ترامب يسعى لاستعادة ثقة الخليجيين بإستراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط
يتوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين إلى الشرق الأوسط في زيارة تشمل السعودية وقطر والإمارات، كأول زيارة خارجية رسمية له منذ استلام منصبه في ولايته الثانية يناير الماضي، وهو ما يؤكد أهمية الخليج في إستراتيجية واشنطن في المرحلة القادمة.
ويسعى ترامب إلى استعادة ثقة الخليجيين بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط بعد الشكوك الخليجية التي رافقت ولاية الرئيس السابق جو بايدن الذي لم يضع الأمن القومي الخليجي في حسابه، وتراجع عن اتفاقيات دفاعية أميركية مع أكثر من بلد خليجي، وسعى لفتح قنوات التواصل مع إيران دون مراعاة مصالح دول الخليج أمنيا سواء كتجمع أو دول منفردة.
ولا يعرف إلى أيّ حد سينجح ترامب في تبديد مخاوف الخليجيين من سياسات بلاده السابقة، لكن من الواضح أنه ينظر إلى دول الخليج على أنها شريك رئيسي لبلاده في ملفات المنطقة خاصة بعد ما أبداه من حزم تجاه إيران وأذرعها في المنطقة وتلويحه بردود قاسية في حال رفض الإيرانيون التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي.
لكن الأمر يختلف هذه المرة بالنسبة إلى الخليجيين، الذين لا يريدون الانضواء في حلف دبلوماسي أو دفاعي ضد إيران. وعلى العكس، فقد ساعدت سلبية الرئيس الأميركي السابق في تشجيع الخليجيين على فتح قنوات تعاون مع إيران وتبديد المخاوف المتبادلة.
وبدا هذا واضحا خاصة بالنسبة إلى السعودية التي وجدت أن الأفضل هو الحوار مع إيران والحوثيين بدل استعدائهما. ومن الصعب أن تتراجع عن هذا الخيار الذي سيساعدها على التفرغ لتنفيذ خططها الاقتصادية الكبرى، واستضافة المناسبات الدولية الكبرى مثل أكسبو 2030 ومونديال كرة القدم 2034.
واستعرض وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال لقائه في جدة مساء السبت مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سبل دعم العلاقات الثنائية بين البلدين إضافة إلى التطورات الإقليمية.
وتزامن زيارة عراقجي إلى الرياض مع جولة ترامب الخليجية كان رسالة من السعودية وإيران إلى أن أبواب الحوار ستظل مفتوحة حتى لو كان لترامب احتراز على ذلك.
وإذا كان من الصعب على ترامب إحياء التحالف الدفاعي ضد إيران، الذي كان وراء تأسيسه في ولايته الأولى، في ظل تغيير قناعات السعوديين، فهو قد يحصل منهم على تفهم لرغبته في تعديل الإستراتيجية النفطية وزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، وهي الإستراتيجية التي بدأت الرياض في تنفيذها كرد فعل على الدول التي لم تلتزم بالحصص التي يحددها تحالف كبار المنتجين (أوبك+).
آنا جايكوبز: يأتي ترامب إلى الخليج أولا لأن المنطقة أصبحت مركز ثقل جيوسياسي ومالي
وسيجد ترامب في جولته الخليجية تحولا آخر مهما، وهو أن دول الخليج الفاعلة مثل الإمارات والسعودية قد باتت تعتمد نظاما جديدا للشراكة يقوم على تنويع الشركاء والاستثمارات، ولم يعد الأمر حكرا على الشركات الأميركية، وهو خيار إستراتيجي وليس ردة فعل على سياسات بايدن من قبله، ما يجعل من الصعب تغييره، وإن كان الرئيس ترامب سيحصل على وعود استثمارية وصفقات في جولته.
ولا يبدو الرئيس الأميركي مستعجلا في مسألة تطبيع السعوديين مع إسرائيل، واستثناؤها من الزيارة إشارة واضحة إلى أن ما يهم ترامب هو ترتيب الأوضاع وإصلاح أخطاء بايدن كمهمة عاجلة. ويبقى التطبيع عنصرا لاحقا خاصة في ظل ما يجري من حديث عن توتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وسيلتقي ترامب في الرياض قادة الدول الست لمجلس التعاون الخليجي.
وجعلت إسرائيل من موعد الزيارة مهلة لمساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس في غزة، ملوّحة في حال فشل ذلك بتوسيع عملياتها العسكرية في القطاع تمهيدا “للسيطرة” عليه.
ويبدو أن ترامب يعتمد بشكل متزايد أسلوب عدم التدخل في هذه المسألة، على الرغم من إعلان السفير الأميركي لدى إسرائيل هذا الأسبوع، أن بلاده تعدّ خطة لإيصال المساعدات إلى غزة من دون مشاركة الدولة العبرية التي أطبقت حصارها على غزة مطلع مارس.
ويتوقع أن مساعي ترامب منذ ولايته الأولى لإبرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، ستبقى على نار هادئة طالما أن الرياض تشدد على تحقيق تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية قبل أيّ اتفاق مع الدولة العبرية.
في المقابل، سيكون الملف النووي الإيراني في مرتبة متقدمة على جدول أعمال الزيارة، خصوصا أن واشنطن وطهران ستعقدان في مسقط، اليوم الأحد، جولة رابعة من المباحثات بهذا الشأن.
إلا أن طهران حذرت الرئيس الأميركي من مغبة تغيير التسمية الرسمية للخليج، بعدما أفادت تقارير صحفية بأنّه يعتزم إطلاق اسم “الخليج العربي” أو “خليج العرب” على المسطح المائي الذي تعتبره إيران “الخليج الفارسي” منذ قرون عدة.
وأدت دول الخليج أدوارا جيوسياسية متزايدة في الولاية الثانية لترامب، إذ تشارك قطر في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس بشأن غزة، بينما استضافت السعودية مباحثات متعددة الأطراف بشأن الحرب في أوكرانيا.
وتقول الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن آنا جايكوبز “يأتي ترامب إلى الخليج أولا لأن المنطقة أصبحت مركز ثقل جيوسياسي ومالي“.
ويتوقع أن تبرم الدول الخليجية الثلاث التي سيزورها ترامب صفقات مع واشنطن تشمل مجالات الدفاع والنقل الجوي والطاقة والذكاء الاصطناعي.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت الجمعة أن “الرئيس يتطلع لبدء عودته التاريخية إلى الشرق الأوسط،” وذلك للترويج لرؤية سياسية “يهزم فيها التطرف لصالح التبادلات التجارية والثقافية“.