اخبار الإقليم والعالم
السعودية تفتح أبواب الاستثمار أمام الشركات المصرية
أعلنت الهيئة السعودية لتسويق الاستثمار عن إصدار أكثر من 7 آلاف ترخيص لمشاريع مصرية، في خطوة هي الأولى من نوعها، وقد تغير المشهد الاستثماري للبلد الخليجي.
ويعكس هذا الرقم غير المسبوق تحولاً جوهريًا في شكل التعاون الاقتصادي بين البلدين، وهو تحول مهم يؤكد تطور العلاقات الثنائية، على عكس ما جرى تداوله مؤخرا في الشق السياسي منها.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية متواصلة، مثل ارتفاع معدلات التضخم، ما يجعل فتح الأسواق السعودية أمام عدد من الشركات المصرية ليس مجرد فرصة استثمارية، بل شريانًا يحمل بعدًا اقتصاديا يفتح نافذة جديدة.
وتتماشى الخطوة السعودية مع رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وفتح المجال أمام شراكات مختلفة في قطاعات متعددة.
ويبدو أن القاهرة كانت حاضرة بقوة في حسابات الرياض، ليس فقط بسبب العلاقات التاريخية، بل نظرًا لامتلاكها قاعدة بشرية كبيرة، وشركات ناشئة تبحث عن أسواق توسعية، ومهارات مؤهلة بأسعار تنافسية.
وحسب وكيل وزارة الاستثمار السعودية محمد عبدالرحمن أباحسين، فإن الاستثمارات المصرية أسهمت في توفير نحو 80 ألف وظيفة، وهو ما يرتبط بخطط مدروسة لسد فجوات في سوق العمل، خاصة في قطاعات البناء والخدمات والتقنية والزراعة والصناعات الغذائية.
ويكشف عدد التراخيص المعلن عنها عن وجود طلب مصري متزايد على دخول السوق السعودية، ما يعكس الثقة في مناخ الاستثمار بالمملكة.
ويحمل القرار في طياته اعترافًا رسميًا سعوديًا بأهمية الشريك المصري في خارطة التنمية المستقبلية، ويعكس الرقم تحولًا نوعيًا في العلاقات الاقتصادية، ينتقل بها من المساعدات والودائع إلى الاستثمارات والشراكات.
ويقول محللون إن ثمة تأثيرات محتملة على الاقتصاد المصري، منها أنه مع توسع الشركات في السوق السعودية وتحقيقها لأرباح، من المتوقع أن يتم تحويل جزء منها إلى الداخل، ما يسهم في دعم الاحتياطي من النقد الأجنبي، وهو ما تحتاجه مصر بشدة.
وتدفع الطفرة السعودية هذه الشركات إلى توسيع عملياتها الإنتاجية في مصر لتغطية السوق السعودية، ما يعني فرص توظيف محلية أكبر.
ومع تعزيز علاقات الشركات في أكبر اقتصاد عربي، قد تلجأ إلى تصدير منتجاتها من مصر بدلًا من تصنيعها بالكامل في الخارج، ما يعني زيادة في الصادرات الصناعية والزراعية.
ويدفع الدخول في سوق تنافسية كالسوق السعودية الشركات المصرية نحو تحسين معايير الجودة، ورفع الكفاءة التشغيلية، ما يعود بالنفع على المستهلك المصري لاحقًا.
الكوادر المصرية تحظى بثقة كبيرة، والفرص متاحة بالمستشفيات والمراكز الطبية وشركات التكنولوجيا الصحية
وقد تتحول مصر من خلال هذا التمدد، إلى منصة تشغيل رئيسية تخدم الأسواق الخليجية، وهو ما يدعم موقعها كقاعدة تصديرية واستثمارية إقليمية.
وأكد المحلل الاقتصادي المصري سيد عويضي أنه رغم الإيجابيات، إلا أن التوسع المصري بالسوق السعودية قد يواجه تحديات، أبرزها البيروقراطية والإجراءات.
