اخبار الإقليم والعالم
ليبيا تتجاهل انقساماتها لصد مشروع يوناني للتنقيب عن النفط
في لحظة نادرة من التوافق، اجتمعت الحكومتان المتنافستان في ليبيا، الأولى المكلفة من البرلمان في الشرق والثانية حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في الغرب، على موقف واحد إزاء تحركات اليونان الأخيرة للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية متنازع عليها جنوب جزيرة كريت.
وهذا التحدي الخارجي يبدو وكأنه قد نجح فيما فشلت فيه سنوات من المفاوضات الداخلية: توحيد الصوت الليبي في وجه انتهاكات السيادة.
اعتبرت الحكومة الليبية برئاسة أسامة والمكلفة من البرلمان، الجمعة، طرح اليونان مناقصة لمنح تراخيص استكشافية عن النفط والغاز في مناطق بحرية متنازع عليها بين البلدين "تصعيدا" من شأنه أن يفاقم التوترات في منطقة البحر المتوسط.
ويأتي هذا الموقف ردا على إعلان يوناني نُشر في المجلة الرسمية للاتحاد الأوروبي بتاريخ 12 يونيو 2025، والمتضمن طرح مناقصة دولية لاستكشاف واستغلال موارد الطاقة في مناطق تقع بالبحر المتوسط جنوب جزيرة كريت، وهي مناطق لا يزال جزء منها محل نزاع قانوني لم يُحسم بعد مع الدولة الليبية.
وقالت وزارة الخارجية بحكومة شرق ليبيا المكلفة من البرلمان في بيان إنها "تعرب عن بالغ استغرابها وقلقها" حيال الخطوة اليونانية، مشيرة إلى أن المناطق المعنية "يقع جزء منها داخل نطاق بحري لا يزال محل نزاع قانوني لم يُحسم بعد مع الدولة الليبية".
وأكدت "حق ليبيا الأصيل وغير القابل للتصرف لليبيا في استكشاف والاستفادة من مواردها الهيدروكربونية في مناطقها البحرية المعترف بها دوليا".
كما شددت على أن "أي أنشطة للتنقيب عن الهيدروكربونات أو استغلالها في المناطق المتنازع عليها أو التي تقع ضمن اختصاص ليبيا البحري دون موافقتها المسبقة والصريحة ستعتبر أعمالا غير قانونية وعدوانية"، محملة الجهات المسؤولة "كافة التبعات القانونية وفق أحكام القانون الدولي".
وحذرت من أن هذا "الإجراء التصعيدي من اليونان من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات في منطقة البحر المتوسط، ويعرقل الجهود الراعية إلى تحقيق الاستقرار والتعاون الدولي القائم على الاحترام المتبادل للسيادة والمصالح".
ودعت الوزارة في بيانها الحكومة اليونانية إلى "الوقف الفوري لكافة الإجراءات المتعلقة بطرح أو منح تصاريح استكشاف في المناطق التي تدخل ضمن الحقوق السيادية الليبية".
ورغم اللهجة الحازمة، لم يُغلق البيان باب الدبلوماسية، فقد دعت الخارجية اليونان إلى "الدخول في حوار جاد وبنّاء" للتوصل إلى حلول عادلة ومنصفة، مؤكدة أن ليبيا "تحتفظ بكافة حقوقها القانونية في اتخاذ الإجراءات اللازمة".
هذا الموقف، وإن كان قوياً في تأكيد الحقوق، إلا أن دعوته للحوار يشير إلى أن حكومة أسامة حماد لا ترغب في التورط في نزاع بحري معقد لا تملك فيه أوراقًا مباشرة، خاصة في ظل علاقاتها المفتوحة مع مصر واليونان.
هذه التطورات تضع تحديا جديدا أمام السيادة الليبية على مواردها البحرية، وتُظهر أهمية التنسيق بين مختلف الفاعلين الليبيين لتوحيد الموقف وتعزيز القدرة على حماية المصالح الوطنية في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
ويأتي بيان خارجية حكومة شرق ليبيا بعد أن أعلنت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس الخميس، اعتراضها على الخطوة اليونانية، معتبرة أنها تمثل "انتهاكا صريحا للحقوق السيادية الليبية" في منطقة بحرية لا تزال محل خلاف.
وهذا التوافق بين الحكومتين، وإن كان شكلياً، يُظهر أن مسألة السيادة البحرية هي قضية وطنية تتجاوز الانقسامات السياسية الداخلية الليبية، مما يمنح الموقف الليبي قوة أكبر على الساحة الدولية.
والنقطة الأكثر إثارة للتساؤل هي الغياب الملحوظ لأي موقف تركي واضح لدعم حكومة الدبيبة في مواجهة التحرك اليوناني، هذا الصمت يضع علامات استفهام كبيرة حول التزام أنقرة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع حكومة الوفاق السابقة في 27 نوفمبر 2019.
ويرجح المراقبون أن تركيا، في هذه المرحلة، تفضل تجنب التصعيد مع اليونان حفاظًا على مصالحها الأوسع في شرق المتوسط وعلاقاتها مع بروكسل وواشنطن، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية التحالفات الإقليمية في لحظات الأزمة الفعلية، ويشير إلى أن الملف البحري قد أصبح ورقة تفاوض ضمن حسابات أكبر.
وهذا الصمت التركي قد يكون تكتيكا مؤقتا، إذ يرجح المراقبون أن تلجأ أنقرة، في حال استمرت اليونان في فرض الأمر الواقع، إلى إرسال قطع بحرية أو سفن أبحاث إلى المنطقة المتنازع عليها تحت حماية عسكرية، كما فعلت في أزمات سابقة مع أثينا ونيقوسيا.
وتأتي هذه التطورات قبيل الجلسة المرتقبة لمجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، والتي ستناقش اتفاقية الصلاحيات البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فائز السراج وتركيا منذ 27 نوفمبر 2019، والتي أحالتها الحكومة المكلفة برئاسة أسامة حماد، إلى المجلس للمصادقة عليها، في خطوة تعارضها اليونان.
وتتنازع ليبيا واليونان على حدود بحرية حول جزيرة كريت الغنية بالطاقة بالبحر الأبيض المتوسط. البلدان خاضا عام 2004 مفاوضات لترسيم الحدود بينهما لكنها لم تفض إلى نتائج ملموسة.
وفي عام 2022، توترت علاقات طرابلس وأثينا بشأن حدودهما البحرية بعد إعلان اليونان اعتزامها التعاقد مع شركات دولية لإجراء أعمال بحث وتنقيب عن النفط والغاز في منطقة متنازع عليها بين البلدين جنوب وجنوب غربي جزيرة كريت.