تراجع دور مجلس حقوق الإنسان يربك المشهد الحقوقي في مصر
طرحت استقالة تقدمت بها رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) مشيرة خطاب أخيرا، العديد من التساؤلات حول المشهد المدني بمصر، وأخذ الاهتمام به منحنى تصاعديا الأسابيع الماضية بعد سنوات من الخفوت، عقب نجاح القاهرة في تجاوز ضغوطات مارستها جماعة الإخوان بعد الإطاحة بها من السلطة، حيث استجابت مصر للكثير من المطالب الدولية حول تحسين سجلها الحقوقي تدريجيا.
ومع أن مجلس حقوق الإنسان المصري استطاع تخطي فترات أكثر صعوبة وجرى تسليط الضوء عليه كهيئة حقوقية تتحدث باسم الحكومة، إلا أن التمهيد لخفض تصنيفه دوليا جاء في وقت باتت فيه الأوضاع السياسية والأمنية داخل مصر مستقرة، وهو ما كان يجب أن ينعكس على دوره، مع تراجع حدة الضغوط الخارجية وإمكانية قيامه بما هو منوط به كوسيط بين الحكومة المصرية والمجلس العالمي لحقوق الإنسان، والتحرك في مساحة أكبر لرصد الأوضاع الحقوقية بشكل أكثر واقعية.
وأعلن المجلس تقدم السفيرة مشيرة خطاب باستقالتها من رئاسة المجلس اعتبارا من مطلع هذا الأسبوع، لرغبتها في الترشح للعمل بإحدى المؤسسات الدولية، قبل ستة أشهر فقط على انتهاء مدتها القانونية في رئاسة المجلس، والذي قرر اختيار السفير محمود كارم للقيام بمهام رئيس المجلس خلال الفترة المتبقية.
وأوصت اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في نوفمبر الماضي، بخفض تصنيف المجلس إلى الفئة “ب”، وسط مخاوف من عدم التزام المجلس بمبادئ باريس، في ما يتعلق باستقلاليته وفعاليته وشفافيته، وجرى انتقاد ضعف استجابة المجلس لقضايا حقوق الإنسان الجوهرية، مثل الاختفاء القسري، ما أضعف من مهمته الأساسية.
وتراجعت التقارير الدورية التي يصدرها المجلس بشأن حالة حقوق الإنسان في السنوات الماضية، وانغمس كثيرا في قضايا فرعية لا تدعم إقناع المجتمع الدولي بحرصه على القيام بدوره، خاصة وأن القاهرة باتت أكثر قدرة على ضبط عمل المنظمات الحقوقية الممولة من الخارج وضيّقت الخناق عليها.
ولم يوظف المجلس ذلك بشكل إيجابي عبر رصد أوضاع حقوق الإنسان من وجهة نظر موضوعية دون تداخل للمال السياسي فيها، ما جعل مصر مؤخرا معرضة لانتقادات عدة في ملفات حقوقية، ولم تكن لدى المجلس قدرة على التعامل معها.
وحسب اللجنة الفرعية للاعتماد، فإن المجلس لم ينشر أي تقارير منذ عام 2020، ما يعوق تقييم أدائه من قبل المجتمع المدني والهيئات الدولية، ودعت إلى إصلاحات لضمان التوافق مع مبادئ باريس، وتشمل تعزيز استقلالية المجلس، وإصلاح آلية التعيين، وتحسين الاستجابة في الملف الحقوقي، والنشر المنتظم للتقارير العامة.
ويرى مراقبون أن استقالة رئيسة المجلس قبل وقت قصير من إجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في شهري أغسطس ونوفمبر المقبلين، تضع المزيد من المسؤوليات عليه، باعتباره يلعب دورا مهما في الإشراف الحقوقي على الانتخابات، وتولي شخصية حقوقية مؤثرة مثل السفير محمود كارم المسؤولية للفترة المقبلة هدفه تقديم صورة جيدة عن أداء المجلس، بما يساهم في إنقاذه دوليا.
وعقد المجلس القومي لحقوق الإنسان الأربعاء بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لقاءً حواريا موسعا مع عدد من ممثلي الأحزاب السياسية تحت عنوان “تضمين قيم ومبادئ حقوق الإنسان في برامج الأحزاب السياسية”، في إطار تعزيز ثقافة حقوق الإنسان داخل البنية السياسية، ودعم استقلال المجلس عبر مراجعة القانون المنظم له.
