ثقافة وفنون
المشروع X.. سردية خيالية حول أسرار بناء الهرم الأكبر
بين حين وآخر يضع صناع السينما المصرية أعينهم على تقديم أعمال فنية عالمية، مدفوعين برغبة جامحة لصناعة عمل بمواصفات هوليوودية، وهو ما ظهرت بصماته مع المخرج بيتر ميمي الذي عرضت له دور العرض في مصر وبعض الدول العربية فيلمه “المشروع X“، وهو من أضخم إنتاجات السينما المصرية، واستغرق العمل لتجهيزه سنوات لتوفير أحدث تقنيات العرض السينمائي العالمية.
ويحتوي الفيلم على مشاهد تظهر فيها مروحيات وغواصات وسفن وتصوير تحت الماء ومطاردة بالسيارات في شوارع روما، ما منح الجمهور العربي تجربة بصرية وصوتية كبيرة، وتم تصوير مشاهد العمل خلال تسعة أشهر في إيطاليا والفاتيكان والسلفادور، إضافة إلى البلد الأم مصر.
حقق الفيلم إيرادات كبيرة في أسبوع عرضه الأول على شاشات دور العرض السينمائي، بلغت نحو 30 مليون جنيه مصري (نحو 600 ألف دولار) قبل أن يدخل موسمه السينمائي المنشود من قبل صناعه، وهو موسم أفلام عيد الأضحى.
ثنائية كريم وبيتر
المخرج بيتر ميمي، الذي استعان بالنجم كريم عبدالعزيز بعد نجاحهما معا في مسلسل “الحشاشين”، طرح في عمله السينمائي الذي كتبه وأعد له السيناريو والحوار بالمشاركة مع أحمد حسني، قصة جديدة على السينما المصرية، حول الغموض الذي يكتنف أسرار بناء الهرم الأكبر “خوفو” عبر عالم المصريات يوسف الجمال ولعب دوره كريم عبدالعزيز الذي فقد زوجته ولعبت دورها الفنانة هنا الزاهد أثناء استكشافهما لأحد المقابر الفرعونية، ونشب حريق في المقبرة أسفر عن مصرع زوجته وتحطم المكان.
بعد وفاة زوجته يحاول يوسف إثبات نظريته التي أسماها “المشروع X” وحرف X دلالة على أسرار بناء الهرم الأكبر والإيمان الراسخ أن الهدف من بناء الهرم ليس كونه مقبرة للملك خوفو، إنما تم تشييده لهدف أسمى وأهم من ذلك.
وعلى غرار سلسلة أفلام “إنديانا جونز” التي قدمتها هوليوود في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ولعب فيها هاريسون فورد دور دكتور جونز عالم الآثار الذي يبحث وراء التاريخ الغامض لعديد من الآثار في دول مختلفة، يبدأ عالم الآثار المصري يوسف الجمال رحلته لإثبات نظريته حول الهرم الأكبر بالبحث عن نقوش فرعونية على الحجر مفقودة من إحدى غرف الهرم السرية.
وأشارت تحرياته إلى أن بعثة آثار روسية في ستينيات القرن الماضي اكتشفت هذه الحجر ووضعته في غواصة لتهريبها، وأن الغواصة غرقت في المحيط الهادي، ويصل يوسف إلى أن إحداثيات موقع الغواصة الروسية الغارقة مخبأة في الأرشيف السري للفاتيكان.
يستعين يوسف بمريم التي تلعب دورها الفنانة ياسمين صبري وهي تجيد الغطس وتعمل في مدينة الغردقة المطلة على البحر الأحمر، وارتبط معها بقصة حب سابقة لزواجه، وتتشابك حياتاهما في سلسلة من المغامرات والتحديات المثيرة التي تتخللها مطاردات ومشاهد أكشن وغموض.
وتظهر هنا شخصية آسر وجسدها الفنان الأردني إياد نصار، ويوحي من دون إعلان بكونه ينتمي لأحد الأعداء التاريخيين للحضارة المصرية القديمة، ويتسابق مع يوسف الجمال للوصول الى هذا السر الكبير، ويهدد آسر بقتل ابنة يوسف الصغيرة ليجبره على العمل معه للوصول إلى السر، ويغادران إلى الفاتيكان ويتمكنان من دخول الأرشيف السري، ويصل يوسف إلى إحداثيات موقع غرق الغواصة في المحيط الهادي قبالة سواحل السلفادور.
فور اكتشاف الشرطة الإيطالية اقتحام أرشيف الفاتيكان تدور مطاردات بينها وبين يوسف وآسر وفريقهما، استعرض خلالها بيتر ميمي وطاقم العمل امكانياتهم الفنية الكبيرة لصناعة مطاردات سيارات عالية التقنية في شوارع روما الضيقة، تنتهي بتمكن يوسف ورفاقه من الهرب بعد تبادل إطلاق النار بين الطرفين.
حشد المخرج بيتر ميمي عددا كبيرا من النجوم وكبار الفنانين كضيوف شرف في العمل، منهم: أمير كرارة وماجد الكدواني وكريم محمود عبدالعزيز، واستعان بنخبة من النجوم الصاعدين، حيث لعب الفنان مصطفى غريب الذي تألق مؤخرا في كوميديا “أشغال شقه جدا” دورا طريفا كأحد العاملين في الفاتيكان من أصل مصري، بينما جسد الفنان أحمد غزي، والذي لفت الأنظار بدوره المتميز في دراما “قهوة المحطة” في رمضان الماضي، دور مارو شقيق مريم المقيم في إيطاليا ويحترف السرقة ويعاون يوسف في مهمته بالفاتيكان، إضافة إلى عصام السقا وجسد دور الغواص الذي ينضم لفريق يوسف في العثور على حجر مخبأ بالغواصة الروسية الغارقة.
