منوعات

أوروبا تتجه لتطبيع الترحيل إلى مناطق النزاع: توافق أمني على حساب معايير اللجوء

وكالة أنباء حضرموت

تشهد السياسات الأوروبية في مجال اللجوء تحوّلاً لافتًا نحو تشديد الإجراءات على حساب المبادئ الإنسانية التي طالما شكلت حجر الأساس للمنظومة الحقوقية في الاتحاد الأوروبي.

واتفق وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرينت مع نظرائه من فرنسا وبولندا والنمسا والتشيك والدنمارك، بالإضافة إلى مفوض الشؤون الداخلية في الاتحاد، أمس الجمعة على حزمة أهداف مشتركة تهدف إلى تسهيل عمليات الترحيل إلى بلدان مثل سوريا وأفغانستان، وتصنيف ذلك ضمن الممارسات المعتادة لا الاستثنائية.

وتمثل هذه الخطوة، التي جاءت بعد قرار برلين في مايو 2025 بمنع دخول طالبي اللجوء عند الحدود، لحظة مفصلية تعكس تحوّلاً في المزاج السياسي العام في أوروبا، حيث تتقدّم اعتبارات الأمن والسيطرة على الهجرة على حساب الالتزامات القانونية والأخلاقية تجاه الفارّين من مناطق النزاع.

اعتبارات الأمن والسيطرة على الهجرة تتقدم على حساب الالتزامات القانونية والأخلاقية تجاه الفارّين من مناطق النزاع

ولا يقتصر الاتفاق على تسهيل الترحيل فحسب، بل يتضمن أيضا مقترحات لتعديل الإطار القانوني الأوروبي بما يسمح بإقامة مراكز لجوء خارج أراضي الاتحاد، وتفعيل إجراءات دراسة الطلبات في دول ثالثة، في تكرار محتمل لنموذج الاتفاق مع تركيا أو المقترحات المثيرة للجدل بشأن إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا. كما تلوّح الدول الموقعة بفرض قيود على التأشيرات بحق مواطني البلدان التي ترفض استقبال المرحّلين.

وبينما لم تحظَ هذه الخطوات بعد بموافقة نهائية من بروكسل، فإن مستوى التنسيق السياسي حولها يكشف عن تبلور قناعة متزايدة لدى عدة عواصم أوروبية بأن المعالجة التقليدية لأزمة اللجوء لم تعد قابلة للاستمرار، وأن الحلول يجب أن تكون أكثر تشددًا وفاعلية من وجهة نظرها.

لكن هذا الاتجاه يفتح الباب أمام تحديات قانونية وأخلاقية عميقة. فكل من سوريا وأفغانستان لا تزالان مدرجتين ضمن مناطق النزاع، حيث يتعرض العائدون لخطر الاعتقال أو الاضطهاد أو حتى التصفية، كما تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان.

وقوبلت تجربة الدنمارك حين صنّفت دمشق “آمنة” عام 2021 لإعادة بعض اللاجئين، بانتقادات حادة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات دولية، أكدت أن الظروف في تلك المناطق لا تسمح بالعودة الآمنة والكريمة.

ولذلك يمثل الاتجاه إلى تعميم هذا التوجّه على المستوى الأوروبي خطوة غير مسبوقة نحو تطبيع الإعادة القسرية إلى مناطق النزاع، وهو ما يُعد تهديدا صريحا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يشكل أحد الأعمدة الأساسية لقانون اللجوء الدولي.

ويبدو أن هذا التحول مدفوع أيضاً باعتبارات داخلية ضاغطة، حيث تواجه حكومات أوروبية تصاعدًا لافتًا في التيارات اليمينية المتطرفة، واستحقاقات انتخابية تفرض عليها تبني خطاب أكثر صرامة تجاه قضايا الهجرة واللجوء.

وبينما تعتبر بعض الحكومات أن تشديد القواعد وإظهار الحزم تجاه طالبي اللجوء هما السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الرأي العام، فإن آخرين يرون أن ذلك يضع أوروبا على مسار تنازلي يتخلى تدريجياً عن دورها التاريخي في حماية اللاجئين والوقوف إلى جانب حقوق الإنسان.

الاتفاق لا يقتصرعلى تسهيل الترحيل فحسب، بل يتضمن أيضا مقترحات لتعديل الإطار القانوني الأوروبي بما يسمح بإقامة مراكز لجوء خارج أراضي الاتحاد

وفي المقابل قد تفضي هذه السياسات إلى تزايد الانقسامات داخل التكتل الأوروبي ذاته، خاصة مع دول لا تزال تتمسك بموقف قانوني صارم يحظر الترحيل إلى مناطق النزاع، وتطالب بأن تخضع كل حالة لتقييم فردي دقيق، يأخذ في الحسبان ظروف طالب اللجوء وبلده الأصلي.

وقد تزيد هذه الإجراءات من تعقيد العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومؤسساته القضائية والحقوقية، في حال أُقرت قرارات تعتبرها محكمة العدل الأوروبية أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان انتهاكًا لالتزامات القارة بموجب المواثيق الدولية.

ويكشف هذا المسار عن تحول أعمق في العقل السياسي الأوروبي، حيث لم تعد حقوق الإنسان مرجعية غير قابلة للمساومة، بل باتت بندًا قابلًا لإعادة التفاوض عندما تتعارض مع اعتبارات الأمن والهجرة.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس فقط ما إذا كانت هذه الإجراءات فعالة في تقليل تدفقات اللاجئين، بل إلى أي مدى تستطيع أوروبا الحفاظ على توازنها الأخلاقي وهي تعيد صياغة سياساتها بناء على منطق الردع والتقييد، لا على أساس الاستجابة الإنسانية.

 

مدير عام الحصين يتفقد طريق الحصور الجهدعة ويعتمد استكمالها ضمن موازنة السلطة المحلية


تونس تطلب مساعدة أممية لمجابهة أعباء المهاجرين


حكومتا ليبيا تتنصلان من اتفاق استقبال مهاجرين من واشنطن


كواليتي زون تُطلق مبادرة "تأمين مرتادي البحر" بشاطئ الستين برعاية "كول باد" و"كول فورجي"