الناتو في حالة تأهب.. روسيا تعزز وجودها العسكري قرب فنلندا
في ظل التهديدات الأمريكية بتقليص التزاماتها تجاه دول أوروبا والناتو، تحظى التحركات الروسية بمتابعة وثيقة من الدول الأوروبية.
وقد كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن تعزيز القوات الروسية لقواعدها العسكرية قرب الحدود الفنلندية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
بـ50 ألف ملجأ محصن.. فنلندا جاهزة لأي حرب
وتظهر الصور، التي أكدها مسؤولون في الناتو، إقامة صفوف من الخيام الجديدة، ومستودعات قادرة على استيعاب مركبات عسكرية، وتحديث ملاجئ الطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى نشاط إنشائي متواصل في قاعدة مروحيات كانت مهجورة سابقًا.
حتى الآن، تبدو هذه التحركات كخطوات أولية ضمن خطة توسع طويلة الأمد، إلا أنها لا تتشابه مع الحشود العسكرية التي سبقت العملية الروسية في أوكرانيا عام 2022، وهو ما يعني بحسب مسؤولين فنلنديين أن الوضع الحالي لا يشكل تهديدًا مباشرًا في الوقت الراهن.
تجدر الإشارة إلى أن فنلندا، التي حصلت على عضوية الناتو قبل عامين فقط، تشكل الآن أطول خط تماس مباشر بين الحلف وروسيا، إذ تمتد حدودها المشتركة مع روسيا لمسافة 830 ميلًا.
وترى نيويورك تايمز، أن هذه التحركات الروسية تعكس إدراك موسكو لوجود تهديد من جانب الناتو. ويتوقع المحللون العسكريون أن تتحول هذه المنطقة إلى بؤرة توتر، خاصة وأن جزءًا كبيرًا منها يقع ضمن الدائرة القطبية الشمالية التي تشهد منافسة متزايدة.
قاعدة كامينكا الروسية القريبة من الحدود الفنلندية
وكانت القوات الأمريكية والفنلندية قد أجريتا مؤخرا مناورة حربية في هذه المنطقة القطبية، شارك فيها مئات الجنود، حيث ركض الجنود في الغابات وتزلج الفنلنديون عبر الأشجار باستخدام الزلاجات. وكان العدو المفترض في هذا المناورة هي روسيا.
يتوقع الخبراء العسكريون أن تعيد روسيا نشر آلاف الجنود إلى الحدود الفنلندية بمجرد انتهاء المرحلة الحادة من الحرب في أوكرانيا، مع توقعات بأن تتضاعف القوات الروسية هناك ثلاث مرات خلال خمس سنوات. وأكد العميد بيكا تورونن، مدير الاستخبارات الدفاعية الفنلندية، أن "مستويات القوات ستصل إلى أرقام أعلى بكثير"، مشيراً إلى أن موسكو تسعى لتعويض تمدد الناتو الذي تعتبره تهديداً لأمنها القومي.
في المقابل، ترى روسيا أنها بحاجة إلى تعزيز دفاعاتها لحماية نفسها من توسع الناتو، وهي قضية لطالما كانت حساسة بالنسبة لها. فقد كانت دول البلطيق أولى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة التي انضمت إلى الناتو، مما جعل أجزاءً كبيرة من الحدود الروسية على تماس مباشر مع الحلف.
وكان احتمال انضمام أوكرانيا - الجمهورية السوفياتية السابقة الأكبر - إلى الناتو تهديدًا بالغًا لدرجة أنه أصبح أحد أسباب أكثر الحروب البرية تدميرًا منذ أجيال.
وقال مايكل كوفمان، زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن: "الجيش الروسي يشهد توسعاً كبيراً، وسيركز بعد الحرب على تعزيز المناطق المواجهة لحلف الناتو، بما في ذلك القطب الشمالي الذي تشكل السيطرة عليه جزءاً من هوية روسيا كقوة عظمى".
وتُظهر الصور الجوية عودة النشاط إلى قاعدة مروحيات قرب مدينة مورمانسك القطبية، بعد إهمالها لعقود، بالإضافة إلى نشر عشرات الطائرات الحربية في قاعدة أولينيا الجوية، الواقعة أيضًا في الدائرة القطبية والتي تبعد أقل من 100 ميل من الحدود الفنلندية، وفقًا لصور الأقمار الصناعية.
كما ظهر أكثر من مائة خيمة جديدة قبل نحو عام في قاعدة كامينكا، التي تقع على بعد أقل من 40 ميلًا من فنلندا.
وبحسب محللين فنلنديين، فإن روسيا تعمل على تحويل الألوية العسكرية القريبة من الحدود إلى فرق أكبر، ما يعني زيادة عدد الجنود في هذه المناطق بآلاف إضافية خلال السنوات القادمة، اعتمادًا على تطورات الحرب في أوكرانيا.
وفي مواقع أخرى مثل ألاكورتي وبيتيزافودسك، شيدت روسيا مباني جديدة لاستيعاب المركبات العسكرية، وظهرت مؤشرات على نشاط متزايد في قواعد قريبة من إستونيا أيضًا.
ويؤكد القادة العسكريون الفنلنديون أنهم يتعاملون مع هذه التطورات بهدوء وواقعية، مستندين إلى مثل فنلندي قديم: "روسيا ليست قوية كما تبدو، وليست ضعيفة كما تبدو."
ويقول المسؤولون الفنلنديون إن تعزيز الوجود العسكري الروسي في المنطقة سيحدث بعد هدوء المعارك في أوكرانيا، لكن توقيت ذلك يظل مجهولًا، ما يستدعي الاستعداد الدائم لأي تطورات مستقبلية.