من إيطاليا يتوجه يوسف وآسر وفريقهما إلى السلفادور، حيث تزيد جرعة الحركة “الأكشن” في الفيلم عبر اصطدام الفريق بالمافيا في السلفادور، في مشاهد عدة تحتوي على مروحيات وتفجيرات وهروب عبر الأدغال ليتمكنوا في النهاية من الوصول إلى الحجر المخبأ بالغواصة الروسية، ويفيد بوجود غرفة سرية في إحدى غرف الدفن بالهرم الأكبر، وتحتوي على سر بناء الهرم.
وعند وصول يوسف وآسر يتمكن الأول من فتحها عبر كود صوتي يتمثل في رنين بذبذبات محددة لتفتح كوة أسفلهما ليجدا نفسيهما في الغرفة المنشودة التي يعثر فيها يوسف على برديات تؤكد أن الهرم هو مفاعل نووي لتوليد الطاقة في مصر القديمة، الأمر الذي يثير حفيظة آسر ليسرق البرديات لإخفاء هذه الأسرار المهمة للبشرية، ويحاول إطلاق النار عليه، إلا أن جدارا سريا يسقط على آسر ليلقى مصرعه وكأنه أحد أوجه لعنة الفراعنة التي تقتل كل من يريد سوءا بالحضارة الخالدة.
يختتم الفيلم أحداثه بلقاء يظهر فيه النجم أمير كرارة الذي يلعب دورا غامضا ليسلم عالم المصريات يوسف ملفا كبيرا تحت عنوان “الخروج – هارون” في دلالة واضحة لنية صناع العمل إنتاج جزء ثاني للفيلم.
نظرية بناء الأهرامات
نجح بيتر ميمي في انتقاء فريق عمل متناغم بشكل كبير، بدا واضحا على الشاشة، وتم توظيف هذا الحشد من النجوم في إطلالات تخدم العمل، فضلا عن اختياره الموفق لطاقم تصوير الفيلم وإسناد الموسيقى التصويرية للمبدع التونسي أمين بوحافة لصناعة موسيقى تصويرية متميزة للفيلم.
وتغوص أسرار بناء الأهرامات في بحر متلاطم الأمواج من النظريات التي ذهب إليها عدد من العلماء حول سر وتاريخ بنائها، وهى نظريات تختلف كثيرا عن كونها بنيت كمجرد مقابر للملوك خوفو وخفرع ومنكاورع منذ نحو خمسة آلاف عام. وأحد هذه النظريات تلك التي بنى عليها المخرج والمؤلف بيتر ميمي سرديته على أن الهرم مفاعل عملاق لتوليد الطاقة في مصر القديمة. وهي نظرية يدعمها بشدة عالم الفيزياء الأشهر نيقولا تسلا ويضيف إليها نظريته بكون الأهرامات بنيت لتخدم غرضًا ساميًا أكبر بكثير من كونها مقابر فرعونية، وتساءل فيما إذا كانت هذه الأهرامات العظيمة عبارة عن مفاعلات عملاقة للطاقة، وقد تزامنت هذه الأفكار مع أبحاث تسلا المهمة المتعلقة بكيفية إرسال الطاقة لاسلكيًا.
وقدمت هوليوود عددا كبيرا من الأعمال السينمائية المهمة التي تدور أحداثها حول علماء آثار يحاولون كشف أسرار عدد من الحضارات القديمة، في مقدمة هذه الأعمال سلسلة “إنديانا جونز” المكونة من خمسة أجزاء، وقفزت عبر إيراداتها الكاسحة بنجمها هاريسون فورد إلى التربع على عرش نجومية هوليوود منفردا لنحو عقدين.
وتدور السلسلة حول شخصية دكتور جونز الذي يعمل في كل جزء منها على فك شيفرات آثار إحدى الحضارات القديمة، علاوة على ثلاثية نجم هوليوود توم هانكس التي لعب فيها دور البروفيسور روبرت لانغدون الذي يتصدى لفك الغاز متعلقة بالفاتيكان، وهي ثلاثية مستوحاة من روايات الكاتب العالمي دان براون وبدأت بفيلم “شفرة دافنشي” عام 2006 ثم “ملائكة وشياطين” وعرض عام 2009 وصولا إلى الجزء الثالث الذي عرض تحت اسم “الجحيم” عام 2016.
يفتح فيلم “المشروع X” الباب أمام قصص سينمائية تطرح بجرأة أفكارا خارج الصندوق المعتاد للسينما المصرية خلال الثلاثة عقود الماضية، وتعيد للأذهان جرأة الحكايات السينمائية المصرية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويفتح العمل أيضا أبواب الجدل والنقاش حول الأفكار التي يدور الطرح في فلكها، وهو أمر مهم للتجديد المستمر لدماء أفكار وأطروحات السينما، يتواكب مع الكثير من السرديات السينمائية العالمية المثيرة للجدل، واقتحمت ولا تزال بجسارة متناهية مناطق ملتهبة من الموروثات التاريخية المسكوت عنها.