منوعات
تحالف التصميم والذكاء الاصطناعي مع جوني آيف وسام ألتمان
تعتزم شركة "أوبن إيه آي" الاستحواذ على شركة ناشئة متخصصة في تطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي، أسسها المصمم الشهير جوني آيف، الذي كان من أبرز الأسماء في أبل. ووفقاً لتقرير نشرته بلومبيرغ، تسعى “أوبن إيه آي” من خلال هذا التحالف إلى دخول قطاع الأجهزة الذكية بقوة.
وتمثل هذه الصفقة، وهي الأكبر في تاريخ “أوبن إيه آي”، خطوة إستراتيجية تمنح الشركة وحدة مستقلة لتصميم وتطوير أجهزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتُعرف الشركة الناشئة باسم “آي أو”، التي تدار بسرية كبيرة، ويضم فريقها نخبة من المصممين السابقين في أبل، ممن ساهموا في ابتكار منتجات أيقونية مثل “آيفون”.
وفي مقابلة جمعت جوني آيف والرئيس التنفيذي لـ”أوبن إيه آي”، سام ألتمان، قال آيف “أشعر أن كل ما تعلمته طوال ثلاثين عاماً قد قادني إلى هذه اللحظة. إنها شراكة إبداعية أؤمن بأنها ستثمر عن العديد من الابتكارات”.
وبالنسبة إلى آيف، المولود في بريطانيا، تعني هذه الخطوة عودته إلى مجال التكنولوجيا الاستهلاكية، الذي كان له دور أساسي في تشكيله. فقد عمل لسنوات جنباً إلى جنب مع ستيف جوبز، وكان وراء تصميم منتجات بارزة مثل “آيبود” و”آيباد” و”أبل ووتش”، قبل مغادرته أبل في عام 2019.
ورغم تصريحات الرئيس التنفيذي لأبل تيم كوك حينها بأن التعاون مع آيف سيستمر، إلا أن هذا التعاون لم يسفر عن منتجات ملموسة. أما الآن، فإن آيف يبدأ مرحلة جديدة مع ألتمان، الذي وصفه بـ”صاحب الرؤية النادرة”.
"آي أو" ستوفر لفريق "أوبن إيه آي" نحو 55 من المهندسين والمطورين للعمل على تطوير سلسلة من الأجهزة الجديدة
وكان ستيف جوبز قد وصف آيف في وقت سابق بأنه “شريكه الروحي”، وهو ما يسلّط الضوء على أهمية انخراط آيف في تصميم منتجات قد تنافس مباشرة أجهزة أبل، التي تعاني حالياً في سباق الذكاء الاصطناعي. من جانبه، عبّر ألتمان عن ثقته قائلاً “لو كان جوبز حياً، لكان فخوراً جداً بهذه الخطوة”.
وأضاف ألتمان أن “أوبن إيه آي” تطمح إلى تطوير أجهزة استهلاكية بجودة غير مسبوقة، معتبراً الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في قدرات البشر، يتطلب شكلاً جديداً من الحوسبة لاستخراج كامل إمكاناته.
ومن المتوقع إتمام صفقة الاستحواذ خلال الصيف، بعد الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة. وستوفر “آي أو” لفريق “أوبن إيه آي” نحو 55 من المهندسين والمطوّرين وخبراء التصنيع، للعمل على تطوير سلسلة من الأجهزة الجديدة. وأوضح آيف وألتمان أنهما بدأ بالفعل العمل على بعض الأفكار الأولية منذ عامين.
ويتوقّع أن يكون أول جهاز من إنتاج هذا الفريق منتجاً مبتكراً كلياً. وقال آيف “الناس يتطلعون إلى شيء جديد، وهناك شعور عام بعدم الرضا تجاه ما هو متوفر حالياً.” ومن المقرر إطلاق أول جهاز بحلول عام 2026.
بعد مغادرته أبل، أسس آيف شركة التصميم “لاف فروم”، التي تضم فريقاً من المهندسين والمصممين الذين سبق لهم العمل في أبل، بالإضافة إلى شركاء تعاونوا معه سابقاً. وفي عام 2023، شارك آيف في تأسيس “آي أو” مع ثلاثة من زملائه السابقين في أبل: سكوت كانون، إيفانز هانكي، وتانغ تان، الذين لعبوا أدواراً رئيسية في تصميم “آيفون” و”أبل ووتش”.
وتعمل “آي أو” على تطوير وتصنيع أجهزة مصممة لعصر الذكاء الاصطناعي العام، حيث تصل التكنولوجيا إلى مستويات معرفية تشابه قدرات البشر. سينتقل هذا الفريق الآن إلى “أوبن إيه آي”، في خطوة قد تشكل تهديداً مباشراً لأجهزة ساهموا هم أنفسهم في ابتكارها سابقاً.
