القاعدة يستثمر صراع باكستان والهند بحثا عن دور في المعادلات
يعد البيان الذي أصدره القاعدة في شبه القارة الهندية دقيقا في توقيته وأهدافه، في ظل تطور الاشتباكات بين باكستان والهند، وهو ما يريد التنظيم استثماره للتأثير في معادلات المنطقة. واعتبر البيان، الذي صدر في السابع من مايو بالإنجليزية والأردية، أن الحرب ليست بين قوتين متجاورتين بل هي جزء من الحرب على الإسلام بحثا عن استثمار البعد الديني في الاستقطاب.
ويريد فرع القاعدة في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية أن يطرح نفسه كطرف ينبغي على صناع القرار وقادة الأجهزة في باكستان دعمه بالنظر إلى ما يمكن أن يحدثه من فوضى واضطرابات في الهند، ما يخفف الضغط عن إسلام آباد غير المُهيأة لخوض صراع عسكري طويل مع جارتها القوية. ويُراهن التنظيم على أن يكون التعويل عليه لتنفيذ عمليات ضد الهند بديلا مُريحا وغير مُكْلِف للجيش الباكستاني.
ويهدف فرع القاعدة في شبه القارة الهندية إلى تثوير مسلمي الهند من منطلق ديني وطائفي واستغلال الضربة لباكستان التي أتت عقب هجوم استهدف سيّاحا هنودا في بلدة بهلغام، لإعلان لحظة التمرد التي طال انتظارها ضد الهند “الهندوسية والعلمانية التي تحارب الإسلام وتضطهد الأقلية المسلمة.”
وواضح أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وهو أحد أكثر الفروع ديناميكية وتصميما لتنظيم القاعدة العابر للحدود، يخطط لأن تكون لحظة الانزلاق إلى الحرب، هي الجالبة لما أطلق عليه مرارا “غزوة الهند”، حيث طالما دفع باتجاه حشد مسلمي الهند لتبني قناعاته وانتظار الفرصة للانقضاض من الداخل وتحقيق الانتصار لمسلمي الهند.
واستغل التنظيم فترات أقل في منسوب الشحن والتوتر بين البلدين بهدف تأجيج شعور المسلمين الهنود بالاضطهاد وتوفير الأرضية العريضة للاستقطاب والتجنيد تحت وطأة آلته الدعائية التي يديرها باحترافية. ولم ينجح تنظيم القاعدة، رغم الدعم الاستخباراتي واللوجستي واشتباكه مع ملفات تنطلق من قضايا حقوقية عادلة، في تغيير المعادلات لصالحه ولصالح من يدعمه داخل الهند.
◙ فرع القاعدة لا يريد تفويت فرصة الاشتباك بين الهند وباكستان للمسك بدفة التوجيه الجماهيري داخل الأوساط الإسلامية في الهند
وحال دون تحقق التغيير العديد من العوامل، منها احتواء الحكومة الهندية ودعمها لنسخ أخرى من الانتماء العقدي الإسلامي مثل المتصوفة والشيعة، وانتهاج سياسة القبضة الأمنية الصارمة والتعامل بحسم قضائيا مع أيّ مظهر مسلح لنسخة السلفية الجهادية في عموم شبه القارة الهندية.
ولا يريد فرع القاعدة تفويت فرصة الاشتباك بين الهند وباكستان للمسك بدفة التوجيه الجماهيري داخل الأوساط الإسلامية في الهند، والبدء في تنفيذ مخطط طالما راود منظري التنظيم وقادته، والمتعلق بطموح تصعيد نفسه وطرح اسمه كمدافع رئيسي عن الإسلام والمسلمين.
ويحاول التنظيم خلال هذه المرحلة الحرجة تعظيم حضوره وأدواره عبر العودة بالصراع إلى أصوله الأيديولوجية بهدف تجنيد عدد كبير من المسلمين في الهند ودفعهم إلى الاشتباك مع حركات متطرفة في مواجهة تطرف مضاد.
ويراهن تنظيم القاعدة وجماعات راديكالية أخرى على أن ولادة دولة الهند الحديثة كانت وسط أعمال عنف واسعة بين المسلمين والهندوس جرى خلالها اقتلاع سبعة ملايين شخص من ديارهم في سياق أكبر هجرة جماعية في التاريخ الحديث، ما أدى إلى تقسيم الهند إلى باكستان المسلمة والهند ذات الأغلبية الهندوسية.