وقال مصدر حقوقي مطلع، تحدث لـ”العرب” شريطة عدم ذكر اسمه، إن ترشح مشيرة خطاب لمنصب دولي بجانب عدم تمسك الحكومة المصرية بها لعدم قدرتها على إدارة الملف الحقوقي بشكل جيد أجبرها على تقديم استقالتها في هذا التوقيت.
وأشار إلى أن المجلس يعاني حالة من الانقسام في المهام والرؤى بشأن التعامل مع قضايا حقوقية عديدة، مع وجود رغبات فردية في توجيه الاهتمام نحو ملفات ليست ذات أهمية كبيرة للمجتمع الدولي وأوضاع حقوق الإنسان السياسية في مصر.
وأوضح المصدر نفسه لـ”العرب” أن المجلس لم يقم بدوره كحلقة وصل بين الحكومة المصرية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، وهناك شكاوى تجاه مشكلات حقوقية لم يتم الرد عليها، ولم يسهم المجلس في الضغط لتحويل الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنتها الدولة منذ ثلاث سنوات إلى خطط يتم تنفيذها على أرض الواقع، ما قاد إلى زيادة الاتهامات الموجهة إليه، ومن خلفه الحكومة المصرية.
وذكر أن المجلس قدم وعودا بالضغط نحو التعامل مع قضايا الاختفاء القسري لم ينفذها، والضغط باتجاه حماية النشطاء ومنح فرص أكبر للمنظمات الحقوقية نحو الرصد والتوثيق، وهو أيضا لم يحدث، وزادت وتيرة الانتقادات من منظمات وجهات دولية شكلت ضغطا الفترة الماضية، وبدا استغراقه في إبراز الجهود المصرية الإيجابية في الحقوق الاقتصادية والمجتمعية طاغيا على الحقوق السياسية.
ويربط البعض من المتابعين بين الحملة الحقوقية التي شنها الحقوقي بهي الدين حسن رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وتربطه علاقة نسب بالناشط الحقوقي المصري علاء عبدالفتاح، وبين التطورات الأخيرة على مستوى مجلس حقوق الإنسان، ابتداء من خفض تصنيفه ونهاية باستقالة رئيسته، في وقت تشهد فيه قضية الحقوقي المصري الحاصل على الجنسية البريطانية علاء عبدالفتاح ضغوطا متصاعدة ضد السلطات المصرية للإفراج عنه.
وأعلنت الحكومة البريطانية الثلاثاء أنها “قلقة للغاية” إزاء صحة ليلى سويف، والدة علاء عبدالفتاح، بعد نقلها إلى المستشفى، مع استمرار إضرابها عن الطعام.
وذكر متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الحكومة البريطانية قلقة على صحة ليلى سويف، وستواصل حث الحكومة المصرية على الإفراج عن ابنها.
وأوضح عضو المكتب السياسي وأمين المجتمع المدني بحزب التجمع أيمن أنور أن الدور الحالي لمجلس حقوق الإنسان المصري لا تتماشى مع طبيعة اختصاصاته، ومن المفترض أن يكون لديه حضور على مستوى تدريب الجمعيات الأهلية الساعية للعب أدوار حقوقية في تقديم التدريبات اللازمة لها، وفقا لقانون الجمعيات الأهلية المصري، ويتيح أمام الجمعيات ممارسة أنشطة إغاثية وتنموية وحقوقية، وهو ما فتح الباب لقيام منظمات حقوقية تحصل على تمويلات من الخارج وتعمل بعيدا عن منظومة القانون في مصر بتوجيه انتقادات حادة للقاهرة.
وأكد لـ”العرب” أن جزءا من أسباب ارتباك المشهد الحقوقي بمصر أن الجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية التي تسعى للقيام بدورها في رصد الأوضاع الحقوقية وتحسينها تواجه تضييقا، في حين أن تلك المنظمات قادرة على أن تقدم تقارير تحظى بموضوعية تواجه التقارير الصادرة من جهات معادية للقاهرة.
وأصبح الوضع الراهن بحاجة إلى تقديم صورة حقيقية للحالة الحقوقية مع منح القانون السلطة لوزارة التضامن الاجتماعي لمعاقبة أي جمعية تنحرف في تقاريرها ومحاسبتها وفقا للقانون، إلى جانب تعزيز الرقابة الشعبية من خلال المجتمع المحيط بها.