"أوبن إيه آي" تحوّلت إلى قوة رائدة في الذكاء الاصطناعي بعد إطلاق "تشات جي بي تي" في 2022، لترتفع قيمتها السوقية إلى نحو 300 مليار دولار
هذا التحرك يمثل تحدياً جديداً لشركة أبل، التي تراجعت في سباق الذكاء الاصطناعي مقارنة بشركات أخرى في وادي السيليكون. فقد أطلقت أبل مؤخراً نظاماً للذكاء الاصطناعي، لكنه لا يزال دون مستوى أنظمة منافسة، ويعتمد جزئياً على “تشات جي بي تي” لسد بعض الفجوات.
ورغم هذه التطورات، لا يرى آيف وألتمان أن الهواتف الذكية ستندثر قريباً. قال ألتمان “كما لم يُلغِ الهاتف الذكي الحاجة إلى الحاسوب المحمول، فإن منتجنا الأول لن يقضي على الهاتف الذكي.” وأضاف آيف “الهاتف بصيغته الحالية مذهل، لكن الذكاء الاصطناعي سيغير طرق التفاعل معه جذرياً”.
تأسّست “أوبن إيه آي” قبل نحو عقد كمؤسسة بحثية، لكنها تحوّلت إلى قوة رائدة في الذكاء الاصطناعي بعد إطلاق “تشات جي بي تي” في 2022، لترتفع قيمتها السوقية إلى نحو 300 مليار دولار. وتسعى حالياً إلى توسيع وجودها من خلال استحواذات عدة، منها صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لشراء شركة “ويندسيرف” المتخصصة في برمجيات ترميز الذكاء الاصطناعي.
وفي إطار تعزيز هيكلها الإداري، عيّنت الشركة فيدجي سيمو، الرئيسة التنفيذية السابقة لـ”إنستاكارت”، في منصب الرئيسة التنفيذية للتطبيقات، لتكون مسؤولة مباشرة أمام ألتمان، ممّا يسمح له بالتركيز على الإستراتيجية العامة.
وذكرت هانكي، التي ستنضم إلى “أوبن إيه آي” برفقة تان وكانون، أن إطلاق “تشات جي بي تي” كان لحظة فاصلة جعلتهم يدركون أن تصميم الأجهزة في حاجة إلى إعادة نظر. وقالت “شعرنا أن هذه التقنية قد تكون الأهم في مسيرتنا المهنية”.
ورغم أن شركة “لاف فروم” ستظل كياناً مستقلاً، إلا أنها ستتولى تصميم كافة منتجات “أوبن إيه آي”، بما في ذلك البرمجيات. وكشف ألتمان أن أولى محادثاته مع آيف لم تكن حول الأجهزة، بل حول تحسين تجربة استخدام “تشات جي بي تي”.
ويضم فريق “لاف فروم” مصمّمين سابقين في أبل مثل باس أوردينغ، مايك ماتاس، وكريس ويلسون، الذين ساهموا في تصميم أنظمة تشغيل “ماك” و”آيفون”، وقد يشاركون في تطوير واجهات الجيل الجديد من تطبيقات “أوبن إيه آي”.
ومن المتوقع أن تواصل “لاف فروم” تقديم خدماتها لعملائها الحاليين مثل “فيراري” و”إير بي إن بي”، لكنها لن تتبنى مشاريع كبرى جديدة. أما داخل “أوبن إيه آي”، فسيتولى بيتر ويلندر قيادة فريق الأجهزة، تحت إشراف مباشر من ألتمان.
وأشار آيف إلى أن أحد أبنائه التوأم، تشارلي، هو من عرّفه على “تشات جي بي تي”، وقد شعر فوراً بأن عليه لقاء ألتمان. ومن المخطط أن يواصل الفريق الجديد عمله من مقر “آي أو” الحالي في حي جاكسون سكوير في سان فرانسيسكو، إلى جانب مكاتب “أوبن إيه آي”.
واختتم آيف قائلاً “لطالما شعرت أن أهم إنجازاتي لم تتحقق بعد، وكأنني كنت أتدرب لهذه اللحظة.” وشبّه هذه المرحلة بما كانت عليه أبل في أواخر التسعينات، قبل طرح “آيبود” و”آيفون”. وأضاف “أنا ممتن جداً لأننا وجدنا بعضنا البعض”.
ورغم أن آيف وألتمان لم يكشفا عن تفاصيل الأجهزة قيد التطوير، إلا أنهما يخططان لدخول سوق الذكاء الاصطناعي الاستهلاكي، التي ما تزال في بداياتها. فبينما حققت شركات مثل “ميتا” نجاحاً مع نظارات “راي بان” الذكية، واجهت منتجات أخرى مثل “هيومان إيه آي بين” و”رابيت أر1″ إخفاقات واضحة.
وختم آيف تعليقه قائلاً “هذه المنتجات كانت تفتقر إلى رؤية جديدة تُترجم إلى أجهزة حقيقية.” أما تان، الذي عمل على تطوير كل إصدار من “آيفون”، فأكد أن الفريق الجديد لا يحمل أيّ عبء تقني سابق، ما يمنحه الحرية لإعادة تصور هذا المجال بالكامل. ومع ذلك، أقر ألتمان بأن تطوير جهاز فعلي سيستغرق وقتاً، لكنه قال “سيكون الانتظار مجدياً. إنها مهمة طموحة بجنون”.