تقارير وحوارات
أزمة الخدمات في عدن تطيح برئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا
قال أحمد عوض بن مبارك رئيس وزراء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا السبت إنه قدم استقالته، في خطوة ناتجة عن الخلافات بينه وبين المجلس الانتقالي الجنوبي بسبب عجز الحكومة عن مواجهة أزمة الخدمات في عدن العاصمة المؤقتة التي تعمل فيها الحكومة، وهي في نفس الوقت مقر الانتقالي الجنوبي، وسط شكوك بأن سلبية الحكومة عن حل مشكلة الخدمات جزء من خطة للضغط على المجلس وإظهاره في موقع ضعف أمام أنصاره.
وتقول مصادر إن خلافا على الصلاحيات بين بن مبارك ورشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن قد عجّل بالاستقالة. وذكر بن مبارك في بيان أنه واجه “الكثير من الصعاب والتحديات لعل أهمها عدم تمكيني من العمل وفقا لصلاحياتي الدستورية في اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح عدد من مؤسسات الدولة، وعدم تمكيني من إجراء التعديل الحكومي المستحق”.
لكنه تدارك أنه حقق “الكثير من الإنجازات (…) لاسيما في مسارات الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد”. وكانت الاستقالة متوقعة منذ بداية الأسبوع. وقالت وسائل إعلام محلية إنّ توافقا داخل مجلس القيادة حدث حول تغيير رئيس الوزراء في محاولة للخروج من حالة الشلل التي أصيبت بها الحكومة إثر تصاعد الخلافات بين بن مبارك والعليمي وأعضاء في مجلس القيادة من ناحية، والخلافات بين بن مبارك وأعضاء في حكومته والتي حالت دون عقد أيّ اجتماع بحضور كافة الأعضاء منذ قرابة نصف سنة.
ويرى مراقبون أن العنصر الأهم هو التوتر بين بن مبارك والمجلس الانتقالي بسبب تلكؤ الحكومة في حل مشكلة الخدمات، ما بدا وكأنها استهداف للمجلس وإحراج له أمام جمهوره. ودخل بن مبارك مؤخّرا في سجال غير مباشر مع المجلس الانتقالي الذي حمّله مسؤولية الأزمة ليردّ هو متهما منتقديه بالتوظيف السياسي لهموم السكان ومعاناتهم.
◙ الاستقالة ناتجة عن التوتر بين بن مبارك والمجلس الانتقالي بسبب تلكؤ الحكومة في حل مشكلة الخدمات، ما بدا وكأنه استهداف للمجلس
وشهدت مدينة عدن وعدد من المناطق التابعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا خلال الأيام الأخيرة موجة احتجاجات شعبية أطلق شرارتها تردّي الخدمات العامة وانهيارها شبه الكامل وطول الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها الحادّة على الحياة اليومية للسكان.
وجرّت موجة الاحتجاج التي بلغت ذروتها مع الانقطاع التام للكهرباء عن عدن ومناطق أخرى حالة طوارئ سياسية تجلّت بوضوح لدى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تُمثّل عدن المركز الرئيسي لنفوذه وعاصمة الدولة المستقلة التي يعمل على إنشائها، والذي سارع إلى عقد اجتماع لقيادة السلطة المحلية حمّل خلاله مسؤولية الأزمة للسلطة الشرعية وحكومتها.
ودفع انقطاع الكهرباء بشكل متواصل لفترات بلغت العشرين ساعة أعدادا كبيرة من سكان عدن للخروج إلى الشارع معبّرين عن سخطهم تجاه السلطات ومطالبين بسقوط الحكومة. وقام المحتجون بقطع الطرقات في مدينة كريتر ومديرية المنصورة مرددين هتافات مطالبة بمحاسبة الجهات المسؤولة عن تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية.
وشملت الاحتجاجات محافظة لحج شمالي عدن والتي عانت بدورها من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من ثمانية أيام متتالية كما شملت أيضا محافظة أبين شرقا والتي عانى سكانها من نفس الأزمة. واستدعى توتّر الوضع تدخلّ السلطات الأمنية للقيام بحملات توقيف لعناصر متهمة باستغلال الاحتجاجات لإثارة الفوضى وممارسة التخريب والنهب وفقا لمصادر أمنية.
ونقلت وسائل إعلام ناطقة بلسان المجلس عن علي عبدالله الكثيري، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس الجمعية الوطنية، القول إنّ هناك “قوى معادية تسعى لاستغلال حالة السخط الشعبي بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار ومحاولة تحميل المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الأمنية تبعات التدهور الراهن،” مؤكدا أن “تلك الجهات تعمل وفق أجندات مكشوفة ولن تتمكن من النيل من تماسك الجبهة الداخلية الجنوبية ولا من صمود العاصمة عدن”.
وقالت مصادر حكومية لرويترز إن استقالته تأتي في أعقاب صراع مع رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن بشأن الصلاحيات المخولة له بعد رفض العليمي طلب بن مبارك إقالة 12 وزيرا في الحكومة. وتم تعيين وزير المالية سالم صالح بن بريك رئيسا جديدا للوزراء.
◙ استقالة بن مبارك جاءت في وقت تكثف فيه واشنطن الغارات الجوية على الأصول العسكرية لجماعة الحوثي من أجل ردعها
وقال محمد الباشا من معهد Basha Report Risk Advisory الذي مقره في الولايات المتحدة لوكالة فرانس برس إن بن مبارك “كان على خلاف دائم” مع المجلس الرئاسي لأنه أراد الحصول على المزيد من السلطات. وأضاف أن “بن مبارك أراد أن يكون أكثر من رئيس للوزراء، وكان يريد سلطات الرئاسة. وهذا الطموح أدى إلى عزله سياسيا وتسبب بمواجهات متكررة مع وزراء رئيسيين ومعظم أعضاء المجلس”.
وعُين بن مبارك رئيسا للوزراء في فبراير 2024 بعد شغله منصب وزير الخارجية. وبرز اسمه عام 2015 عندما خطفته جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في أثناء عمله رئيسا لمكتب الرئاسة خلال صراع الحوثيين مع الرئيس عبدربه منصور هادي آنذاك. وسبق أن تولى رئاسة ديوان الرئاسة وكان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة.
وجاءت استقالة بن مبارك في وقت تكثف فيه الولايات المتحدة الغارات الجوية على الأصول العسكرية التابعة لجماعة الحوثي من أجل ردعها عن استهداف الشحن التجاري في البحر الأحمر. والهجمات الدامية التي تستهدف الجماعة منذ مارس هي أكبر عملية عسكرية أميركية في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في يناير.
وأعلنت جماعة الحوثي، مساء السبت، عن وقوع 9 غارات أميركية جديدة استهدفت محافظتي الحديدة ومأرب غرب وشرقي اليمن. وذكرت الجماعة في وسائل إعلام تابعة لها أن “العدوان الأميركي استهدف جزيرة كمران في محافظة الحديدة بغارتين، مع شن غارة على مديرية الصليف بالمحافظة”. وأضافت أن “6 غارات أميركية استهدفت مديرية مدغل في محافظة مأرب”.
واليمن غارق في حرب أهلية منذ أكثر من عقد. واستولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في 2014 وأطاحوا بالحكومة المعترف بها، مما أجبرها على الانتقال إلى مدينة عدن الساحلية جنوب البلاد. ويسيطر الحوثيون الآن على معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الرئيسية الكثيفة بالسكان في الشمال والغرب.