اخبار الإقليم والعالم

الطلاق الغيابي انتهاك لحقوق المرأة ويتطلب مواجهة المؤسسة الدينية لإنهائه

وكالة أنباء حضرموت

"لم تستطع إثبات العلاقة الزوجية أو الطلاق الغيابي"، هكذا يمكن تلخيص أزمة الإعلامية المصرية بوسي شلبي مع ورثة الفنان المصري الراحل محمود عبدالعزيز، ما حوّل القضية إلى أزمة تشغل الرأي العام واستثمرتها دوائرة برلمانية وحقوقية ومنظمات نسائية لتأكيد مشروعية المطالبة بإلغاء الطلاق الغيابي الذي أصبح يفرض واقعا مريرا ومستقبلا غائما يطارد بعض السيدات في مصر، بينما تخشى الحكومة الدخول في مواجهة محتدمة مع المؤسسة الدينية.

كان الفنان الراحل محمود عبدالعزيز متزوجا من الإعلامية بوسي شلبي في تسعينات القرن الماضي، ووفق بيان صادر عن ابنيه الفنانين (محمد وكريم)، فإن والدهما قام بتطليق بوسي غيابيا بعد الزواج بشهر ونصف الشهر فقط، وبالتالي لا يحق لها أن ترثه لأنها لم تكن زوجته وقت الوفاة، وردت الإعلامية بأنها لم تعلم بطلاقها غيابيا وعاشت معه حتى وفاته، وهي قضية أحيت الجدل المحتدم حول خطورة الطلاق الغيابي.

أصبحت الأزمة بين الطرفين محل نزاع قضائي، حيث يدعم بوسي شلبي في القضية العديد من الفنانات اللاتي كن مقربات من علاقتها الزوجية بالراحل محمود عبدالعزيز، وأكدن أنهما عاشا معا بشكل طبيعي كزوجين حتى يوم وفاته عام 2016، بينما قدّم ابناه للمحكمة ما يفيد بأن الأب طلّقها عام 1998 غيابيا وثبت ذلك في السجلات، ما صعّد المطالبة بإصلاح قوانين الأحوال الشخصية لتوثيق الطلاق والرجعة.

حدث واحد وأزمات عدة

أكدت تعليقات الكثير من السيدات على الفضاء الإلكتروني وجود أزمة تعاني منها شريحة كبيرة من النساء ترتبط بتداعيات الطلاق الغيابي، وكشفت شهادات عدة وقوع حالات مشابهة لأزمة بوسي شلبي اكتشفن بعد وفاة الزوج أنهن كن مطلقات دون علمهن، مع أن قانون الأحوال الشخصية المطبق يُلزم الرجل بتوثيق الطلاق خلال شهر واحد من وقوعه، وإبلاغ المرأة بشكل رسمي، وهو ما لا يفعله العديد من الرجال.

وانتفضت أعضاء بمجلس النواب المصري للمطالبة بحتمية إدخال تعديلات جذرية على قانون الأحوال الشخصية لمنع الطلاق الغيابي كليا، بحيث يكون الانفصال في حضور الزوجين أمام القضاء الأسري، ووضع ضوابط لرد الزوجة بعد الطلاق بموجب أوراق ثبوتية خلال فترة العدة التي يمكن للزوج الرجوع فيها عن الطلاق، لأن استمرار الطلاق الغيابي يعرض المرأة لخديعة كبرى تخسر معها كل شيء.

ومن المقرر أن يناقش مجلس النواب قريبا مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد للمسلمين والمسيحيين، وهي فرصة تسعى النساء والمنظمات الحقوقية إلى استغلالها لوضع نص قاطع يُلزم الرجل بإخطار زوجته بالطلاق الغيابي، أو ينهي هذا النوع من الطلاق ليكون الانفصال في حضور الزوجة، لأن هناك وقائع احتيال يكون فيها المأذون شريكا في خديعة المرأة بعدم إبلاغها بوقوع الطلاق بالاتفاق مع الزوج.

وعكست أزمة الإعلامية بوسي شلبي عمق الأزمة التي تعاني منها شريحة معتبرة من النساء في المجتمع، سواء ما يتعلق بالطلاق الغيابي أو حتى مسألة الرجعة بعد الطلاق، فكلاهما لا يتم توثيقه بشكل رسمي، أمام الثغرات القانونية العديدة التي تقف الحكومة أمامها شبه عاجزة عن التدخل، لأسباب مرتبطة برفض المؤسسة الدينية إلغاء الطلاق الغيابي أو تجنب فتح ملف مثل الأحوال الشخصية في توقيت حرج.

ويرى متخصصون في شؤون الأسرة أن تقنين الطلاق الغيابي أو إلغائه ليس معضلة، المهم توافر إرادة حكومية تفرض على المجتمع بعقليته الذكورية أن يحترم حقوق المرأة في توثيق انفصالها وعودتها إلى زوجها مرة ثانية، ومهما كانت هناك تحفظات من مؤسسات دينية تنصب نفسها وصية على التشريعات الأسرية، لا يعني الاستسلام لرؤى فقهية ضيقة تزعم أن الإسلام لم يشترط التوثيق واكتفى بالطلاق الشفهي.

