كل شيء على الحافة في الشرق الأوسط
تقدمت المحادثات الفنية بين مفاوض البيت الأبيض ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لكن الشكوك لا تزال كبيرة بشأن أهداف الاتفاق المحتمل ومدته، وخاصة في ظل تفضيل إيران تخفيف العقوبات الفوري من خلال اتفاق محدود وسعي واشنطن إلى اتفاق نهائي وحاسم.
ويهدد هذا الخلاف بفشل المفاوضات وجعل منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية في ظل حالة استنفار إسرائيلية بسبب استمرار الحوثيين في إطلاق الصواريخ الإيرانية، وتلويح تل أبيب برد قاس يطال الحوثيين كما يطال إيران.
ويبدو أن المحادثات بين مفاوض البيت الأبيض ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تُحرز تقدما وإلا ما استمرت لتشهد جولتها الرابعة اليوم الأحد. لكنها تسير ببطء ودون نتائج واضحة بالرغم من التفاؤل الذي يبديه المفاوضون من الجانبين في تصريحاتهم.
وأعلنت سلطنة عمان، مساء الجمعة، استضافة الجولة الرابعة من المحادثات الأميركية – الإيرانية غير المباشرة، اليوم الأحد، في العاصمة مسقط. جاء ذلك في منشور لوزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، على حسابه في منصة إكس.
وكان من المقرر عقد الجولة الرابعة من المحادثات في روما السبت الماضي، لكن البوسعيدي أعلن تأجيلها لأسباب “لوجستية”.
وترافق ذلك مع انتقادات حادة وجهها متحدث وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إلى الولايات المتحدة بسبب العقوبات التي فرضتها مؤخرا بـ”ذرائع مختلفة ضد أشخاص وشركات إيرانية وغير إيرانية“.
واعتبر تلك العقوبات “مؤشرا جليا على إصرار الساسة الأميركيين على انتهاك القانون وخرق حقوق ومصالح سائر البلدان“.
وتفضل إيران التوصل إلى اتفاق محدود يركز على النوايا ويكون هدفه المباشر تخفيف العقوبات بشكل فوري، بينما هي في حالة ضعف قصوى، ودون الالتزام باتفاق طويل الأجل.
وهذا الضعف هو جزء ممّا يجذب تركيز إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وليس من المفاجئ أن تُجرى هذه المفاوضات بالتزامن مع نشر مجموعة حاملة طائرات أميركية ثانية في الشرق الأوسط، وتلميح ترامب إلى استعداده لضرب إيران في حال فشل المحادثات.
بعبارات أخرى، يرى ترامب أنه استعد لهذه الخطوات عبر ترسيخ نفوذه. لكن فشل القصف الموجه ضد الحوثيين، وقبول واشنطن باتفاق يفضي إلى وقفه مقابل وقف الحوثيين استهداف السفن الأميركية، يرسل إشارات سلبية عن فرص نجاح إستراتيجية “الضغوط القصوى” خاصة أن الحوثيين هم الورقة الأساسية التي تتبقى بيد إيران من جملة أوراقها الإقليمية.
وينتظر أن يعطي هذا التطور فرصة لإيران للاستمرار في لعبة شراء الوقت وإغراق المحادثات بالتصريحات المتفائلة دون تقديم تنازلات تفضي إلى التسريع بإنجاز الاتفاق كما تريده واشنطن.
ويقول الكاتب جون ألترمان في مقال بموقع عرب دايجست إنه من غير الحكمة توقع نصر أميركي سريع، فالمفاوضون الإيرانيون يتمتعون بخبرة واسعة تمتد لعقود، حيث تعاملوا مع إدارات أميركية متعددة، وهم على دراية تامة بالملف النووي. كما يدركون أساليب التفاوض التي لاقت استحسان الأميركيين في الماضي، ولم ينسوا الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأميركية السابقة. وينبع صبرهم جزئيا من كون العلاقة مع الولايات المتحدة المعضلة الإستراتيجية الرئيسية للأمن القومي الإيراني، بينما يظل فهم طهران قضية ثانوية لمعظم الإدارات الأميركية.
وتواجه إدارة ترامب تحديين مترابطين. أولا، يجب أن تتمكن من الحفاظ على سير المفاوضات بسرعة كافية لتقييد البرنامج النووي الإيراني. ومنذ انتخاب ترامب في 2024، زادت إيران إنتاجها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل حاد. وقدّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير أن إيران تمتلك ما يكفي من المواد لزيادة التخصيب وإنتاج ستة أسلحة نووية، مع تخصيب مواد إضافية لأخرى جديدة كل شهر. وعلى أقل تقدير، ستهدف إدارة ترامب إلى إبطاء عملية التخصيب هذه.
