اخبار الإقليم والعالم
حل حزب العمال الكردستاني يرتّب ضغوطا على بغداد بشأن وجود القوات التركية في العراق
سارعت قوى سياسية عراقية معروفة بتوجسها من الانفتاح العراقي على تركيا وعدم رضاها عن التطور المتسارع في علاقة البلدين في عدة مجالات لاسيما المجال الأمني، إلى محاولة استثمار التطور النوعي في ملف حزب العمال الكردستاني في الضغط على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني باستخدام ورقة الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية والذي رأت تلك القوى أنه فقد مبرره بإعلان الحزب عن حل نفسه وإلقاء السلاح والتخلي عن العمل المسلح ضد تركيا.
وأعلن الحزب، الاثنين، قراره إنهاء أكثر من أربعين سنة من المواجهة العسكرية وحرب العصابات ضد القوات التركية وذلك بحل نفسه وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه وزعيمه عبدالله أوجلان المسجون في تركيا.
وما يزال من المبكر الحديث عن نتائج سياسية وأمنية فورية للقرار الذي ما يزال يفتقر إلى التفاصيل العملية والخطوات الإجرائية، كما لا يتوقع أن تبادر تركيا باتخاذ خطوات على الأرض في ضوئه ومن ذلك تعديل إجراءاتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية في مواجهة مقاتلي الحزب داخل أراضي العراق والتي اتخذوا منها على مدى عقود من الزمن موطنا لخوض حربهم الطويلة ضد الجيش التركي.
وعلى مدى سنوات طويلة أسست تركيا وجودا عسكريا مهمّا لها في عدد من مناطق شمال العراق وأقامت بنية تحية عسكرية، ووسّعت خلال السنوات الأخيرة ذلك الوجود كمّا ونوعا وامتدادا جغرافيا مستفيدة من حالة الوفاق بشأن مواجهة حزب العمال مع السلطة الاتحادية العراقية وكذلك مع سلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، الأمر الذي مثل دائما مصدر قلق ومثار احتجاج واعتراضات قوى عراقية شيعية بالأساس معروفة بموالاتها لإيران، ومتوجسة بالنتيجة من توسع النفوذ التركي في العراق والذي تعتبره خصما من رصيد النفوذ الإيراني في البلد.
من المبكر الحديث عن نتائج سياسية وأمنية فورية للقرار الذي ما يزال يفتقر إلى التفاصيل العملية والخطوات الإجرائية
وعملت القوات التركية بلا هوادة على محاولة اجتثاث مقاتلي حزب العمال خصوصا من أماكن تواجدهم الرئيسية في المناطق الجبلية شديدة الوعورة في كردستان العراق، وبادرت لأجل ذلك بإقامة عدد كبير من القواعد والنقاط العسكرية وربطها بشبكة من المسالك الممتدة أيضا صوب الأراضي التركية.
وتقدّر مصادر عسكرية واستخباراتية عدد المواقع العسكرية التركية بشمال العراق بأكثر من ثمانين موقعا تضم حوالي خمسة آلاف فرد بين جنود وضباط.
وأعاد القرار الأخير لحزب العمال إثارة ملف التواجد العسكري التركي على الأراضي العراقية والمطالبات بإنهائه.
ولا تعد مثل تلك المطالبات جديدة على الساحة السياسية العراقية لكنها باتت بعد قرار الحزب تحظى بسند واقعي، فضلا عن كون الملف يمثل ورقة ضغط مناسبة بيد خصوم السوداني ومنافسيه في مرحلة المسير نحو الانتخابات البرلمانية وهي فترة تتسم عادة بكثرة الجدل والمزايدات السياسية.
وتعمل قوى من داخل العائلة السياسية لرئيس الوزراء على ترويج صورة للأخير باعتباره طيّعا للضغوط التركية وضعيفا في الدفاع عن حقوق العراق في ما يتعلق بحصته من مياه نهري دجلة والفرات ومنع التواجد العسكري الأجنبي على أراضيه.
وعلى هذه الخلفية طالبت ميليشيا عصائب أهل الحق بالشروع الفوري في إخراج القوات التركية من الأراضي العراقية.
