حميدتي يلوح بتوسيع الحرب نحو الأبيض والشمال لقطع شرايين إمداد الجيش
أطلق قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بـ“حميدتي”، في تصعيد حاسم يُعيد رسم ملامح الصراع المشتعل في البلاد، تحذيرا حاسما بشن هجوم وشيك على مدينة الأبيض الاستراتيجية بولاية شمال كردفان (وسط) والولاية الشمالية الحدودية مع مصر.
وتزامن هذا التهديد مع إعلان حميدتي رفضه القاطع للعودة إلى محادثات جدة، موجها في الوقت ذاته اتهامات خطيرة بتورط قوى إقليمية ودولية في دعم الجيش السوداني، بما في ذلك مصر وإريتريا والحرس الثوري الإيراني، مما يُبرز أبعادا جيوسياسية جديدة تُهدد مستقبل البلاد وتُعقد أي مساع للسلام.
ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا أهلية طاحنة بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. بدأت الاشتباكات بعد تصاعد التوترات بين الطرفين حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتحولت إلى صراع مسلح أوقع آلاف القتلى والجرحى وتسبب في كارثة إنسانية ونزوح الملايين.
وتتركز قوات الدعم السريع حاليا حول مدينة الأبيض من ثلاث اتجاهات (الخوي، حمرة الشيخ، الحمادي)، بعد أن تمكنت من حشد مقاتلين من دارفور وكردفان واستعادة السيطرة على الخوي والدبيبات نهاية الأسبوع الماضي.
ويشير تلويح حميدتي بشن هجوم على الولاية الشمالية، بما في ذلك مدن مثل دنقلا ومروي والدبة، إلى توسيع استراتيجي خطير لرقعة الصراع.
وهذه المنطقة ظلت لفترة طويلة بعيدة نسبيًا عن الاشتباكات الكبرى، وبالتالي، فإن تهديد حميدتي يعكس نية الدعم السريع دفع الحرب إلى مناطق جديدة لم تتأثر بشكل مباشر بعد، لكن هذا التصعيد من شأنه أن يزيد من تعقيد المشهد الأمني والإنساني في البلاد بشكل كبير.
ويهدف هذا التهديد بشكل واضح إلى استهداف خطوط إمداد الجيش السوداني الحيوية، لكن تهديدات دقلو تنطوي على صعوبة في التحرك من الغرب إلى الشمال عسكريا وسط أزمات تواجهها قوات الدعم السريع وفقدان السيطرة على وسط السودان وقطْع غالبية خطوط الإمداد عنها. ويسعى من وراء ذلك إلى التغطية على هزائم ميدانية تعرضت لها قواته بتأكيد قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة وتوجيه دفة القتال إلى الجهة التي يحددها.
تُعد الولاية الشمالية، خاصة مدينة دنقلا، وهي نقطة محورية تشير تقارير إلى أنها تُستخدم كقاعدة جوية لإطلاق طائرات تدعم الجيش، بالتالي، فإن مهاجمة هذه الولاية يمكن أن يقطع شرايين الإمداد اللوجستية والعسكرية القادمة من الشمال، بما في ذلك من مصر.
وتعد هذه النوعية من التصريحات تهديدا غير مباشر لمصر التي لها موقف داعم للجيش السوداني، فوصول عناصر من الدعم السريع إلى الولاية الشمالية يعني الاقتراب من الحدود الجنوبية لمصر، بما يشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد، يحاول من خلاله دقلو أن يبعث إشارة تحث على ضرورة تحييد موقف القاهرة الراهن، أو إثارة مشكلات تتعلق بانسياب الحركة التجارية بين البلدين.
وفي خطاب مسجل بثته قناة الدعم السريع على تلغرام في وقت متأخر من مساء الاثنين، قال حميدتي موجها حديثه للجيش "لو فكرتم أن تستخدموا الأبيض كنقطة انطلاق لقصف دارفور وكردفان، نحن سوف نأتي إليكم، قوتنا جاهزة للتحرك في أي وقت".