◄ الاتفاق الأميركي - الحوثي يعطي فرصة لإيران للاستمرار في شراء الوقت وإغراق المحادثات بالتصريحات المتفائلة
ثانيا، يجب تجنّب إثارة قلق إسرائيل بالظهور بمظهر من يقدم تنازلات كبيرة لإيران. وتُعتبر طهران، لدى جميع الأطياف السياسية الإسرائيلية، تهديدا وجوديا. وإذا رأت إسرائيل أن الولايات المتحدة متساهلة للغاية، فقد تتصرف بشكل أحادي ضد إيران، إما من خلال ضربات عسكرية علنية أو وسائل سرية، لتخريب المفاوضات.
وفي الوضع الأمثل، يمكن أن يعزز هذان التحديان بعضهما البعض، حيث قد تستغل الولايات المتحدة التهديد بإجراء إسرائيلي للضغط على إيران للموافقة، بينما قد تستخدم إيران مخزونها المتنامي من اليورانيوم المخصب لدفع الولايات المتحدة نحو اتفاق. ومع ذلك، لا تزال المخاطر متعددة، ومن أبرزها إمكانية توجيه ضربة إسرائيلية تهدف إلى توريط الولايات المتحدة في مواجهة مفتوحة مع إيران، وهو أمر سعت إدارة ترامب منذ فترة طويلة إلى تجنبه.
ومن المرجح أن تدعم دول الخليج بهدوء كلا من المفاوضات الجارية والتهديد بالتدخل الإسرائيلي إذا بدا أن إيران تستفيد كثيرا من الاتفاق. وقد سعت هذه الدول لسنوات إلى الحوار المباشر مع إيران، مع حث القوى الخارجية على ردع العدوان الإيراني. وتبقى نظرتها للتهديدات الإيرانية متجذرة في التاريخ الفارسي الممتد على مدى ألفي عام أكثر من ارتباطها بـ45 عاما منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.
كما تخشى من أن يستهدف الرد الإيراني أراضيها التي تشكّل أهدافا سهلة قريبة، قبل أن يصيب الولايات المتحدة أو إسرائيل. وأدى نجاح دفاع إسرائيل ضد هجمات طهران الجوية في أبريل وأكتوبر 2024، وهو ما تحقق بفضل تعاون وثيق مع القوات الأميركية والشركاء العرب الإقليميين، إلى تآكل كبير في قدرات الردع الإستراتيجية الإيرانية. ويبدو أن هذا التطور يُعيد توجيه تركيز إيران العسكري نحو أهداف أقرب ضمن نطاق نفوذها المباشر.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، الجمعة، إن الجيش الإسرائيلي يعتزم توسيع نطاق هجماته في اليمن عقب توقف العمليات الأميركية هناك، فضلا عن “ضرب أهداف في إيران“.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها إنه “لن تكون هناك قيود” على التحركات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن.
وأردفت “إيران أيضا لن تخرج نظيفة من المواجهة،” وأن “تل أبيب تدرس الآن خيارات لضرب أهداف مباشرة في إيران، فضلا عن تكثيف الهجمات على منصات إطلاق الصواريخ والبنية التحتية في اليمن“.
ويُعد ترامب شريكا تفاوضيا جذابا بالنسبة إلى إيران. ويبدو أنه مُتحمس للتوصل إلى اتفاق، ويبدو عليه نفاد الصبر، ولا يبدو مُركّزا على التفاصيل الفنية. وقد يجد المفاوضون الإيرانيون، نظرا لإلمامهم العميق بالقضية النووية، التعامل معه أسهل من الرؤساء السابقين.
والأهم من ذلك، أن ترامب مُحاط بمنتقدي إيران، فموقفه السياسي وسجله بشأن إيران وإسرائيل قد يُمكّنانه من الدفاع عن الاتفاق بفاعلية أكبر من أسلافه الذين اضطروا لمواجهة معارضة الجمهوريين والمؤيدين لإسرائيل. كما أنه من غير المُرجح أن تُعارض إسرائيل أو دول الخليج اتفاقا يقوده ترامب بنفس الصراحة التي عارضت بها خطة العمل الشاملة المشتركة التي أبرمتها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2015.
ومع ذلك، فإن أيّ اتفاق مع ترامب يحمل في طياته مخاطر تجاهله له لاحقا، كما حدث عندما عدّل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية لعام 1994 في 2018، وأعاد تسميتها بالاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ثم هدد الدولتين لاحقا برسوم جمركية مرتفعة عبر أمر تنفيذي عند عودته إلى منصبه في يناير 2025.
ويعتبر ترامب التفاوض مع إيران خيارا إستراتيجيا منطقيا، فهو يتماشى مع ميله إلى السعي وراء الصفقات وثقته بفريقه التفاوضي، بالإضافة إلى طموحه للفوز بجائزة نوبل للسلام.
وكان الدافع الرئيسي لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثانية لترامب في أبريل هو التنسيق الوثيق بشأن إستراتيجية إيران. ومع ذلك، يزيد احتمال ظهور اختلافات في الإستراتيجية كلما اقتربت الولايات المتحدة وإيران من التوصل إلى اتفاق.