اعتذار تأخر 500 عام.. إسبانيا تعيد تصفية حسابها مع التاريخ الاستعماري
في بادرةٍ وصفت بأنها محاولة لتجاوز سنوات من الخلافات الدبلوماسية الحادة بين مدريد ومكسيكو سيتي، أعربت إسبانيا رسميًا عن أسفها
واعترافها بـ"الألم والظلم" اللذين تعرّض لهما السكان الأصليون في المكسيك خلال غزو القارة الأمريكية قبل خمسة.
جاء هذا الموقف الجديد خلال كلمة ألقاها وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في افتتاح معرضٍ أقيم في مدريد مخصص لنساء المكسيك من الشعوب الأصلية، حيث قال إن العلاقة التاريخية بين البلدين "تستحق التأمل بصدق وإنصاف"، مضيفًا أن التاريخ المشترك بين إسبانيا والمكسيك "قصة إنسانية مليئة بالضياء والظلال".
وتابع ألباريس قائلاً: "هناك ألمٌ وظلمٌ لحق بالسكان الأصليين الذين يُكرَّس هذا المعرض لذكراهم. نعم، هناك ظلم، ومن الصواب أن نعترف به اليوم وأن نأسف له، لأنه جزء من تاريخنا المشترك الذي لا يمكننا إنكاره أو نسيانه."
من رسائل الغضب إلى لغة المصالحة
هذا التحول في اللهجة الإسبانية يأتي بعد ست سنوات من توترٍ دبلوماسي بين البلدين، بدأ في مارس/آذار 2019 عندما وجّه الرئيس المكسيكي آنذاك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور رسالة إلى الملك فيليبي السادس وإلى البابا فرنسيس (رأس الكنسية الكاثوليكية آنذاك)، طالبًا منهما تقديم اعتذار رسمي عن "المجازر والقمع" اللذين رافقا الغزو والاستعمار الإسبانيين للمكسيك.
وقد أثارت تلك الرسالة غضب مدريد في حينه، حيث رفضت الحكومة الإسبانية الطلب، مؤكدة أن ما حدث قبل 500 عام لا يمكن الحكم عليه بـ"معايير الحاضر"، ودعت إلى النظر إلى التاريخ المشترك بين البلدين "من دون غضب، ومن منظور متوازن ومشترك".
مجموعة من السكان الأصليين
لكن التصريحات الجديدة الصادرة عن الحكومة الإسبانية تشير إلى تحوّل في المقاربة الرسمية، نحو اعترافٍ أكثر إنسانية ومسؤولية بما حدث خلال تلك الحقبة.
ترحيب مكسيكي حذر
في المقابل، رحّبت رئيسة المكسيك الحالية كلوديا شينباوم بتصريحات الوزير الإسباني، معتبرةً أنها خطوة أولى في الاتجاه الصحيح نحو الاعتراف بالأخطاء التاريخية.
وقالت: "إنها خطوة أولى تعبّر عن أهمية ما كنا نقوله دائمًا: أن الاعتذار يُشرّف الحكومات والشعوب، ولا يُهينها. على العكس، إنه دليل على النبل."
وأضافت شينباوم، التي أعادت التذكير برسالة سلفها أوبرادور، قائلة: "لقد وافقنا على مضمون الرسالة التي أرسلها الرئيس لوبيز أوبرادور، وما زلنا ننتظر الرد. ومع ذلك، فإن ما قاله وزير الخارجية الإسباني يمثل بداية مهمة نحو المصالحة، خاصة في هذا العام الذي أعلناه عام المرأة من الشعوب الأصلية."
صفحة من التاريخ لم تُغلق بعد
بدأ غزو المكسيك عام 1519 عندما قاد المستكشف الإسباني هيرنان كورتيس مئات الجنود المسلحين والمجهّزين بالخيول، ترافقهم أمراض قاتلة مثل الجدري، مستغلين الانقسامات الداخلية بين الشعوب الأصلية، ولا سيما الخلافات مع إمبراطورية الأزتك.
وبعد عامين فقط، سقطت تنوشتتلان (مكسيكو سيتي حاليًا) في أيدي الإسبان عام 1521، لتبدأ مرحلة جديدة من السيطرة الاستعمارية التي اتسمت بمحاولات تنصير السكان المحليين وتحويلهم إلى الكاثوليكية.
ومع أن هذه الأحداث تعود إلى أكثر من خمسة قرون، فإن آثارها السياسية والثقافية لا تزال حاضرة في الذاكرة المكسيكية، وتستمر في تغذية النقاشات حول الهوية والعدالة التاريخية.
اليوم، يبدو أن مدريد تحاول أخيرًا طيّ صفحة الماضي المظلم بقدرٍ من المصارحة والمسؤولية، في مسعى لإعادة بناء الثقة مع واحدة من أهم دول أمريكا اللاتينية التي كانت يومًا ما جزءًا من إمبراطوريتها الاستعمارية الواسعة.