ويتضمن هذا الاستدعاء التاريخي واحدة من أخطر محفزات الأدلجة والانضواء داخل تيار الإسلام السياسي في العالم، ما يعني مخاطبة فرع القاعدة لمختلف أجنحة السلفية الجهادية بالمنطقة، على ضوء نهلها من معين واحد متمثلا في أبي الإسلام السياسي، وهو أبوالأعلى المودودي.
وتتأسّس سردية التنظيمات الجهادية النشطة بالإقليم على معارضة المودودي تقسيم الهند داعيا إلى استعادتها إلى حظيرة الإسلام، معتبرا أن هجرة الإسلاميين إلى باكستان كان فشلا ذريعا أدى إلى نهاية تيار الإسلام السياسي في الهند، ما جعل الصراع الهندي – الباكستاني عنصرا رئيسا في منهجيتها ودعايتها.
وفي حال راهنت باكستان على تدخل المتطرفين وقبلت انخراطهم بشكل موسع في الصراع، فإنها تضاعف بذلك من مشاكلها، فهي تعاني من معضلة معقدة تتمثل في فرع طالبان باكستان (تحريك طالبان) الذي يخطط لاستنساخ تجربة طالبان الأفغانية وجعل الحكم في البلاد إسلاميا متطرفا.
وبالتوازي مع إصدار فرع القاعدة في شبه القارة الهندية لبيانه التحريضي حرّض رجال دين يرتبطون بجماعات متشددة محلية بباكستان مثل طالبان – باكستان المواطنين على الامتناع عن دعم الجيش الباكستاني في مواجهة الهند.
وإذا كان فرع القاعدة في شبه القارة الهندية يتحين الفرص لإطلاق “غزوة الهند” وإعادة البلد صاحب المليار ونصف المليار نسمة إلى الإسلام، فإن جماعة “تحريك طالبان” وغيرها تجند أتباعا لها مستشهدة بأحاديث نبوية تتنبأ بمعركة دينية كبرى في شبه القارة الهندية.
◙ فرع القاعدة في شبه القارة الهندية يهدف إلى تثوير مسلمي الهند من منطلق ديني وطائفي واستغلال الضربة لباكستان
وإذا كان الطافي على السطح توظيف تقليدي للتشدد والجماعات التكفيرية من خلال أطراف عديدة لتحقيق أهداف دول متصارعة ومتنافسة داخل إقليم إستراتيجي، فإن الرؤية الأكثر تخصصا وعمقا تكشف تنافسا موازيا بين مختلف الجماعات الراديكالية وجماعات السلفية الجهادية في الإقليم.
ويتبين من خلال تتبع خيوط مختلف الجماعات أن أيّا من الأطراف غير رابح بتسامحه مع تعاظم نفوذ الجماعات التكفيرية المسلحة في الإقليم تحت وهم التوظيف، حيث تتنافس فيما بينها، تلك التي تستهدف الهند مباشرة أو التي تصل لاستهدافها عبر المرور أولا بباكستان لجعلها مسلمة.
وجعلت سياسات التغاضي عن نشاطات الجماعات التكفيرية لتحقيق أهداف متوهمة، الإقليم برمته في فخ الأفكار المتشددة؛ وواضح أن هناك تنافسا بين قوى تدّعي أنها الأكثر تعبيرا عن الإسلام وأجدر بتمثيله.
وقد ترك عدم التحكم في مسارات الصراع من قبل بعض الدول مساحة واسعة للجماعات المتطرفة لتتحكم فيه هي، لا بقيادة البلدين باتجاه الصلح والتهدئة، بل باتجاه خطوط الصدع التي كانت قائمة بين الهندوس والمسلمين والتي وصلت إلى ذروتها مع تقسيم الهند في العام 1947.
ويُضاف الصراع بين الهند وباكستان إلى بؤر الصراع التي تغذت عليها الحركات الجهادية ووظفتها لحساب آلتها الدعائية والتجنيدية؛ حيث أوجد استخدام وكلاء جهاديين لزعزعة استقرار الهند بؤرة تكفيرية لا تهدأ تغذي الفكر المتشدد بمختلف مناطق العالم.
ولا يخدم تأجيج الصراع الطائفي المبني على خطابات جماعات تكفيرية مصلحة الهند أو باكستان؛ وفي الوقت الذي تنمو فيه جماعات تقدم نفسها أنها ضد سيطرة الهند على جامو وكشمير، ينمو التعاطف مع المتطرفين، وترتخي يد الدولة والأجهزة التي تجبر على تقديم تنازلات لمختلف الجماعات التكفيرية.