وبنفس منطق هؤلاء، لا يقبل الإسلام تحت أي مسمى أو مبرر أن تعيش المرأة مخدوعة لسنوات طويلة مع رجل يوهمها بأنها زوجته، ثم تكتشف بعد وفاته أنها طلقت غيابيا، لتدخل في دوامة البحث عن حقوقها القانونية والشرعية والمجتمعية، وفوق كل ذلك تعاني من الوصمة والاتهامات الأخلاقية من شريحة ذكورية تطعن في سلوكياتها بأنها عاشت متزوجة عرفيا، دون اكتراث أو اقتناع بأنها ضحية للخداع.

رسالة واقعية مؤلمة
إذا كانت أزمة بوسي شلبي تخصها، فهي تحمل رسالة واقعية مؤلمة تعبّر عن حال الكثير من النساء اللاتي أصبحن في حاجة ملحة إلى تدخل حكومي وبرلماني حاسم يضع حدا للطلاق الغيابي حفاظا على كرامة المرأة وحقوقها وأولادها لأن النتائج كارثية وتضر بأطراف الأسرة وليس السيدات فقط. فإذا كانت المرأة تواجه المشكلة وحدها فماذا لو نتج عن تلك الخديعة أبناء واكتشفت الأم أنها طلقت قبل وفاة الزوج. وتستخدم شريحة معتبرة من الرجال الحق في إنهاء العلاقة وفق رغباتهم باللجوء إلى الطلاق الغيابي عبر استخدامه ذريعة لقهر النساء حرمانهن من الحقوق القانونية والشرعية لسنوات، والأدهى أن بعضهم يقرر عودة الزوجة مرة أخرى دون أن يوثق مسألة الرجوع عند المأذون أو يُبلغ نفس المحكمة الأسرية التي طلّق من خلالها، بأنه أعاد الزوجة إلى عصمته، ووقتها لا تستطيع المرأة إثبات الطلاق أو الرجوع.

وأكدت انتصار السعيد الناشطة الحقوقية في قضايا العنف ضد المرأة أن قانون الأحوال الشخصية بحاجة إلى تعديل عاجل ينهي الطلاق الغيابي، مع توثيق رجعة المطلقة إلى زوجها بعقد رسمي لحفظ حقوقها الشرعية والقانونية والإنسانية والاجتماعية، ولا بديل عن أن يكون الطلاق بإرادة الزوجة أمام القاضي الأسري بعيدا عن احتكار الرجل للوقت والطريقة دون علم المرأة بما يفعل.

قانون الأحوال الشخصية بحاجة إلى تعديل عاجل ينهي الطلاق الغيابي، مع توثيق رجعة المطلقة إلى زوجها بعقد رسمي

وأضافت لـ”العرب” أن هناك حالات كثيرة لطلاق غيابي تقود إلى مآس نسائية مستدامة، وهذا يفرض على المرأة أن تتمسك بتوثيق الرجعة والطلاق أيضا، لأن الطلاق الغيابي من أسوأ مظاهر ظلم المرأة وتهديد حاضرها ومستقبلها، حيث يسلبها حق العيش حياة طبيعية ومعرفتها إن كانت متزوجة أم مطلقة، ومن الحكمة استحداث نصوص تحفظ كيان المرأة، وإلغاء أي ثغرة تعرضها لخديعة قد تشمل الأبناء أيضا.

وقاد هذا الواقع المرير إلى أن تكون هناك زوجات معلقات، لا هن متزوجات ولا مطلقات، وتلك مبررات كافية تستند إليها برلمانيات وحقوقيات للضغط على الحكومة لأن يكون هناك تشريع لا يقر الطلاق، إلا إذا جرى توثيقه في المحكمة وتُبلغ المرأة بأنها مطلقة، على الأقل لا تعيش مخدوعة وتستفيد من الحقوق المنصوص عليها في القانون دون أن تكون بحاجة إلى إرهاق نفسها عناء البحث عن وثيقة تدعم موقفها.

ووثقت منظمات حقوقية معنية بحقوق المرأة الكثير من حالات استغلال للطلاق الغيابي من جانب الرجال بشكل غير أخلاقي، بأن يعيش الرجل مع المرأة داخل المنزل ويحصل على حقوقه الزوجية، وهي تصرفات صنفتها دوائر حقوقية بأنها ترتقي إلى جريمة اغتصاب متعمد، ويتم استغلال جهل الزوجة بأنها مطلقة ويتمادى الرجل في الاستمتاع بجسدها بلا وجه حق، وهي أزمة تهدد بعض الأسر وتحتاج إلى حلول جذرية.

