حضرموت تغرق في الظلام.. أزمة كهرباء خانقة تهدد بتفجير الغضب الشعبي وسط غياب الحلول

وكالة أنباء حضرموت

بين حرارة الصيف اللاهبة وتفاقم الأزمات الخدمية، تعيش محافظة حضرموت، بجناحيها الساحلي والوداي، واحدة من أشد الأزمات التي أثقلت كاهل المواطن، وهي أزمة الكهرباء التي تحولت إلى كابوس يومي يطارد السكان ويزيد من وتيرة التوتر الاجتماعي والأمني في ظل غياب حلول جذرية وواقعية من قبل الجهات المعنية.

▪︎ انقطاعات متواصلة تشل الحياة اليومية

تشهد مناطق ساحل حضرموت انقطاعات كهربائية متكررة تصل إلى خمس ساعات مقابل ساعتين تشغيل فقط، وهي معادلة أنهكت المواطنين، خاصة في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة المصحوبة برطوبة خانقة. لم تعد ساعات الانقطاع مجرد انزعاج عابر، بل تحولت إلى خطر مباشر على حياة آلاف المرضى وكبار السن والأطفال، ممن يعانون في صمت تحت وطأة حرارة تلامس الخمسين درجة مئوية داخل المنازل.

المراكز التجارية، بما في ذلك المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية والفنادق والمحال التجارية، تعاني من خسائر فادحة نتيجة انعدام التبريد وتوقف الخدمات الأساسية. المحال التجارية بعضها أصبحت مضطرة لإغلاق أبوابها في ذروة النهار، والمراكز الصحية تواجه صعوبة في حفظ الأدوية والمستلزمات الطبية في ظروف مناسبة.

وفي وادي حضرموت، تبدو الصورة أكثر قتامة، إذ تصل الانقطاعات إلى ست أو حتى سبع ساعات، مقابل تشغيل لا يتجاوز في بعض الأحيان الساعتين إلى ثلاث ساعات. حرارة الطقس القاسية التي تخطت 45 درجة مئوية تزيد من وطأة المعاناة، ما يهدد بموجة غضب شعبي قد تتفجر في أي لحظة، في ظل تجاهل السلطة المحلية

الوقود متوفر… والخدمة تزداد سوءًا

ورغم إعلان السلطة المحلية في حضرموت عن تزويد كهرباء الساحل بـ400 ألف لتر من المازوت يوميًا من قبل شركة “بترومسيلة”، إلا أن التحسن الموعود لم يلمسه المواطنون على أرض الواقع، بل على العكس، يشير الواقع إلى تراجع مستمر في كفاءة الخدمة الكهربائية.

توفير الوقود دون تحسن في الخدمة

وفي وادي حضرموت، تعاني الكهرباء من عجز في الوقود، لكنها لا تطلب إمدادات من شركة بترومسيلة إلا في يومين فقط برغم من توفر الكميات المطلوبة لها دون أن تقوم بسحبها، بحجة عدم توفر السيولة المالية، مما أدى إلى إطفاء أكثر من 30 ميجاوات من الطاقة بسبب نقص الوقود أو عدم جلب الوقود المكدس في شركة بترومسيلة.

أسئلة كثيرة تتردد في الشارع الحضرمي: أين يذهب الوقود؟ ولماذا لم ينعكس هذا الدعم على برنامج التشغيل؟ ولماذا تتكرر هذه الأزمة كل صيف دون حلول مستدامة؟ هناك اتهامات تتصاعد من الشارع المحلي بوجود فساد إداري ومالي، وسوء في إدارة الموارد، فضلًا عن غياب الشفافية في ملفات شراء الطاقة وصيانة المحطات الكهربائية.

التوترات الأمنية تفاقم الوضع

توترات أمنية وتشكيل معسكرات جديدة تزامنت أزمة الكهرباء مع توترات أمنية، حيث أعلن حلف قبائل حضرموت عن إنشاء معسكر لقوات تابعة له، مما أثار معارضة من قبيلة العصارنة التي اعترضت على إنشاء المعسكر بالقرب من أراضيها.

وقد تم اعتقال بعض أفراد القبيلة وإطلاق سراحهم لاحقًا، ودعت القبيلة إلى اجتماع ثالث يوم العيد لتدارس الموقف بشأن إنشاء المعسكرات في أراضيها.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تتصاعد الأصوات المطالبة بإعلان حالة الطوارئ في المحافظة واجراء تغيير ، وتكثيف الجهود بالتنسيق مع التحالف العربي لإنقاذ الوضع قبل أن يخرج عن السيطرة.

غياب المحافظ وتوقعات بتغييرات إدارية

تأتي هذه التطورات وسط غياب محافظ حضرموت عن المحافظة منذ أكثر من شهر، بعد دعوة له للمملكة العربية السعودية، وسط أنباء عن تغييرات محتملة في قيادة المحافظة، بعد الفشل في مواجهة الأزمات المتعددة التي تمر بها حضرموت.

الحلول الغائبة والتصريحات المتكررة من السلطة المحلية

اعتاد المواطن الحضرمي على تصريحات رسمية متكررة تعد بحلول قريبة لأزمة الكهرباء، من مشاريع طاقة شمسية إلى اتفاقيات مع شركات طاقة جديدة، غير أن شيئًا من تلك الوعود لم يتحقق على أرض الواقع.

ويؤكد مختصون في قطاع الطاقة أن الحلول المؤقتة، كشراء الطاقة من شركات خاصة أو الاعتماد على مساعدات وقود خارجية، لم تعد مجدية، بل تزيد من تفاقم المشكلة وتستنزف موارد الدولة دون أثر فعلي. ويطالب الخبراء بوضع استراتيجية شاملة تشمل تأهيل المحطات الحالية، وبناء محطات توليد جديدة تعتمد على مصادر طاقة مستدامة، وتفعيل الرقابة على قطاع الكهرباء لضمان العدالة والشفافية.

دعوات لتدخل رئاسي والتحالف لإعادة الاستقرار

في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، تتزايد الدعوات لتدخل مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي لإعادة الاستقرار إلى محافظة حضرموت، وتعيين قيادة جديدة قادرة على التعامل مع الأزمات المتعددة التي تواجهها المحافظة.

وقال محللون سياسيون إن الوضع والأزمة الحالية تتطلب تحركًا عاجلًا من الجهات المعنية لتوفير الوقود اللازم وتشغيل محطات التوليد، إضافة إلى معالجة التوترات الأمنية التي تهدد استقرار المحافظة.

إلى متى الصمت؟

يبدو أن محافظة حضرموت، رغم إمكانياتها الاقتصادية ومكانتها الجغرافية، لا تزال تُدار بعقلية الطوارئ ورد الفعل، دون تخطيط استراتيجي يضمن استقرار الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء. وبين أزمة تتكرر كل صيف، وسلطة غائبة، ومواطن يعاني، يبقى السؤال الأكبر الذي يتردد في الشارع: إلى متى سيظل الحضرمي رهينة لظلام دامس وحرارة قاتلة… في وطن غني بموارده، فقير بإدارته؟