ونصح سكان مدينة الأبيض بالبقاء في منازلهم وإغلاق متاجرهم وعدم الاقتراب من المواقع العسكرية، وهي ذات النصيحة التي قدمها لأهالي الولاية الشمالية التي أوضح أن قواته في طريقها لمهاجمتها.
وذكر أن قواته تملك قوائم تنوي استهدافها في مدن مروي والدبة ودنقلا بالولاية الشمالية، مشددًا على أن كل من يوالي الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي، والقياديين فيها أحمد هارون وأسامة عبدالله، "هدف مشروع لنا".
واعتبر حميدتي استعادة قواته السيطرة على الدبيبات بجنوب كردفان والخوي بغرب كردفان بمثابة “نصر عظيم”، معلنًا أن الدعم السريع دمرت 70 بالمئة من القوة الصلبة لمتحرك الصياد.
وأوضح أن متحرك الصياد كان يسعى لاستعادة السيطرة على النهود والخوي بغرب كردفان والضعين بشرق دارفور وفك الحصار عن الفاشر بشمال دارفور.
ويُعد متحرك الصياد من أكبر متحركات الجيش، استطاع استعادة مناطق حيوية في شمال كردفان منها أم روابة، وفك الحصار عن مدينة الأبيض، حيث إنه يضم معظم جنود وقادة الفرقة 16 مشاة في نيالا بجنوب دارفور.
وجدد قائد الدعم السريع اتهاماته لمصر بـدعم الجيش وإمداده بثماني طائرات يقودها طيارون مصريون تقلع من دنقلا لقصف كردفان ودارفور، واصفًا ذلك بـ"العدوان السافر على الشعب السوداني".
وكشف عن دخول 32 شاحنة عسكرية مصرية الأحد تحمل أسلحة وذخيرة ووقودًا للطيران، مؤكدا أن قواته ستواجه "أي تدخل خارجي يهدد السودان".
كما كشف حميدتي عن عودة العلاقات بين الجيش السوداني وإيران من أجل الدعم العسكري، مُشيرًا إلى تواجد "الحرس الثوري" ودعم الجيش من قبلهم، ومُحذرا من أن "السودان بات ينتج الإرهاب باحتضانه للجماعات الإرهابية" الموالية للنظام السابق وداعميه.
وحذر إريتريا من استمرار دعم الجيش بالعتاد والمقاتلين، وأشار إلى "خداع الأوكرانيين وإقحامهم في حرب السودان بإيهامهم أن فاغنر تقاتل مع الدعم السريع". وهذه الكشوفات تُعري الأيادي الخارجية التي تُطيل أمد الصراع وتُفاقم معاناة الشعب السوداني.
وتوقع حميدتي نهاية الحرب "قريبا"، لكنه قرن إنهاءها بـ"نهاية تنظيم الحركة الإسلامية"، موضحا أن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بزوال هذه القوى الظلامية.
وفي موقف مبدئي، أعلن رفضه القاطع للعودة إلى محادثات جدة بالمملكة العربية السعودية قائلا "انتهى عهد المساومات، لا تفاوض مع من يقتل شعبه بالطيران، ولا سلام مع من يرفض الاعتراف بجرائمه. نحن مستعدون للحل السياسي، لكن ليس مع القتلة والمجرمين".
وشدد على أنه ليس من دعاة الحرب، مُعلنا أنه سبق وحذر زعيم الحركة الإسلامية علي كرتي بأن "الجيش سوف يدمر البلاد".
واتهم حميدتي الجيش بأنه خطط قبل أيام للتخلص منه ونائبه عبدالرحيم دقلو، مشددا على أن الدعم السريع "سوف يظل موجودًا".
وفي إشارة إلى التزامه بالعدالة الداخلية، أعلن حميدتي عزمهم تشكيل لجنة تحقيق بشأن مقتل أسير دهسا بسيارة عسكرية، داعيا قواته إلى تسليم الأسرى لمحاكم ميدانية، وذلك في تأكيد على شفافية الدعم السريع ومحاسبة أي تجاوزات بعد نشر مقطع فيديو يوثق الحادثة.