وأثيرت في مصر من قبل واقعة صادمة تعبّر عن عمق أزمة الطلاق الغيابي عندما طالبت سيدة بمحاكمة زوجها السابق لأنه عاشرها كزوجة وحملت منه وفوجئت بالمصافة بأنه طلقها غيابيا وعاش معها بشكل طبيعي ونتج عن العلاقة الجنسية طفل، وتبين لها أنها حملت في تاريخ لاحق للطلاق الغيابي، وقررت المحكمة نسب الطفل للزوج لأن الأم لم تكن تعلم بالطلاق دون معاقبة الرجل على هذا الفعل المشين.

تحايل وخداع

يتعمد البعض من الرجال الذين يرغبون في السفر إلى دول أوروبية لا تسمح بتعدد الزوجات، القيام بتطليق زوجاتهم غيابيا دون إخطارهن بشكل رسمي من خلال المحكمة أو عن طريقة المأذون الشرعي، بحيث يستطيعون الزواج مرة ثانية لتكتشف الزوجة بمصر هذه الحيلة بالمصادفة، رغم أنها كانت تعيش على أمل عودة شريكها، بما يعرضها إلى صدمة أنها تحمل لقب مطلقة دون أن تدري أو تخطط لذلك.

وأوضحت انتصار السعيد أن القانون المدني سيظل الحل الوحيد لحماية حقوق المرأة، والمهم أن تكون هناك قناعة بوجود تشريع يقر بوقوع الطلاق أمام المحكمة، ولا يعتد به قبل توثيقه بحضور الزوجة، لا أن ينفرد الرجل بهذه الميزة وحده، إذ توجد شريحة من السيدات لا يرغبن في الطلاق ومستعدات للتضحية ويتفاجأن بالطلاق الغيابي، وبالتالي من الظلم أن تكون تلك مكافأة لهن على التضحية لحفظ كيان الأسرة.

وتعول النساء المصريات على تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي باعتباره اعتاد رفض أي تشريعات ظالمة للمرأة، في أن يطلب من الحكومة تقديم تشريع إلى البرلمان يقضي بحل أزمة الطلاق الغيابي كجزء أصيل من حقوقها الشرعية والإنسانية والاجتماعية، وإن كانت هناك ممانعات دينية أو ذكورية، لأن المخاطر التي تتعرض لها الأسرة تستدعي وقفة جادة بعيدا عن اختزال المشكلة في كونها أزمة نسائية.

تقنين الطلاق الغيابي أو إلغائه ليس معضلة، المهم توافر إرادة حكومية تفرض على المجتمع أن يحترم حقوق المرأة

وترى حقوقيات معنيات بشؤون المرأة في مصر أن من غير الإنساني وجود قانون للأحوال الشخصية لا يتضمن نصا صريحا يلزم الرجل بإخطار زوجته مباشرة بأنه طلقها غيابيا، باعتبار أن هذه ليست مسؤوليته، ويكتفي بإبلاغ المأذون الشرعي بعنوان الزوجة، وفي حالة تعمده القيام بكتابة عنوان خاطئ أو مزور لمقر إقامة الزوجة لا تتم محاسبته، وهذا يصعب استمراره أمام تحول الطلاق الغيابي من مجرد وقائع فردية إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة.

وجزء من المشكلة أن الحكومة المصرية تخشى اتهامها بالوقوف في صف طرف على حساب الآخر، فهي ترفض التدخل لنسف الطلاق الغيابي من قانون الأحوال الشخصية لوجود مطالبات ذكورية مضادة، تطالب بإلغاء الخلع الغيابي الذي تقوم به المرأة ضد زوجها دون أن يعلم، ويُفاجأ بأنه أصبح مطلقا بحكم غيابي، ما يفرض عليها أن تتحرك بشكل متوازن يراعي المصلحة الأسرية والمجتمعية دون الخوف من أي طرف يروق له الوضع الراهن.

ومهما كانت الحكومة أكثر حكمة وعقلانية وإنسانية بمساندة المرأة في مواجهة الظلم الذكوري الواقع عليها، ستظل الأزمة الأكثر تعقيدا مرتبطة باستمرار الممانعات من بعض رجال الدين للقضاء على الطلاق الغيابي بدعوى أن الطلاق، بعيدا عن الشكل والطريقة، حق للزوج، بلا إدراك لتبعات هذا النهج القاسي على المرأة، عندما تعيش سنوات طويلة في خدعة زوجية لتكتشف أنها مطلقة دون سابق إنذار.

الخلية الإنسانية تجهز مشروعا لتوفير المياه في ذو باب المندب


تمسك الحوثيين بإعادة فتح مطار صنعاء رسالة طمأنة للأنصار


الملك محمد السادس: إحياء البناء المغاربي ضرورة اقتصادية وإستراتيجية


قتلى في هجوم إرهابي على مخفر شرطة بدير الزور السورية