الذرية، مشروعًا سريًا أطلق عليه رسميًا اسم "الصاروخ الأسرع من الصوت والمنخفض الارتفاع".
وكان الهدف هو إنتاج صاروخ كروز نووي يُحلق على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادار، ويطلق رؤوسًا نووية على الأراضي السوفياتية، كل ذلك بفضل محرك "رامجت" يعمل بطاقة الانشطار النووي.
جرى تصميم الصاروخ ليحلق في الجو لأيام أو حتى أسابيع، حاملًا عدة رؤوس نووية، وقادرًا على المناورة على ارتفاعات منخفضة بسرعة تقارب ثلاثة أضعاف سرعة الصوت. لكن ما جعله مثار جدل عالمي لم يكن قوته التدميرية فقط، بل تأثيره البيئي المهول، إذ كان محركه النووي غير المحمي يطلق غازات وإشعاعات ملوثة في مسار رحلته.
تحت الاسم الرمزي "توري"، طورت أمريكا مفاعلًا نوويًا صغيرًا لاستخدامه في دفع الصاروخ، وتم اختبار نموذجين منه في موقع نيفادا الشهير. وقد أثبتت التجربة الأبرز، التي أُجريت عام 1961، نظريًا أن الدفع النووي ممكن، إذ عمل المحرك لدقائق مولّدًا قوة كافية لإطلاق الصاروخ.
إلا أن التحديات كانت أكبر من مجرد تشغيل المحرك؛ فقد تطلبت درجات الحرارة العالية، التي تجاوزت 2500 درجة فهرنهايت، مواد مقاومة للحرارة لم تكن متوفرة بعد، كما فرض التحليق على ارتفاع منخفض ضغوطًا ميكانيكية هائلة على الهيكل.
الأهم، كان أن السلاح نفسه يطلق نفايات مشعة في الجو، مما جعله في نظر كثيرين تهديدًا بيئيًا لا يقل خطورة عن رؤوسه النووية.
الإلغاء: حسابات الحرب والسياسة
رغم النجاح في الاختبارات، واجه "مشروع بلوتو" معارضة متزايدة داخل الأوساط العلمية والعسكرية.. ومع تنامي وعي الرأي العام بمخاطر الإشعاع، خاصة بعد كارثة اختبار "كاسل برافو" عام 1954، بدأت التحفظات تتصاعد.
وفي عام 1964، قررت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" إلغاء المشروع نهائيًا.
وجاء القرار في ظل تغير العقيدة العسكرية، حيث بدأت واشنطن تميل إلى استراتيجية "الردّ المرن" بدلاً من "الردّ الساحق"، كما أصبح إطلاق الصواريخ النووية من الغواصات وسيلة أكثر أمانًا وفعالية للردّ النووي.
يضاف إلى ذلك توقيع معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية عام 1963، التي منعت إجراء تجارب في الغلاف الجوي، وهو ما جعل من المستحيل اختبار محرك بلوتو في بيئة واقعية.
إرث تقني.. ورسالة تحذيرية
رغم دفنه في الأدراج، لم يكن مشروع بلوتو عبثًا؛ فقد أسهم في تطوير تقنيات الدفع النووي، والمواد المقاومة للحرارة، وتصميم المفاعلات الصغيرة.
لكنه تحول أيضًا إلى رمز لما يمكن أن تصل إليه العسكرة المطلقة عندما تتجاوز الأخلاقيات حدودها، وحين يصبح العلم خادمًا لفكرة "يوم القيامة".