المطالبات بإخراج القوات التركية من العراق ليست جديدة لكنها باتت بعد قرار حزب العمال تحظى بسند واقعي
وأصدر زعيم الميليشيا قيس الخزعلي، الاثنين، بيانا رحّب فيه بإعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، معتبرا أن هذا القرار “أنهى كل أسباب وذرائع احتلال الجيش التركي لمناطق واسعة بلغت مساحتها أكثر من خمسة آلاف كيلومتر مربع من الأرض العراقية، وإنشاء أكثر من مائة وثلاث وثمانين قاعدة عسكرية في أراضي محافظتي دهوك وأربيل إضافة إلى قاعدة بعشيقة في محافظة نينوى.”
وطالب الخزعلي في بيانه الحكومة والبرلمان العراقيين باتخاذ “كل الإجراءات التي تضمن سيادة العراق، من خلال البدء فورا باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان الجلاء الكامل لكل القوات التركية وعناصر حزب العمال من الأراضي العراقية.”
وفي ذات السياق رأى علي نعمة عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أنّ “تركيا باتت ملزمة بسحب قواتها العسكرية المحتلة من شمال البلاد بعد قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه،” داعيا أنقرة “لوقف هجماتها المتكررة على سيادة العراق”.
كما دعا في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى “قيام الحكومة العراقية بإبرام اتفاقات أمنية وعسكرية جديدة مع تركيا بعد التطور الإيجابي بحل حزب العمال الكردستاني من أجل وضع حدّ لأيّ تجاوز تركي على سيادة العراق،” واصفا التواجد العسكري التركي في العراق بأنّه “احتلال ويجب أن ينتهي بشكل سريع”.
ولا تشترك مختلف القوى السياسية في إقليم كردستان العراق في نفس الموقف من وجود مقاتلي حزب العمال داخل أراضي الإقليم ومن الجهد العسكري التركي في مواجهتهم.
مصادر عسكرية واستخباراتية تقدّر عدد المواقع العسكرية التركية بشمال العراق بأكثر من 8 موقعا تضم حوالي 5 آلاف فرد بين جنود وضباط
ويتبنّى الحزب الديمقراطي الكردستاني موقفا مستمدا من منظوره لاستقرار الإقليم والعراق ككل وكانت لقيادته ممثلة بزعيمه مسعود بارزاني مساهمة في مسار السلام الذي بدأ بين حزب العمال وتركيا، وعلى الطرف المقابل ظل الاتحاد الوطني الكردستاني موضع اتهامات من قبل أنقرة بمساعدة مقاتلي الحزب في حربهم ضدّ القوات التركية.
ويعتبر الاتحاد الذي يتزعمه بافل طالباني أقرب في مواقفه السياسية للأحزاب الشيعية القائدة للنظام العراقي والحليفة لإيران.
ولهذا السبب كان موقف الاتحاد الوطني من التطورات الأخيرة المتعلقة بحزب العمال قريبة أيضا من مواقف تلك الأحزاب حيث دعا القيادي في الاتحاد محمود خوشناو الحكومة العراقية ووزارة الخارجية إلى التحرك الفوري لإخراج القوات التركية من الأراضي العراقية، وذلك بعد قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه ونزع سلاحه.
وقال خوشناو لوسائل إعلام محلية “الأكراد لا يترددون عندما تتاح لهم فرصة حقيقية للسلام، وقرار حزب العمال الكردستاني بقبول التفاوض والانخراط في عملية السلام يعد خطوة مهمة تحسب له، وينبغي أن تنعكس إيجابا على دول المنطقة“.
وأضاف “الكرة الآن في ملعب تركيا التي يجب أن تسعى لتعزيز الديمقراطية وضمان حقوق وواجبات متساوية للجميع دون تمييز. كما أن إنهاء الوجود المسلح وسحب القواعد العسكرية التركية من الأراضي العراقية أصبح ضرورة ملحة“.
وأكد أن “زمام المبادرة في هذا الملف يجب أن يكون بيد الدولة العراقية” معتبرا أنّ المسألة متوقّفة على “قوة الموقف العراقي خلال عملية التفاوض وأنّه ينبغي إنهاء هذا الملف نهائيا إذ طالما استخدم كذريعة لبقاء القوات التركية في شمال العراق“.
وشدد على أن “الحكومة والجهات المعنية وبالأخص الدبلوماسية العراقية، يجب أن تكون أكثر نشاطا، إذ لا يوجد مبرر لبقاء أيّ جندي تركي على أراضي العراق ويجب إغلاق هذه القواعد نهائيا وبدء تحرك دبلوماسي فوري” لتحقيق ذلك.