وأضاف لـ”العرب” أنه “رغم التيسيرات السعودية، لكن بعض الشركات قد تواجه صعوبات في فهم البيئة التنظيمية الجديدة، والامتثال للقوانين المحلية.”
ويعد دخول السوق السعودية ليس بالأمر السهل، فهناك منافسون من دول مثل الهند، باكستان، الأردن، وتركيا، ما يعني أن الشركات المصرية بحاجة إلى خطط قوية للحفاظ على مواقعها.
وأشار عويضي إلى أنه ربما يؤدي توسع الشركات المصرية في الخارج إلى هجرة مزيد من الكفاءات، ما يفاقم من فجوة المهارات محليًا.
ومن السلبيات أيضًا، أنه ليس كل الشركات المصرية تمتلك القدرة على التوسع ماليًا في الخارج، ما يحد من فرص بعض المشاريع الناشئة ذات الإمكانات العالية.
ومع أهمية السوق السعودية، فإن الاعتماد المفرط عليها دون تنويع الأسواق قد يشكل خطورة في حال حدوث تقلبات سياسية أو اقتصادية مفاجئة.
وعن اعتبار الخطوة الراهنة كنافذة لتدفق الدولار إلى مصر، فقد يتم ذلك بشروط مثل أن يحسن القطاع الخاص استغلال الفرص، وتسهيل إجراءات التحويلات المالية وعودة الأرباح إلى مصر.
وتشكل العوائد بالعملة الأجنبية مصدر دعم جديد للاقتصاد، خاصة إذا ترافقت مع دعم من البنك المركزي لتلك الشركات وتشجيعها على إعادة جزء من أرباحها إلى الداخل.
وذكر الخبير الاقتصادي إبراهيم الحدودي لـ”العرب” أن عدد التراخيص يعكس جدية المستثمر المصري، لكنه أيضًا يتطلب دعمًا رسميًا لمواكبة التحولات الخليجية، وأن نجاح هذه الشركات في السعودية قد يشكل دعم ضريبي قوي إذا تم تنظيم العوائد بطريقة شفافة.
وأشار إلى أنه لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة، ينبغي تقديم حوافز حكومية للشركات المحلية العاملة في البلد الخليجي، تفعيل مكاتب دعم لوجستي وتجاري داخل المملكة لخدمة المستثمرين المصريين.
وطالب بضرورة إعداد دليل استثماري خاص بالشركات المصرية الراغبة في دخول السوق السعودية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لدعم العلاقات البينية وتذليل العقبات.
وتشير توقعات الخبراء إلى وجود خمسة قطاعات مصرية ستستفيد بشكل مباشر من التوسع في السوق السعودية، أولها القطاع الغذائي فالسعودية من أكبر الأسواق المستهلكة للمنتجات الغذائية، وهناك طلب متزايد على المنتجات المصرية ذات الجودة العالية.
وثاني هذه القطاعات، الإنشاءات والمقاولات خاصة مع الطفرة العمرانية في السعودية في نيوم والرياض الخضراء، وثمة فرص واعدة للشركات المصرية في هذا المجال، ومنها الخدمات الطبية والصحية.
وتحظى الكوادر المصرية بثقة كبيرة في السوق السعودية، والفرص متاحة بالمستشفيات والمراكز الطبية وشركات التكنولوجيا الصحية.
وعلاوة على البرمجيات والتقنيات، فإن شركات التكنولوجيا الناشئة المصرية قد تجد في السوق السعودية بيئة مثالية للتوسع، مع انتشار مبادرات التحول الرقمي في المملكة.
ومن القطاعات المستفيدة كذلك، التعليم والتدريب، إذ تمتلك مصر خبرات تعليمية في مجالات كثيرة، وهناك طلب على مراكز تدريب وشركات تعليم إلكتروني في السعودية.
ومن المتوقع أن يكون الرابح الأكبر، الطرف الذي يحسن الاستعداد والتنفيذ، وهو ما يجب أن تلتفت إليه المؤسسات المصرية المعنية، في ظل الاحتياج المتزايد للدولار، وضرورة دعم القطاع الخاص كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة.